بحضور معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ واصلت ندوة «الوقف والقضاء» التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد حالياً في فندق الإنتركونتيننتال بالرياض أعمالها يوم أمس الاثنين بعقد ثلاث جلسات نوقشت فيها عشرة بحوث، حيث عقدت الجلسة الثانية للندوة، التي كان موضوعها: (الولاية على الأوقاف)، ورأسها معالي الدكتور عبدالله بن صالح العبيد، ونوقشت فيها أربعة أبحاث. ولاية الدولة على الأوقاف
ففي البداية، ناقشت الجلسة بحثاً بعنوان: (ولاية الدولة على الأوقاف، أصولها الشرعية وحدودها العملية)، للدكتور/ عبدالرحمن بن سليمان المطرودي، وكيل الوزارة لشؤون الأوقاف، وتضمن البحث أربعة مباحث، المبحث الأول: مبحث تمهيدي، وفيه المطالب الآتية: المطلب الأول: مصطلحات البحث (تعريف مفردات العنوان)، المطلب الثاني: الولاية: أصولها، وشروطها، وأنواعها وفيها النقط الآتية: التعريف، الأصول، والشروط، وأنواع الولايات والفرق بينها، ومسؤولية الوالي بالمحافظة على الأموال العامة، وأنواع الولايات والفرق بينها. أما المبحث الثاني من البحث: الولاية على الأوقاف وفيه المطالب الآتية: المطلب الأول: لمحة تاريخية عن الولاية عن الأوقاف، والمطلب الثاني: التكييف الفقهي لملكية الأوقاف (هل هي من الأملاك العامة أو من الأملاك الخاصة، والمطلب الثالث: الأصول الشرعية للولاية على الأوقاف (الأحكام، الشروط)، والمطلب الرابع: أنواع الولايات على الأوقاف (الولاية الأصلية، الولاية الفرعية)، وبالنسبة للمبحث الثالث: الحدود العملية لولاية ا لدولة على الأوقاف (واقع الأوقاف في المملكة)، وفيه المطالب الآتية: المطلب الأول: لمحة تاريخية عن واقع الأوقاف في المملكة، والمطلب الثاني: ولاية الدولة على الأوقاف، والمطلب الثالث: بعض المعوقات العلمية فيما يتعلق بالولاية على الأوقاف. فقد عرف الباحث مصطلحات البحث (تعريف مفردات العنوان)، وهي المفردات التي وردت في عنوان هذا البحث «ولاية الدولة على الأوقاف أصولها الشرعية وحدودها العملية» وهذه المفردات هي: الولاية ، والدولة، والأوقاف، والأصول الشرعية، و الحدود العملية، كما عرف الباحث في بحثه (الأوقاف) لغة، كذلك تناول الباحث بالتعريف (الأصول الشرعية)، و(الحدود العملية)، كما عرف الباحث (الولاية) في اللغة والشرع، وأيضاً شرح (شروط الولاية) : فمن أهم تلك الشروط: (الإسلام)، و(العلم)، و(العقل)، والبلوغ، والذكورية، و(الحرية)، و(العدالة)، و(سلامة الحواس)، ثم تطرق الباحث إلى أنواع الولاية والفرق بينها، والقصد من ذكر أنواع الولايات هو معرفة الحدود العملية لكل منها ومدى علاقة كل منها بالولاية على الأوقاف. وهي ولايات الإنابة عن ولي الأمر العام فهي ما يقصد بها الولايات الفرعية التي يصدر بها إذن من ولي الأمر العام. وقدم الباحث نبذة تاريخية عن الولاية على الأوقاف الإسلامية، كما ناقش كيفية تدوين الدواوين للأوقاف كما أورد في بحثه ملكية الوقف، مؤكداً أن العين الموقوفة هي ا لمحور الأساس في الوقف وتتعلق بها الأحكام الشرعية المتعلقة بالوقف من حيث إدارته وبقاء عينه والاستفادة منها، كذلك ناقش في مطلبه الثالث الأصول الشرعية للولاية على الأوقاف: فتناول مسألة حكم التولية على الوقف، وحفظ المال يحتم وجود ولي يقوم بالحفظ والرعاية، وطريق حفظ الأوقاف بإيجاد ولي يقوم عليها وطريق ذلك إما بتعيين من الواقف للناظر (الولي) باسمه، وإما بتحديده بوصف، وإذا لم يتم ذلك عن طريق الواقف تعين على ولي الأمر تعيين ولي على الوقف، لأن من مسؤوليات ولي الأمر العمل على حفظ أموال الناس وإصلاحها ومتابعة ذلك. وذكر الباحث أنواع الولاية على الأوقاف، وأنها تنقسم بحسب استمدادها إلى قسمين رئيسيين هما الولاية الأصلية: وهي التي تكتسب وتستمد بسبب أو بوصف ابتداءً دون الحاجة إلى أحد يمنحه حق الولاية على الوقف وإنما يستحقها بمجرد حدوث السبب أو حصول الصفة. والفرق بين السبب والصفة أن السبب له صفة الدوام والاستمرار، أما الصفة فليس لها صفة الدوام والاستمرار، والثانية الولاية الفرعية: وهي التي يمنحها من يملك حق الولاية الأصلية إلى ناظر أو متولٍ آخر بتفويض، أو توكيل، أو بإنابة، وربما استُحِقت الولاية الفرعية بموجب اكتساب الشخص صفة تخوله الولاية على الوقف حال وجود تلك الصفة وتزول بزوالها، وفي المبحث الثالث تناول الباحث (الحدود العملية لولاية الدولة على الأوقاف - واقع الأوقاف في المملكة)، وفيه مطلبان، المطلب الأول: لمحة تاريخية موجزة عن الأوقاف في المملكة، المطلب الثاني: الولاية على الأوقاف في المملكة، والمطلب الثالث: بعض المعوقات العملية المتعلقة بالولاية على الأوقاف. ولخص البحث الواجبات التي يجب القيام بها تجاه الأوقاف من قبل ولي الأمر، كما عرض الباحث بعضاً من الاجتهادات في فهم نظام مجلس الأوقاف الأعلى، ولائحة الأوقاف الخيرية، والحرص على الأوقاف. وقد أدى هذا إلى حدوث بعض التداخلات التي انعكست سلباً على مسيرة الأوقاف. الحدود العملية
أما البحث الثاني فكان عنوانه: (ولاية الدولة على الأوقاف - أصولها الشرعية - وحدودها العملية) للدكتور عبدالله بن صالح الحديثي وكيل وزارة العدل للشؤون القضائية الذي أبان في بحثه أن الوقف سُنُّةٌ قائمة وركن من أركان العمل الخيري تميزت به شريعة الإسلام فأقرت وجوده ونظمت طريقة رعايته والإشراف عليه، وعرض الباحث لولاية الدولة على الأوقاف مقتصراً على ما ينطبق عليه رأس الموضوع حيث ترصد الدراسة هذه ثلاثة محاور في الولاية على الوقف، وأقسامها، وولاية الدولة على الأوقاف مع التأصيل الشرعي لهذه الموضوعات. وأبان البحث أن الشروط المقيدة في الولي على الوقف هي: أن يكون مسلماً، وأن يكون مكلفاً، وأن يكون خبيراً في شؤون الوقف وحقوقه، وأن يكون قوياً قادراً على حفظ الوقف، وأن يكون كفؤاً في تصرفه ورعايته للوقف، وأما العدالة فقد اشترطها بعض الفقهاء، وبعضهم قال: إن شرط العدالة غير معتبر فيمن يوليه الموقف أما الذي يولي من الحاكم أو الناظر فلابد من شرط العدالة فإن لم يكن عدلاً لم تصح ولايته وأزيلت يده، وقال الباحث: إن الولاية على الوقف تنقسم قسمين، القسم الأول: الولاية الأصلية، وهي الولاية التي تثبت للواقف على الموقوف، أو للموقوف عليه على الموقوف أو للقاضي أما القسم الثاني فهو: الولاية الفرعية: وهي الولاية التي تثبت للولي بموجب توكيل أو تفويض. وخلص الباحث في بحثه إلى عدد من النتائج المهمة وهي أن الولاية على الوقف حق مقرر شرعاً على كل عين موقوفة، وأن الولاية على الوقف تكون أصلية وتكون فرعية، والولاية الأصلية تثبت للولي ابتداءً ولا تحتاج إلى حكم حاكم، والولاية الفرعية لا تثبت إلا بتولية من صاحب الولاية الأصلية، والنظارة على الوقف ولاية هي محل رغبة عند من ينقصهم الورع، وأن النظر في التولية على الوقف مزلة تتطلب مزيدًا من التحري حماية للوقف ومستحقيه من الطامعين، ومن أهم الشروط للولاية على الوقف: العدالة، والكفاية، كما أن ولاية الدولة على الأوقاف جزء من مسؤوليتها في رعاية الشؤون العامة للأمة، وتعدد الجهات الحكومية التي أنيطت بها شؤون الأوقاف في المملكة أورث سلبيات تستدعي المراجعة. ولاية الناظر على الأوقاف
بعد ذلك ناقشت الجلسة الثانية البحث الثالث، وعنوانه: (ولاية الناظر على الأوقاف الأهلية، «فقهاً ونظاماً» لفضيلة الشيخ محمد بن هديهد الرفاعي القاضي بالمحكمة الكبرى بمكة المكرمة ونائب رئيسها سابقاً والأستاذ بقسم القضاء بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى سابقاً، الذي عرّف الوقف بأنه - في لغة الفقهاء: تحبيس مالكٍ مطلقِ التصرُّف مالَهُ المنتفع به مع بقاء عينه، بقطع تصرفه وغيره في رقبته، يُصرفُ رَيْعُهُ إلى جهة برٍ تقرباً إلى الله تعالى، كما أنه من أسباب التقرب إلى الله - سبحانه - والفوز برضاه وجنته، وهو - من جهة أخرى - مظهر من مظاهر الإحسان والبر والتكافل الاجتماعي والتراحم الإنساني في دين الله الإسلام. وقال الباحث: إن الوقف - كتصرف يقوم به المكلف - له أحكامه الشرعية وضوابطه الفقهية وآدابه الإيمانية، ولهذا فقد اعتنى به فقهاء المسلمين وعقدوا له أبواباً في مصنفاتهم الفقهية بل وأفردوا له مصنفات - قديماً وحديثاً - تبحث أحواله وأحكامه، أما الوقف الأهلي فهو محل نزاع في مشروعيته عند المتأخرين من فقهاء المسلمين، وأورد الباحث الشيخ محمد الرفاعي في بحثه مبحثين، الأول: في ولاية الناظر على الأوقاف الأهلية (الواجبات - الحقوق - التبعات)، ونظمه في ثلاثة مطالب، ذكر فيها: أ - وظائف وواجبات الناظر، بحقوق الناظر، ج - التبعات والضمانات التي تلحق الناظر، أما المبحث الثاني فكان في مدى وفاء النظام القضائي في المملكة العربية السعودية بمتطلبات قضية الناظر، واختتم بحثه بعرض النتائج والمقترحات. وأكد الباحث في بحثه أن الأوقاف الإسلامية - جزى الله واقفيها خيراً - كانت ولا زالت سبباً لاستمرار وديمومة كثير من المؤسسات الخيرية والأنشطة الإصلاحية والمشروعات الإنسانية ذات النفع العام، فبنيت وعمرت بها المساحد ومدارس العلم ودور الأيتام ورعاية العجزة والمسنين وحفرت بها الآبار وأصلحت الأراضي وزرعت، ورعت قطاعات كبيرة من الفقراء والمحتاجين وعابري السبل وطلاب العلم وأقيمت المستشفيات والمصحات لمحتاجيها وحُفِظت بها أموال الأُسر وممتلكاتها فحفظت بذلك ماء وجه العزيز من ذل الحاجة و السؤال إلى غير ذلك من أوجه البر والإحسان، مبيناً أن الوقف الإسلامي ينقسم إلى قسمين: 1- وقف خيري: وهو الوقف الذي يقصد من ورائه تحقيق مصلحة عامة كالوقف على المساجد و المدارس ودور الرعاية الإنسانية ويمكن أن يسمى ب (الوقف المؤبد) أو (المطلق)؛ لكون الجهة المستفيدة من الوقف واحدة في جميع زمنه، و2- وقف أهلي، ويسمى أيضاً: (وقف ذرّي) نسبة إلى الذرية لأنه موقوف عليهم، فهو يقصد مصلحة خاصة تلحق الأبناء و البنات أو إحدى الجهتين وأبناءهم وبناتهم أو إحدى الجهتين وهكذا أو عموم الأقارب، ويمكن أن يسمى ب (الوقف المؤقت) لأن الوقف هنا قد ينتهي إلى أجل يعينه الواقف فينتهي بانتهائه، أو ينتهي بموت الموقوف عليهم، فيعود الوقف - حينئذ - ملكاً للواقف أو لوارثه. بعد ذلك تناول الباحث في بحثه موضوع «الوقف الأهلي بين الحظر والإباحة»، مبيناً أن الوقف الأهلي كالوقف الخيري سواء بسواء، مشروع، وأنه من الدين، وأنه لازم بمجرد الصيغة، لا يجوز لكائن من كان إبطاله دل على ذلك السنة الصحيحة، والإجماع العملي من الصحابة والتابعين وسلف صالحي الأمة، وما زغمه المخالفون مضاراً للوقف ليس راجعاً إلى نفس الوقف، وإنما يرجع إلى سوء الإدارة، أو عدم التربية الصحيحة، أو إهمال القضاة، أو منافسة المستحقين للناظر، أو عدوان بعضهم على بعض، مؤكداً أن الوقف تصرف من التصرفات المشروعة، والأصل في تصرفات المسلمين الصحة، فلا يجوز التعرض لنقضها إلا إذا وجد الناقض المعتبر شرعاً، كيف وما من وقف إلا وصدر به حكم من الحاكم الشرعي بصحته وإقراره على ما هو عليه إما صراحة أو ضمناً. كما تناول الباحث مسألة (مدى وفاء النظام القضائي في المملكة العربية السعودية بمتطلبات قضية الناظر وانسجامه مع التوجه الفقهي. وخلص الباحث - في ختام بحثه - إلى عدد من النتائج والمقترحات، أهمها: 1- إن الوقف الأهلي هو وقف خيري إذا توجهت نية واقفه إلى الله وابتغاء مرضاته وإرادة الإحسان إلى الذرية، 2- إن الناظر ضرورة واقعية لحماية الوقف وإدارته وإنمائه، ومصالح الوقف هذه لا تتأتى إلا بناظر تقي متقن، 3- إن للناظر الحق في الحصول على أجر مناسب يليق بأعماله،، 4- إن تشاور الشقيقتين وزارة العدل ووزارة الأوقاف للعمل على إيجاد لائحة متكاملة تنظم علاقة الناظر بالوقف مبينة ماله وما عليه (بواسطة لجنة من الفقهاء واستناداً إلى وقائع الأقضية بهذا الخصوص من خلال سجلات وضبوط محاكم المملكة العربية السعودية) أمر تقتضيه المصلحة الشرعية المشتركة، 5- إن عناية وزارة العدل بتعيين القضاة في محالّهم ومدنهم التي نشأوا فيها وعايشوا أهلها وأحوالهم ومشاكلهم المختلفة مطلب ضروري في معرفة أبعاد القضايا والمشاكل والطرق الناجعة في حلها والحكم فيها، 6- الأعيان الموقوفة سواء أكان الوقف عقاراً أم منقولاً ينبغي أن ينتفع بها الموقوف عليه بنفسه الانتفاع الذي أُعدت له وفقاً للأصول الشرعية وبما نص عليه الواقف، 7- لابد أن تستغل العين الموقوفة وينتفع بها ولا تهمل ما لم يمنع من استغلالها مانع ما، 8- على الناظر أن يستغل العين بما يصلحها سواء بإجارتها أو زراعتها أو المساقاة عليها كل بحسب ما يليق به ويكون أنفع للوقف والموقوف عليهم من غيره، 9- الانتفاع بالوقف واستغلاله يكون بحسب ما نص عليه الواقف فمثلاً إذا نص الواقف في كتابه (وقفيته) على أن للمستحق أن ينتفع بالوقف بنفسه وله أن يستغله كان للمستحق بناءً على ذلك الخيار في الأمرين الانتفاع بنفسه والاستغلال فيختار أيهما شاء، أو هما معاً إن أمكن، 10- إن على الناظر أن يتقي الله فيما ائتمنه الواقف أو القاضي عليه من أموالٍ وحقوقٍ فإن صلاح الوقف ونماءه مرهون بصلاح الناظر وتقواه وإتقانه، 11- إنه لا يجوز ترك إدارة الوقف والتصرف في شؤونه للناظر يعمل كيف يشاء ووفق هواه فربما تأتي هذه التصرفات جميعها أو بعضها ضد مصلحة الوقف، فالناظر واحد من بني آدم و(كل ابن آدم خطَّاء) وربما يجد من يزيِّن له بعض التصرفات الشائنة في الوقف ويسهلها له، الأمر الذي يلحق الضرر بالوقف ومستحقيه، 12- ولاشك إن الواقفين الأبرار يتحملون مسؤولية كبرى، فعليهم أن يتحروا في ا ختيار النظار دون مجاملة إلا مصلحة الوقف ونماءه والحفاظ عليه، مع استمرار المراقبة والمحاسبة عند سوء الإدارة أو التهاون في مصلحة الوقف واستمراره، 13- ضرورة تحرير عقود الأوقاف بلغة عربية صحيحة سليمة خالية من اللغو والسخافات والتأويل والتفسير وفق الهوى لا وفق مقتضيات الشرع ومصلحة الوقف. الإشراف القضائي على النظار
اختتمت الجلسة الثانية للندوة جلستها بمناقشة البحث الرابع لفضيلة الشيخ هاني بن عبدالله الجبير القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة بعنوان (الإشراف القضائي على النظار)، حيث بين أن الشريعة الإسلامية جاءت بتنظيم الإنسان وترتيب شؤونه، وأرشدته إلى طرق استثمار أمواله وكيفية إنفاقها، ووجهت إلى ما يحصل به جزيل الثواب بعدم انقطاع العمل في أنواع الصدقات الجارية، التي يمتد ثوابها إلى ما بعد حياة الإنسان، وقال: إن أهل العلم اهتموا بتطبيق ضوابط الشرع العامة، كلياته الثابتة ومقاصده، على أنواع من المسائل الفقهية أنيط فقهها لأهل العلم والذكر: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلَى أُولِي اْلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، وكل ذلك شاهد من شواهد خلود هذه الشريعة الربانية، ومثال لحفظ الله تعالى لذكره وكتابه. وأشار الباحث في بحثه إلى أن من أنواع ما تناول الشرع حثاً وطلباً، وشهد الواقع والتاريخ بنفعه وأثره، واهتم أهل العلم ببيان مسائله، وضبط فروعه، وإحسان تطبيقه، طلباً للمصلحة التي جاء الشرع بتحصيلها وتكميلها: (الوقف)، حيث تضمن هذا البحث تمهيداً ومبحثين، فالتمهيد يشتمل على مطلبين، المطلب الأول:- مشروعية الإشراف على الناظر، والمطلب الثاني:- الجهات التي يحق لها مساءلة الناظر، أما المبحثان، المبحث الأول: الإشراف القضائي على النظار فقهاً. و فيه تسعة مطالب هي: الأول: إقامة القاضي للنَّاظر الثاني:- تقدير القاضي لأجرة الناظر، نصب القاضي من يقوم بمصلحة الوقف إذا امتنع الناظر، الرابع: - ضم القاضي أمنياً للناظر، الخامس:- الإذن بمخالفة شرط الواقف، السادس:- الاعتراض على الناظر في فعل ما لا يسوغ، السابع: محاسبة الناظر، الثامن: الإذن للناظر بالتصرف في الوقف، التاسع: عزل الناظر. وفي المبحث الثاني، قدم الباحث نظرة في واقع الإشراف القضائي على النظار، ثم أورد في نهاية بحثه خلاصة لما سبق والتوصيات التي انتهى إليها، وقد استعرض الباحث مشروعية الإشراف على الناظر، فقال: ناظر الوقف هو الذي يتولى إدارته وترتيب شوؤنه، وهو وإنما يتولى ذلك نيابة عن غيره، وليس تصرُّفه كتصرف الإنسان في ملكه، وكل متصرف في شيء عن غيره فهو مطالب بتحري المصلحة، وصيانة الحقوق، ولا يكون تصرفه تشهياً محضاً غير مبنى على مقتضى الأصلح في التدبير؛ قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ)، فحجر الله تعالى على الأوصياء التصرف فيما هو ليس بأحسن مع قلة الفائت من المصلحة في ولايتهم بالنسبة لولايات أخرى. كذا تناول الباحث مسألة (الجهات التي يحق لها مساءلة الناظر)، مشيراً إلى أنه باستقراء كلام الفقهاء يظهر أن الجهات التي يحق لها مساءلة الناظر ثلاث جهات هي: الأولى: السلطات، الثانية: الواقف، الثالثة: الموقوف عليهم، كذلك أورد الباحث في بحثه موضوع (الإشراف القضائي على النُّظَّار فقهاً)، فقال: هناك عدة مطالب هي إقامة القاضي للنَّاظر، وتقرير القاضي لأُجْرَةِ النَّاظر، ونصب القاضي من يقوم بمصلحة الوقف إذا امتنع الناظر، وضم القاضي أميناً للناظر، والإذن بمخالفة شرط الواقف، والاعتراض على الناظر في فعل ما لا يسوغ، ومحاسبة ناظر الوقف، الإذن للناظر بالتصرف في الوقف، وعزل الناظر. كذلك ألقى الباحث نظرة في واقع الإشراف القضائي على النُّظار وكيفية تطويره، حيث بيَّن فضيلته أنه من خلال ممارسة العمل القضائي والإطلاع على المجريات فيه فإنه يظهر بكل وضوح أن الإشراف القضائي على النظار محصورواقعاً بحالة التقدم للمحكمة في الدعاوى والإنهاءات، ولا يقوم قاضٍ بمحاسبة أو إجراء آخر تجاه ناظر إلا بطلب يقدم إليه، أو لكشف دعوى أو معاملة تتطلب ذلك، بل ربما يتقدم من يطلب إقامته ناظراً الوقف بدلاً عن ناظر متوفي، فتقيمه المحكمة ناظراً وتعطيه إعلاماً بذلك، دون أن يسأل عن مصروفات الوقف السابقة وتسجيلاتها وما استلم وما لم يستلم، وصارت بذلك مهام القاضي الإشرافية موزعة بينه وبين مجلس الأوقاف الذي أنيط به حصر الأوقاف وتسجيلها ووضع قواعد تحصيل وارادت الأوقاف. وخلص الباحث أيضاً إلى أن للقاضي ولاية إشرافية على النظار تتضمن إقامة الناظر فيما لم يشترط له الواقف ناظراً أو شرطه فمات أو عزل، وتقدير أجرة الناظر التي لم يقدرها الواقف، أو قدرها له وكانت دون أجرة المثل، فيفرض له تمامها. ولتحديد أجرة المثل بالنظر لكافة الجوانب المؤثرة وذلك بالاستعانة بأهل الخبرة، وينصب القاضي من يقوم بمصلحة الواقف إذا امتنع الناظر، وإذا فسق الناظر المشترط من قبل الواقف فإنه يضم له أمين، فلا يتصرف إلا بموافقته، ولا يخالف الناظر شرط الواقف إلا بعد استئذان القاضي، وللقاضي الاعتراض على الناظر في فعل ما لا يسوغ، وله إلغاء تصرفه أو تضمينه، ويحاسب القاضي الناظر حساباً إجمالياً، وله الحساب التفصيلي عند وجود الدعوى. وإذا ادعى صرفه فيما شرطه الواقف فلا يقبل إلا ببينة، ولا يستبدل الناظر الوقف ولا يستدين عليه إلا بإذن القاضي، وللقاضي عزل الناظر إذا خان أو لم يكن قادراً أو تصرف بخلاف مصلحة الوقف. وبدون ذلك لا يعزله سواء كان مشترطاً من الواقف أو نصبه القاضي، والوقف عبادة مصلحية، ولذا فإن كثيراً من أحكامه تبنى على الاجتهاد المصلحي وواقع الإشراف القضائي على النظار مرتبط بحصول دعاوى أو إنهاءات لدى المحاكم لظروف شرحت في البحث، وإنشاء لجنة خاصة تشرف على النظار وتنسق مع المحاكم لتوكل إليها فض النزاعات توصية تقدم لتحصيل المصلحة المرادة على تفصيل سبق في البحث.
|