تمنحني قامة الشموخ تقترب من ملامسة أرض الواقع ترتفع تلك القامة المحدودية يرثى ملامح الشباب ليعتصر منها رحيق عمر مضى ليتوقف عند أبواب السبعين.. رأيت ملامحه.. وقار شيبه.. تجاعيد قد خبئها بابتسامته المعهودة. اقترب مني دثرني بردائه أخذت أشم رائحته شعرت بدفء أنفاسه، بهمساته الحانية هل هذا أبي؟ لقد بحثت عنه منذ زمن طويل.. أخرج حينئد أوراقاً مهترئة طويتها بكفي، أكتم حينها مواجعي أنزوي في ركن مظلم على استحياء، كيف لي أن أخبره عن عنائي آراه يجلس على الرصيف، يقلب أوراقاً مهترئةً.. نقوداً ممزقةً تعبر مساحة ذكريات طويلة أشعر بها من خلال نظراته الحزينة.. اقترب إليه.. أعيد الورقة إلى كفه مرة أخرى.. يريد أن يصافحني! أرفض ذلك! وأنا في حيرة من أمري! أي رجل أنت.. كيف توصلت لهذا الطريق الذي لم تزره في يوم من الأيام.. يبتسم ينهر دموعه بشفاه ترتشف الألم ويمضغ معه غصة العمر الذي مضى! قد أكون والدك الذي تبحثين عنه وأخشى عليك من البوح خشية أن تنظري إلى تلك الورقة كمرآة سوداء لا تخدم حياتك إلا بالمتاعب والهموم.. أجثو على ركبتي.. تنتفض بداخلي مشاعر قد تورمت وأخفت بداخلها نزيف دموي حاد تنفرط دموعي. أحقاً أنت أبي؟ أريد أن أقبل الأرض التي تطأ عليها لتضيء مصابيح الأمل أريد أن أقبل كفك لتتسرب أنهار الحنان.. أريد أن أشم رائحة أبوتك لتهطل مسافات حزني بعطر الحب والدفء.. يخلع رداءه.. يقبل رأسي يقف بقامته التي تقترب من أرض الحقيقة يعيد وضع الورقة في يدي أفتحها.. أقرأ ولأول مرة، لقد رحل أبي منذ زمن وورقة عمره قد وضعها في جسد هذا الرجل الذي اختفى من الحياة ووضع مرآة عمره، على رصيف الجيل الجديد قطف من بستان حياته أجمل ما يملك ووضعي في آنية فضية وزين المرأة التي بكفي بطعم الصبر والتضحية والوقف ليضع دقائق على رصيف العمر الذي فجر بداخلي نزيفاً دموياً لم يتوقف بعد!!
هيفاء الربيع |