تشغل التوعية الوقائية أو التوعية بقواعد السلامة حيزاً واسعاً من اهتمام العاملين في الدفاع المدني على اختلاف مستوياتهم الوظيفية لقناعتهم السارخة بدورها الإيجابي والمثمر انطلاقاً، من المقام الأول، من مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع في الحفاظ على سلامة نفسه. ولكون التوعية الوقائية نشاطا إعلاميا في المقام الأول، فقد تميزت العلاقة بين الدفاع المدني ومنسوبي الإعلام وتوثقت أواصرها حتى أصبح الدور الإعلامي (كما يتصوره العاملون في الدفاع المدني) هو خط الدفاع الأول الذي يعول عليه في تخفيض نسبة المخاطر في حياتنا. فمن خلال إبراز بعض التجارب المؤلمة بتفاصيلها الدقيقة وتوضيح مسبباتها الحقيقية، تكون الاستجابة من قبل كافة شرائح المجتمع صادقة وعفوية، لتشكل مع الوقت حسّا جماعيا وإطارا ثقافيا يدفع إلى الحذر من الأخطار المحتملة، وهذا ما يحقق الأهداف الأساسية للقطاع والمتمثلة في الحفاظ على الأرواح والممتلكات. وهنا يقفز للذاكرة حادث مروع وقع قبل عدة سنوات في مدينة الرياض، فبينما مركبات الدفاع المدني تندفع داخل مجمع عمائر سكنية، وألسنة النيران بازغة من نوافذ الدور الخامس والدخان الكثيف يتصاعد بكثافة مذهلة حتى لا تكاد تجزم كم من الأدوار يعلو الدور المنكوب، كانت صرخات الاستغاثة مدوية في الجهة الأخرى لأطفال شرفة صغيرة، وقد أعياهم الدخان والحرارة الشديدة. تمركزت سيارات الدفاع المدني (إنقاذ - إطفاء - إسعاف - إخلاء) في مواقع مناسبة وبسرعة فائقة، حيث لا ازدحام أو تجمهر من المارة!! فقد كانت الساعة تقارب الثالثة صباحاً صعد رجال الإنقاذ بواسطة السلالم المتحركة من الخارج نحو الأطفال، وللقارىء الكريم أن يتصور مدى قسوة الموقف حينما لا يبالي هؤلاء الأطفال بالارتفاع الشاهق وهم يتسابقون في إلقاء أنفسهم في حضن رجل الإنقاذ، هرباً من فوح النار القاتل. وللقارىء الكريم أيضاً أن يتصورأن توفير (كاشف الدخان) لا يتجاوز ثمنه ثمن علبة الحليب التي يستهلكها هؤلاء الأطفال في أسبوع واحد، كان كفيلاً بإذن الله لوقايتهم من هذه التجربة المريرة. في ذات الوقت كان رجال الإطفاء يباشرون إخماد الحريق من خلال مدخل الشقة في الدور الخامس لقد كان مشهداً فظيعاً وهم يتسلقون الدرج في الظلام الدامس ويطالبون السكان بإخلاء المبنى خشية انتشار الحريق أو تسلل الدخان إليهم وهم غارقون في النوم، حيث كان الدرج الرئيس للمبنى محروماً من اشتراطات ومتطلبات السلامة، وكذلك من إدارة الطوارىء وأجراس الإنذار!!. وبعد دقائق من إخراج الوالدين في حالة إعياء شديد بعد أن استحال خروجهما بسبب تمركز النيران في وسط الشقة، ورغم ذلك كان شغلهما الشاغل أطفالهما، حيث لم تجد تأكيدات رجال الإطفاء بسلامتهم، فقد كانت الشكوك تراودهما بشدة لهول الحادث وضراوته. أكمل رجال الدفاع المدني مهمتهم بعد مجهود كبير، وكانت السعادة بنجاح المهمة تملأ محياهم، ولكن وبينما هم يتأهبون للعودة إلى مراكزهم، إذ بأحد الحضور يجادلهم وينتقد أداءهم بحجة أن الشقة (صارت خرابة!!)على حدّ تعبيره، وكان يكرر أثناء حديثه ذكر البرنامج الإعلامي (911). إن فكرة هذا البرنامج تعكس الاستغلال الأمثل لدور الإعلام في نشر الوعي الوقائي بين المواطنين، غيرأن الرسالة المقصودة ما تلبث أن تعتيرها بعض العلل التي تحول دون تحقيق الهدف المنشود، إن لم ينجم عنها فكرة مخالفة تماماً! فبدلا من ترسيخ مفهوم السلامة من خلال إبراز ضرورة أن يلتزم الجميع بقواعد السلامة للوقاية من الأخطار، أصبح المشاهد لهذا البرنامج يتوهم أن فريق (911) يستطيع أن يوقف الموت، أو يمنع الخسائر، أو يواجه كل الأخطار المحتملة وغير المحتملة، وهذا بطبيعة الحال (هم) لا أساس له ويخالف الواقع. أن هذا البرنامج يبقى برنامجاً إعلامياً مميزاً ورائداً غير أن لطابع الانتقائية، وهو الغالب على ما يعرضه من حوادث أثر بالغ في رسم أسطورة مبالغ فيها كثيراً لفريق الإنقاذ، حيث يتجاهل عرض الحوادث الجسيمة أو التي ينجم عنها وفاة الضحية، رغم ما تظهره الإحصاءات من وقوع عشرات الآلاف من الضحايا سنوياً من مواطينهم نتيجة حوادث السير فقط، ولذا المشاهد لا يرى في هذا البرنامج سوى ما تجسده من إثارة قد تصرفه عما ينبغي أن يكتسبه من وعي بضرورة مسؤوليته هو أولاً عن حماية نفسه من الأخطاء القاتلة.
|