* الرياض - وهيب الوهيبي: رفض الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم والداعية المعروف الأصوات التي تطالب بإسقاط المرجعيات الشرعية أو تحويل المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات مدنية ودنيوية بحتة ليس لها بعد أو التزام شرعي موضحا أن الأمة الإسلامية تتميز بانتمائها الديني الذي شرفها الله به وشدد الشيخ العودة خلال حديثه في (ثلوثية) محمد المشوح على ضرورة التزام الحوار والنقد بالقيم والأخلاق، وقال في هذا الصدد: عندما يتخلى الحوار عن القيم الأخلاقية فسيتحول الحوار من مناظرة علمية الهدف فيها مرضاة الله والوصول إلى الحق إلى مساحات من معارك مفتوحة تستعرض فيها النفس البشرية سواء منها في التسلط والعدوان والبغضاء والاسقاط. وبدأ العودة حديثه بالاشارة إلى مقدمة في منهج النقد وقال في هذا السياق نحن جميعاً نقع تحت سقف البشرية وما فيها من صراع في داخل النفس بين جوانب النقص وجوانب الكمال، فسبحان المبدع الذي خلق النفس وسواها، وأكد أن نعم هناك فجرة، وهناك أتقياء لكن في غالب الإنسان تدور داخل نفسه وضميره معان من التقوى والفجور ومعان من الصدق ومعان من نقيضه، ولذلك قرر أئمة الإسلام والسنة أن العبد قد يجتمع فيه الإيمان والنفاق، وذلك لأنه يوجد عنده من معاني الخير ما يحمد عليه، ويوجد عنده من النقص والضعف والنفاق ما يذم به ولذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم- (أربع من كن فيه كان منافقاً...) وقال في الحديث الآخر (آية المنافق ثلاث) وهذا لا يعني انه منافق خارج من الملة لكن فيه صفات أو خصال مشيراً إلى أن النفس البشرية فيها معان من الكمال تحمد عليه ومعان من النقص، وداخل هذه النفس اضطراب وصراع بين جوانب النقص وجوانب الكمال، ومن هنا يأتي موضوع النقد وأهميته في حق النفس، وفي حق الغير الذي تتمثل قاعدته في تحقيق أمرين لا ثالث لهما. الأول : جانب العلم والمعرفة، وقد يكون من المتقرر والبدهي انه إذ غابت معاني العلم والمعرفة لا يتصور حصول النقد والمراجعة والبحث لأن أصل البحث وفي قضايا ومسائل علمية يفترض أن دليلها وحجتها وبراهينها تستند إلى قواعد صحيحة من علم الشريعة أو من الرأي والنظر، وكثيرا ما كان العلماء يقررون المسائل فيقولون دل على هذا الكتاب والسنة، ودل عليه النظر والعقل والاجماع. وقد يكون من البديهي أنه في غياب الجوانب المعرفية فلا معنى للنظر، ولا معنى للنقد، وإن كان كثير من الناس قد يقحمون أنفسهم في مسائل علمية من غير أن يعوها، ولا تستغرب أن أكثر الاشكالات والخلافات التي تقع عند الناس اليوم وفي التاريخ ربما تدخل فيها أطراف لو أرادت أن تحقق معهم في حقيقة المسألة التي يتكلمون فيها ربما لم يستطيعوا أن يبينوا حقيقة الخلاف، ووجه الخلاف ونوعه لكنه سمع شيخا يقول: أو قرأ في كتاب فردد ما قال، ولهذا كان يقول الإمام الغزالي في كتابه الأحياء وكرره الإمام ابن تيمية وابن قيم والشاطبي وغيرهم انه لو كان الغلب في مجال الخصومة والنقد والمناظرة بالطرح والقوة ورفع الصوت وحدة اللهجة والسباب والشتام لكان الغلبة للجهال لأن الإنسان كلما زاد علمه واتسع كلما كان أكثر هدوءاً وأكثر صبراً وأوقع على مواضع الخلاف في المسألة. القاعدة الثانية: هي قاعدة الاخلاق، وقد يتساءل البعض عن أهمية ودور الأخلاق في جانب النقد إن الاحساس بأهميتها مما يخفى على الكثيرين من الناس، وأنا أزعم أنه عندما يتخلى النقد أو الحوار من القيم والاخلاق فإنها تتحول من مناظرة علمية الهدف فيها الوصول إلى مرضاة الله وإلى الحق تتحول إلى مساحات لمعارك مفتوحة تستعرض فيها النفس البشرية سوءاتها في التسلط والعدوان والبغضاء والكراهية والاسقاط، ولهذا عاب الله سبحانه في كتابه على أهل الكتاب لاختلافهم من بعد ما جاءهم العلم، فهنا قرر الله وجود القاعدة الأولى عندهم وهي القاعدة العلمية {مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ}، لكنه قرر أن سبب اختلافهم هو غياب القاعدة الثانية وهي (القاعدة الأخلاقية) ولذا قال {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} فبذلك اختلفوا. إذا انحراف أهل الكتاب سبب البغي والعدوان والهوى وما عابه الله علينا في الكتاب إلا ليحذرنا من المصير الذي صاروا إليه، وأكد الشيخ العودة أن من يعتقد أن تحصيل الحق لا يتم إلا بتفريق الناس فليس هو بفقيه لأن كثيرا من الحق يمكن تحصيله مع جمع الناس عليه، فليس تفريق الناس هدفا مقصوداً بذاته، وإنما قد يكون ضرورة مفروضة لا مخلصاً للإنسان منها، فهذا لا إشكال فيه، فالمفاصلة عندما تكون بين إسلام وكفر وتوحيد وشرك وحق وباطل، فهذا باب آخر لكن جمع أهل الإسلام ووحدة كلمتهم هذا من المقاصد الأخلاقية العظيمة التي ينبغي أن ندرك انه يمكن تحصيل الحق من غير السعي في التفريق بين أهل الإسلام. وقال العودة: إذا كنا نتحدث في مجال العلم عن حفظ الثوابت أو ما كان يسميه السلف بالضرورات أو المحكمات وابن تيمية عبر عنه بمصطلح جميل وهو (الدين الجامع) الذي يجمع أصول الشريعة، وهذا معنى مهم فمثلا أركان الإيمان من الدين الجامعة الذي لم يختلف عليه الأنبياء والناس، وهكذا الجوامع العملية مثل أركان الإسلام كالصلاة والصوم، وهكذا غيرها مما يدخل في هذه القاعدة الكلية. إذاً إذا كنا في الجانب العلمي يجب علينا أن نرعى وأن نحفظ الضروريات والمسائل الجامعة المحكمات، وأن نعتبر أنها هي الملجأ الذي يلجأ إليها ويحتكم إليها ويصدر عنها فأعظم الثوابت والضروريات حفظ مقام الأخلاق العلمية والعملية ولذا جاء الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام- كلهم بالأخلاق، وأنفقت الفطر البشرية كلها على أصول الأخلاق، وقال من أهم الثوابت ثوابت الأخلاق التي يجب حفظها في مقام المناظرة والحوار، وإذا كنا نعيش أزمة في الجانب العلمي، وهذا مشهود فإن النبي- صلى الله عليه وسلم-قال: آخر الزمان يفشو الجهل وينقص العلم.. إلا أنه ينبغي أن ندرك انه مع ذلك فإن الأزمة (أزمة أخلاقية) وإن من العدوان على أهل العلم وعلى الشريعة أن يتكلم فيها من ليس من أهلها. وأكد الشيخ العودة من أن جوانب الأزمة الأزمة الأخلاقية التي تؤثر أكثر مما تؤثر الأزمة العلمية في صناعة الفرق والاختلاف والعداوة، ولذا لابد من حفظ مقام المرجعيات، وكما أن هذه المرجعيات عليها واجبات في احتواء الناس والإحسان إليهم والصبر عليهم وعدم الإلزام بما ليس لازم، وفي الجانب الآخر ليس قولهم تشريعا أو لا يرد عليهم وإنما المقصود أن الأئمة يمكن أن يراجعوا ويناقش معهم وهذا لا يخل منزلة الفرد عند الناس، ولذا من حق الإنسان أن ينقد في حدود معرفته واجتهاده. وأشار الدكتور العودة أن هناك من يقول يجب أن تسقط المرجعيات الشرعية وهذا خطأ لأن كل فرقة ليس لها أستاذا فمآلها إلى الفساد سواء في الطب أو في الاقتصاد فلابد من الرجوع إلى أهل الاختصاص والمعرفة، وهكذا الجوانب العلمية والشرعية يجب أن يكون لها نوع من المرجعية فالذين يطالبون بإسقاط المرجعيات في العالم الإسلامي قد يكونون أحيانا لا يفهمون معنى المرجعيات أو يريدون تحويل المجتمع الإسلامي الى مجتمع مدني أو دنيوي بحت ليس له بعد أو التزام شرعي، وهذا مرفوض فإن الأمة الإسلامية تتميز بالانتماء الديني.
|