أقمت حواراً مع عدد من الشباب طالبي العمل ضمن برنامج تقيمه جمعية البر الخيرية ببريدة من خلال معهد تنمية مهارات الشباب، وهذا المعهد الفريد بنوعه يختص بتدريب وتأهيل بعض من الشباب طالبي العمل، والذين لا يحظون بأي مسوغ وظيفي يمكن تقديمه لجهات العمل مثل الشهادات أو الخبرات. ويقوم المعهد على تدريب المشاركين على بعض المهارات المهنية والسلوكية للتكيف مع العمل وتقوم الجمعية والمعهد من خلال الاتصال بمؤسسات المجتمع بالحصول على وظائف تتوافق مع قدرات هؤلاء الشباب، وقد أتيح لي شرف اللقاء بهم من خلال محاضرة كأحد الذين يتعاونون معهم من هيئات تدريس وأصحاب خبرات تلقى على الطلاب في برنامج زمن مقداره شهرين. وحاولت أن أتحاور معهم لمعرفة قدراتهم العلمية والمهنية- وقد طرحت سؤالاً عن.. كيف تسوّق لنفسك لتحصل على عمل من خلال عرض إمكانياتك وتجاوز المعوقات. إن محور العطاء يبدأ من اكتشاف الإنسان لنفسه من خلال إعداد هوية مهنية يستطيع بها أن يدافع عنها ويسوّق لها لدفع الآخرين للقبول به كشخص لديه إعداد واستعداد للعمل، خاصة أن سوق العمل يتطلب منه الاستعداد الشخصي للعمل من خلال شعوره وقدرته على العمل، ويحاول تحقيق ذاته بأدائه العمل وتجاوز أزمة النظرة الدونية نحو العمل ونوعه، حالة الشعور بافتقار مهارة التواصل مع ظروف العمل وسوقه عادة يجعل الفرد ينصدم بواقع غير متخيل لواقع العمل. على طالب العمل أن يدرك حجم العمل ومقدار قدرته على العطاء داخل العمل حتى يستطيع أن يحصل له الغاية. ويمكن من خلال ذلك أن يمارس طالب العمل ظرفاً وقائياً بحيث يعمل على جمع المعلومات وإمكانيات السوق ونظام العمل مع القدرة على استيعاب إجراءات العمل والاستعداد لتقبل طبيعة العمل. إن طالب العمل يعاني من هاجس فكري يعمل على إعاقة ذاته لقبول العمل فهو يفكر في ماضي يعيقه ومستقبل خائف منه، إن عليه أن يقبل الماضي حتى يتجاوز استياءه منه ويتخطاه بالقبول، ويبقى الدور المهم هو قدرتنا على التعاطي مع الموقف الحالي لكي نتخلص من الماضي المؤلم المكنون بالفشل المتكرر للحصول على وظيفة ظناً منا أن ذلك يسبب عدم رغبتهم بناء أو أن آخرين أقدر منا على الحصول على الوظيفة بما يتمتعون به من اتصال، والحقيقة أن أسباب الإخفاق هو عدم استكمال المسوغ الوظيفي وعدم التوافق مع متطلبات العمل. لقد قمت بإجراء مقابلة لعدد من الشباب سواء المفرج عنهم من السجون أو العاطلون الذين مروا بإخفاقات البحث عن عمل وطرحت عن سؤال ما خططك للحصول على دخل. لم أجد هناك أهدافاً واضحة لديهم أو خططاً مرسومة تحتاج إلى من يساعدهم لتنفيذها لعدم القدرة على ممارسة التفكير في المستقبل والإعداد للظروف وكذلك التهيئة للمقابلات الشخصية لتتقدم للعمل أي لا يوجد مشاريع جاهزة في مخيلاتهم. وقد تكون المكانة الاجتماعية لا تؤرق البعض منهم، فالكل منا يبحث عن مكانته الاجتماعية وهي التي تؤصل العمل الاجتماعي وترقى بمستوى التواصل الاجتماعي. حكى لي أحد المفرج عنهم عندما طرحت عليه مشروع العمل مبتدياً بالطرح له بسؤال.. ما لديك من مهارة أو قدرات مهنية؟.. فقال. لدي الكثير لكني لا أريد الرجوع أو الانخراط بها مرة ثانية. ولماذا؟ قال أعتقد أن صلاحي هو الانخراط بعمل يكون الأخيار المتعلمون أكثر من طبقة قليلي التعليم إذاً .. ماذا تريد أن تكون.. مديراً؟.. لا. بل مراسلاً له ولماذا؟ سوف يراقبني ويطلب مني أن أرقى بنفسي وأن أهتم بقوامي، ولن يسمح لي بالتراجع بل سوف يدفعني. ولماذا؟ لأنني حين تعلمت المهنة لم أتعلم سلوك التعامل مع صاحب المهنة وهم المهنيون، لن يدفعوا بي إلى الأمام.. هي طبقة متساوية التفكير والطموح وأنا أريد أن أرقى بمدير وبطموحي.ولذلك أهيب على القائمين على المعاهد المهنية والقائمين على إعداد تأهيل المعوقين اجتماعياً أن يدعموا تأهيلهم بمقوم سلوكي يعزز تواصلهم مع المجتمع، إننا بحاجة إلى احتواء هذه الفئة وكذلك هم يحتاجون لتحمل مسؤولية البحث عن الحكمة وتقديم أنفسهم ليقبلهم الآخرون وأن نتسلح بالعلم والمهارات والاستيعاب لكي نقف مع من يتفاضل معنا لنحصل على حقوقنا.
|