جاء صوت أخيه أمراً؛ فكان أن ذهب رغم أنفه إلى منزل الأستاذ عبد العزيز للقيام بخدمته وخدمة والدته وزوجته وطفلهما الرضيع. لم يتجاوز الثالثة عشرة، نحيل الجسد، الفاقة واليتم ارتبطا به من سنته الثانية، يعيش مشتتاً بين منزل أخيه وأمه المتزوجة، ورغم هذه الظروف كان ناجحاً في دراسته متقدماً على أقرانه. بينما كان يصبّ القهوة ذات مساء لحظ مدرس الفقه الضرير بين الحضور؛ ارتبك ولم يهتمّ بالأمر، وأدرك أن المدرس عرفه وسوف يفضحه في الفصل بين زملائه بأنه خادم في منزل أحد الأثرياء. ورافق آخر الضيوف إلى منزله في حي آخر لإحضار العدد الأول من صحيفة يومية جديدة. كانت الساعة العاشرة من ليلة شتائية. هجر المارة فيها الطرقات، عاد وحيداً عبر طريق طويل.. ووجد عبد العزيز قد اندس في فراشه. استقبلته الأم بعطف وخوف، لفت حول جسده البارد بطانيتها ودعته للجلوس أمام المدفأة التي في غرفتها. تنبه إلى صوت الزوجة التي وقفت فوق رأسه بمنامتها، ألقت أمامه زوج جرابات طالبة منه غسلها بسرعة! دعك عينيه. الضوء يعم المكان، تلفت حوله، تذكر المرأة العجوز، خرج من الغرفة. دعك الجوارب بين يديه ثم ربطها حول حبل ممتد في فناء الدار ثم أخذ يلاعب الطفل الذي أقبل نحوه في عربة تساعده على المشي. ارتفع صوت شجار من داخل الدار بين المرأتين، تلفت حوله، طبع قبلة على جبين الصغير وخرج.
محمد منصور الشقحاء |