طالعت ما نشر في جريدة الجزيرة في العدد 11843 الموافق 21-1- 1426هـ والذي تضمن نتائج ما توصلت إليه ندوة الجزيرة بعد استضافتهم لجمعية مكافحة التدخين، فتلك الخطوة تعد واحدة من الخطوات الجميلة التي تخطوها دائماً جريدة الجزيرة، حيث بينت تلك الندوة الكثير من الحقائق حول داء التدخين وبعد أن اطلعت على ما نشر أحببت أن أعقب على بعض الأمور مع ذكر بعض الأرقام المخيفة حول التدخين والمدخنين. أعزائي.. إن ما ذكر في تلك الندوة ليستحق التوقف والتمعن معاً لأن الأمر خطير وليس بالسهولة التي يظنها أغلب المدخنين بكونه هواءً يدخل ويخرج ورجولةً لمن مسك السيجار في يده - كما يظنون- وتعديل للمزاج كما يعتقدون!!. إن ما ذكر من حيث عدد نزلاء سجن الحائر والذين تشتت أسرهم وأصبحوا بلا عائل إن ذلك بسبب الدخان الذي حوَّلهم إلى مدمني مخدرات ثم إن ما ذكر من جهود المكافحة في التوعية في السجون وكذلك في داخل المدارس وأخيراً سعي المكافحة لجعل (الرياض بلا تدخين) كل هذه النقاط جيدة، ولكنها لا تأتي بثمار غالباً لأن التوعية فقط لا تجدي إذا لم تواجه شخصاً واعياً، فقد أقدمت على هذه الخطوة (الحملات التوعية) مكافحة المخدرات وزاد عدد المدمنين وأقدمت عليها إدارة المرور فزادت نسبة الحوادث في هذا العام، وذلك يعود لكوننا- مع الأسف الشديد- نحب الاستطلاع كثيراً وعند التوعية فإنه يتم تفتيح عيون المراهقين عن أشياء لا يعرفونها فيسعون للبحث عنها وتجربتها بدلاً من الابتعاد عنها!! وسوف أذكر بعضاً من الحلول التي يجب أن تأخذها جمعية مكافحة التدخين بالاعتبار، ولكن بعد أن أذكر بعضاً من الأرقام والحقائق المخيفة التي لم تذكر في ندوة الجزيرة لعلها تكون ردعاً لبعض المدخنين: أولاً: تعدت نسبة الأطباء المدخنين في مجتمعنا السعودي 30% و البعض منهم يدخن في عمله، فكيف يكف المواطن عن التدخين ومن يصف له الدواء ويعالجه يدخن أمامه!!. ثانياً: فشل الحملات والجهود التي بذلت من قبل وزارة الصحة في وقت مضى من أجل مكافحة التدخين وهذا باعتراف من وزارة الصحة وهذا دليل قاطع على فشل الحملات التوعوية. ثالثاً: الوصول إلى أن ما تنفقه الأسرة على التبغ يفوق ما تنفقه على الرياضة والعلاج!!. رابعاً: تدني سعر علبة السجائر في بلادنا بالنسبة للدول الأخرى، وهذا ما يجعلها سهلة وفي متناول المراهقين!!. خامساً: عدد المتوفين يومياً في منطقة الخليج يصل إلى 45 حالة وفاة بسبب الداء القاتل. سادساً: وجود أكثر من ستة ملايين مدخن ومدخنة في بلادنا ينفقون قرابة 12 مليار سنوياً على التدخين!!!. سابعاً: احتلال بلادنا المراتبة الرابعة عالمياً من حيث عدد المدخنين بالنسبة لعدد السكان، وهذا بالفعل مصيبة كبرى. ثامناً: بلغت نسبة المدخنين من طلاب الإعداد العام لدنيا 30%!!. تلك أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث والدراسات عن الآفة الخطرة التي استفحلت في بلادنا، وقد لا يصدقها البعض ولكنها هي الحقيقة بعينها، لأن المدخنين تركوا العنان شهواتهم فوصلت إلى ما وصلت إليه هذه النتائج الهائلة والعظيمة. أعزائي.. دعونا نبدأ بحكم الدين الإسلامي حيث إننا مسلمون وموحدون ونطبق ما يفرضه علينا الشارع الكريم الذي قال في كتابه الكريم: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(31) سورة الأعراف، وكذلك قوله {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } (195) سورة البقرة، وأيضاً قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} (29) سورة النساء، وانتهاء بقوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِث }(157) سورة الأعراف. فهذه النصوص الشرعية التي تنطبق على الدخان والمدخنين فشراء الدخان يعد إسرافاً وهدراً للمال بلا فائدة وقد نهى الإسلام عن الإسراف بأنواعه وكذلك يعد الدخان قاتلاً للنفس وطريقاً للإهلاك وهو ما دلت عليه الآيات الكريمة، ويعد أيضا من الخبائث فهو محرم شرعاً، فهل بعد هذه الأدلة حجة لأولئك المدخنين؟؟ أو ليس الدخان يقود إلى أكثر من 25 مرضاً من أهمها سرطان الرئة وسرطان اللثة وأمراض القلب وتصلب الشرايين وأمراض الحنجرة وغيرها من الأمراض المميتة، هذا من ناحية الدين والشرع.. ولو أتينا من ناحية العادات والتقاليد لوجدنا المدخن لا يجرؤ على التدخين في الأماكن الرسمية والاجتماعات العائلية لأنه مؤمن داخلياً بأن ما يستعمله خارج عن العادات والتقاليد ثم إن المدخن لا يجرؤ أيضاً على التدخين أمام أبنائه ولو شاهد أحد أبنائه يدخن لجن جنونه!!.. إذاً ما هذا التناقض الغريب والعجيب في الوقت نفسه؟، كيف يقدم على فعل شيء لا يقتنع به؟!. أما من الناحية الأخيرة فهي الناحية الوطنية، فكيف يرضى المدخن على دعم اقتصاد الدول المصدرة للتبغ مما ينتج عن ذلك وبلا شك ضعف في اقتصادنا الوطني لأن تلك المليارات سوف تحرق عندنا وتتولد لديهم وفي ذلك قوة اقتصادية وعسكرية لهم ونحن نقدم على ذلك بكل قوة!!. وبعد أن طرحت بين أيديكم من إحصاءات ودراسات وأرقام خيالية وكذلك رأي الدين في ذلك ومخالفة ما تمليه العادات والتقاليد ومعرفة ما يحمله المدخنون من حباً لوطنهم، هل بعد هذا مجال لأن يدخن من أراد التدخين؟ وهل هناك نية للاستمرار في طريق الضياع والهلاك، وهل هناك أعذار بقيت للمدخنين؟.. ويسرني أن أذكر للمدخنين بعضاً من المواقف التي لو تأملوها قليلاً لوضعوا علبة السجائر تحت أقدامهم ولا أقلعوا فوراً عن التدخين، حيث ذكر الشيخ سعيد بن مسفر أنه في أحد لقاءاته مع أحد العلماء الذين يعيشون في الدول المصدرة للتبغ، حيث ذكر العالم لشيخنا ما يرويه الشيخ على لسانه أنه عندما تجدب الأرض وتقل الأمطار وتجف الآبار فإن البهائم لا ترى إلا شجرة التبغ فتقدم عليها وعندما تتذوقها فإنها تنفر منها لمرارتها!!، فكيف يرفض الحيوان تلك الشجرة ويقدم عليها الإنسان بل ويبتاعها الذي رزقه الله العقل ليميز بين الخبيث والطيب؟، ثم نلاحظ علبة السجائر قد كتب عليها: (إنه مضر بالصحة وجالب للأمراض السرطانية)، وقد كتبت تلك العباراة الشركة المنتجة فكيف تحذرك وأنت تشتري وتشرب!!! ثم كيف تشتري علبة هي الوحيدة التي كتب عليها تاريخ إنتاج ولم يكتب عليها تاريخ انتهاء صلاحية؟!.. كل هذه التناقضات العجيبة أحببت أن أطرحها على أخي المدخن الذي رزقه الله العقل لكي يحكمه إذا لم يستجب لتعاليم دينه وليعلم المدخن الكريم أنه يموت شخص كل ثماني ثوانٍ بفعل الدخان، فهل يقلع عنه أم ينتظر دوره؟!. أعود مرة أخرى لندوة (الجزيرة) التي أبدى ضيوفها الكرام استغرابهم بعدم جعل مكافحة التدخين في برامج المرشحين الذين يفوق عددهم الـ 700 مرشح في مدينة الرياض، وأنا أعلق على ذلك أنه لو وضع ذلك أحد المرشحين فإنه سوف يخسر أغلب الأصوات لوجود نسبة كبيرة من المدخنين الناخبين!! وهذه النسبة لا ترضي مكافحة هوايتهم المفضلة!!. عموماً أحببت أن أطرح وجهة نظري الشخصية في هذا الموضوع والتي يجب أن تأخذها مكافحة التدخين في الاعتبار، وهي حيث سيتم قريباً حظر ولاعات السجائر في الطائرات الأمريكية وكذلك حظر التدخين في الطائرات والمستشفيات والنقل العام في (لندن)، والسعي لحظره في الأماكن العامة قريباً، فإذا ما شاهدنا تلك الخطوات أقدم عليها من لا يملكون ديناً يحرم التدخين عليهم ولا عادات وتقاليد تمنعهم بل من أجل الصحة والصحة العامة، ورغم أن التدخين أحد المصادر الهامة لديهم والداعم الكبير لاقتصادهم، فكيف بنا ونحن أهل الدين والمتمسكون بالعادات والتقاليد المجيدة والثابتة على مر الأجيال، ونحن نكتفي بالتوعية والنصح بدلاً من الصرامة والمنع بشدة، فلماذا لا يمنع في الأماكن العامة ويشدد المنع في الأماكن الحكومية التي منع بها شكلاً وليس عملاً ولماذا لا توضع المخالفات التي تسدد فوراً لمن يرتكب هذا العمل لأنه يلوث البيئة التي نعيش بها وتحيط بنا ولأنه أضرنا كثيراً بالتدخين السلبي الذي هو عبارة عن استنشاق الدخان وثاني أكسيد الكربون معاً بينما اكتفى هو بالدخان فقط!! دون رادع له.. فما يجب فعله أيضاً حظر الولاعات في كل الأمكنة لكي لا تذكِّر المدخن بالدخان ولكي تردعه أيضاً، وكذلك يجب رفع ثمنه لكي يصعب على المراهقين شراؤه، ويجب التكاتف لحصر المحلات التي تسوِّقه وتقليلها رويداً رويداً تمهيداً لمنع استيراده وجعله من المحظورات التي يمنع دخولها لبلادنا، حاله كحال المخدرات لأن المستشفيات تئن من كثرة المراجعين، والسجون تئن من كثرة النزلاء، والجيوب تئن من قلة المال، والدول المصدرة تفرح من كثرة التصدير!.. كما أتمنى وقفة صادقة من الإعلام المرئي والمقروء للتصدي للدخان وذلك بتسخير كامل الإمكانيات تحت تصرف مكافحة التدخين وبلا مقابل نظراً لقلة موارد المكافحة لأن صحة الجميع مسؤولية الجميع. وأخيراً أتمنى أن يتكاتف المواطنين لمكافحة هذا القاتل (الدخان) فرب الأسرة مسؤول عن أولاده، والخطيب عن جماعته، والمعلم عن تلاميذه والطبيب عن مرضاه، كلٌّ يحاول منع ما يستطيع منعه، ونصح ما يجدي نصحه وردع من لا يمتثل لهذا وذاك، والله يحفظ الجميع بحفظه.
خالد سليمان العطا الله الزلفي |