Saturday 5th March,200511846العددالسبت 24 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

دفق قلمدفق قلم
دعوة إلى الهدوء
عبدالرحمن صالح العشماوي

هدوء النفس من داخلها يعني أنها مستقرة سعيدة، راضية مطمئنة، سليمةٌ من شوائب القلق والحيرة والاضطراب، ومن نيران الغيرة الجانحة والحقد والبغضاء.
هدوء النفس من داخلها يؤكد أنها في حالة مصالحة تامة مع القلب والعقل، والروح والبدن، وأنها لا تشكو من سوء الظنِّ، ولا تتخبّط في ظلمات الشك، ولا تهيم في دروب الضياع.
هدوء النفس من داخلها هو الذي يجعل صاحبها قادراً على المشاركة الفاعلة في بناء الحياة على وجه الكوكب الأرضي ودفع مسيرتها في طريق النجاح وهو الذي يكوِّن شخصية الإنسان السَّويَّة التي لا تعاني من إفراطٍ ولا تفريط، الشخصية التي تتفاءل من دون غفلةٍ وتَحْذَر من دون وساوس، وتعطي كلَّ حالةٍ ما تستحق من الاهتمام دون مبالغة، وتنصرف إلى النافع المفيد من الأقوال والأعمال.
هذا هو الهدوء الذي ندعو إليه، ونحثُّ أنفسنا عليه، ونعتقد أنه طريق من أهم طرق الاستقرار والنجاح، وأنه سبب من أسباب الفلاح.
كيف تكون النفس هادئة؟
إنها مسألة مهمة في حياة البشر، وهي تبدو شديدة الصعوبة، بعيدة التحقيق في نظر كثير من الناس، بل إنَّ بعضهم قد يظنها مستحيلة التحقيق، وإننا لنسمع من يقول: أين الهدوء؟ أين الراحة؟ أين الاستقرار النفسي؟ ذلك ما لا يمكن أن يصل إليه الإنسان في الدنيا.
ونقول:
إن الهدوء النفسي لا يقاس بمظاهر الحياة الدنيا ذات البريق، ولا بالمال الكثير، ولا بالجاه والمنصب، ولكنه يقاس بالإيمان واليقين، وصدق التوجّه إلى ربّ العالمين، وسلامة الصدر من الحسد وداوعيه، والبغضاء وأسبابها، ولن يتحقق ذلك إلا بقوة صلة الإنسان بربّه عبادةً، ودعاءً ورجاءً، وامتثالاً لأوامره، وانتهاءً عن نواهيه.
إن هدوء النفس يصبح سهل التحقيق، قريب المنال حينما يصبح الإنسان مدركاً لمعنى وجوده في الأرض، وسعيه في مناكبها، مطبقاً لما أمر به الدين الحقّ من الخير وحبّه وعمله، والسعي إلى نشره بين الناس، ودعم كلِّ عملٍ أو قول أو موقفٍ لنفع الناس ومصلحتهم، لأن الإنسان - في هذه الحالة - يؤكد ويقوّي وسائل الاستقرار النفسي بالانسجام بين أقواله وأفعاله وبين دواعي الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
إنَّ كثيراً من البشر ممن نعرفهم ونعيش معهم ظنوا أن الطريق إلى هدوء النفس إنما هو بجمع المال، والحصول على الوجاهة الاجتماعية، والشهرة والمكانة بأي وسيلة ممكنة، ولكنهم - بسبب هذا الظن الخاطئ - أوغلوا في سراديب القلق والاضطراب وعدم الاستقرار وهم لا يشعرون، فلم تستقر نفوسهم، ولم تهدأ، ولم تنشرح صدورهم، حتى سمعنا قائلهم يقول: هذه الحياة نكد في نكد، وشقاء في شقاء، وقد سألت أحدهم ذات يوم: كيف أنت الآن بعد رحلتك الطويلة الناجحة في دنيا المال والأعمال؟
فقال لي: ماذا تتوقع من رحلة في غابات مليئة بالوحوش؟ قلت له: وماذا تنوي أن تصنع الآن؟ قال: لقد عزمت على السكن في مكة أو المدينة، لأكون قريباً من أحد المسجدين المباركين فما وجدت راحة النفس وهدوءها إلا فيهما.
لقد صدق الرجل فهدوء النفس لا يتحقق إلا بالإيمان بالله، وطاعته واللجوء إليه، وحسن التوكل عليه، والإحسان إلى الناس امتثالاً لأمره، وإنّ في لحظات من ذكر الله عز وجل من الراحة والهدوء ما يساوي مظاهر الدنيا وبهرجها طول الحياة لو فطن الغافلون.
وهناك صورة أخرى لرجل غني رأيتها عن قرب، صورة للسعادة والهدوء النفسي تبدو على وجهه وفي مسيرة حياته، وما التقيت به إلا وجدت الرّضا في وجهه بارزاً، وحينما اطلعت على سيرته أدركت سبب هدوئه وراحته، إنه على صلةٍ وثيقة بربه، متعلق به متوكّل عليه، يحسن إلى الفقير، ويساعد المحتاج، ولا يتوانى عن مدِّ يد العون للناس أبداً، ويرتّب أوقاته ترتيباً دقيقاً على أوقات الصلوات، ويكثر من الدعاء والذِّكر في الخلوات.
هكذا يمكن أن يجد الغني والفقير، والكبير والصغير (هدوء النفس) وراحة الضمير، وانشراح الصدر، مهما تغيّرت مسيرة الحياة البشرية، واضطربت أحوالها.
إشارة:


سيُفتح الباب باب الفجر، تفتحه
يد المصلِّي الذي لا يعرف الكذبا

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved