|
انت في
|
* تغطية - علي بن سعد القحطاني:
فهذه صورة متكاملة عن الربيع وفتنته وكأنما الروضة الجميلة التي زينها الربيع وأضفى عليها فتنته فتاة بكر تعيق ثناياها بالعطور، وتفيض فتنتها بالوعود والآمال. وهي صورة ألفناها في قصائد الوصف في الشعر العربي وبخاصة حين نجد الشاعر يصف روضة أنفا ويشبهها بالمرأة البكر التي لم يطأها أحد من قبل، ولهذا نجد موفق الدين الإربلي يلتقط هذا المعنى ويمزج بين الروضة والمرأة في صورة جميلة قائلاً:
قصيدة لؤلؤة الخليج: وفي قصيدته (لؤلؤة الخليج) التي نظمها حين زار البحرين عام 1948 وكان في عقده الثالث آنذاك نجد الشاعر يطل على قارئه من نافذة تراثية مبدعة في لغته وتراكيبه وصوره، ومما يميز الصور الشعرية في هذه القصيدة ويجعلها صورا تستجيب لثقافة الشاعر التراثية اعتمادها على التشبيه والمجازات الاستعارية التي اختزنتها ذاكرته من قراءاته التراثية الواسعة. لننظر إلى قوله من هذه القصيدة التي اعتبرها بشارة بشاعر قادم بقوة:
وتتقدم الخلفية التراثية في هذه القصيدة فنراها تلوح في قوله واصفا أبناء البحرين الذين اشتهروا بريادة البحر وتجارة اللؤلؤ والتوابل:
وفي البيت الأخير نجد الشاعر يستحضر بيت النابغة الجعدي المشهور الذي يقول:
والشاعر يلتقط هذا البيت فيجعله أبياتا في قصيدته فاتحا خارطة الشاعر القديم المغلقة على دارين موسعا مداها ليجعلها تشمل المنطقة كلها. وفي مقابل هذه الصور التراثية نجد الصورة الرومانسية التي تشبع بها خيال الشاعر من قراءاته الحديثة وبخاصة قراءاته لشعر الجيل الرومانسي المتمثل بانتاج جماعة أبللو وشعراء المهجر الشمالي. وفي هذه الصورة تتسع دائرة المجازات في لغته فنرى العلاقة بين الأشياء تكتسب مظهرا آخر لم تعهده اللغة التراثية، ويبدو ذلك جليا في عناوين القصائد، وشفافية الكلمة ونقاء الصورة وهذه المظاهر الرومانسية نجدها جلية واضحة في انتاجه الشعري في الفترة التي سيطر فيها المد السيابي والملائكي وهي فترة الخمسينات الميلادية فقد كانت تلك الفترة تموج بتيار الرومانسية الجديدة التي أعقبت خفوت صوت شعراء أبلو والمهجر. فقد صعدت موجة التحديث الجديدة للقصيدة العربية برياح عراقية طغى فيها صوت قصيدة التفعيلة أو ما كان يسمى آنذاك بقصيدة الشعر الحر، ولكن شاعرنا ظل متمسكا بشكل القصيدة العامودي الذي حافظ عليه الرعيل الأول من شعراء الرومانسية العربية لهذا فإننا نرى في هذه الفترة التمازج في قصائد شاعرنا بين الكلاسيكية شكلا والرومانسية موضوعا اوعلى الرغم من قربه الشديد إلى مصادر تلك التيارات في العراق في تلك الفترة واندماجه في مجتمعاتها واجتماعتها إلا أننا لا نجد في إنتاجه قصيدة واحدة تدل على انسجامه مع الشكل الجديد للقصيدة العربية وسوف نقف مع بعض القصائد في ديوانه الذي حددنا لوقفتنا هذه وهو (الحب للأرض والإنسان) لنرى إلى أي مدى كان تأثره بالاتجاه الرومانسي وتغلغل هذا التأثر في صوره الشعرية. سوف نقف قليلا عند قصيدة بعنوان (مرارة الاخفاق) وهذا العنوان بحد ذاته ذو ايحاءات رومانسية فكل كلمة فيه احتفل بها الرومانسيون في قصائدهم حين عاشوا المرارة في حياتهم التي لا تخلوا من حلاوة كما عاشوا الاخفاق إحساسا على الرغم من نجاحهم في الحب والحياة وتغنوا بذلك مستمتعين بآلامهم وأحزانهم وتشاؤمهم ولنقرأ جزءا من هذه القصيدة لندرك عمق الأثر الرومانسي في كلمة الشاعر وصورته:
نرى هنا الصور الرومانسية جلية في (أزاهير القلب، الإحساس بالاختناق، الطيور المهاجرة، سحائب الأحلام، فراغ الأماني وحطام الحرمان في الأعماق)، وهذه الصورة الرومانسية اعتدنا على رؤيتها في قصائد الرومانسيين الذين عاشوا متغنين بآلامهم، متجاهلين جمال الحياة حولهم، بسبب التشاؤم الشديد الذي يعتبر جزءا مهما في تشكيل الصوت الرومانسي. وقصيدة أخرى بعنوان (هروب) يكرر فيها الشاعر ذلك الصوت الرومانسي المتشائم من الحياة والأحياء ويتغنى بآلامه بصور رومانسية تعكس مدى تأثره بالمدرسة الرومانسية لو نقرأ قوله:
ولولا الاطالة وتجاوز الوقت المحدد لأتينا بالكثير من هذا المعجم الرومانسي وتتبعنا شجرة نسبه في قصائد الرومانسيين الأوائل. وبعيدا عن التصنيف الكلاسيكي أو الرومانسي فإننا نجد الشاعر عبدالله الجشي في قصائد الحنين إلى الأرض والوطن أكثر مما نجده في أي مجال آخر، وصورة الوطن عنده هي صورة الأم الرؤوم التي لابد من العودة إليها مهما طال الزمان وقراءة الوطن في شعره تحتاج منا إلى وقفة متأنية لا يتحملها وقت هذه الندوة القصيرة، وقد أردت بما قدمته هنا في هذه الليلة أن يكون مقدمة لدراسة أعمق تتناول أهم الهموم الشعرية لدى الشاعر وهو الوطن وابن الوطن كما أسلفنا. السيرة تحدث الدكتور مبارك بن راشد الخالدي عن الجوانب الاجتماعية والتاريخية لشخصية المحتفى به وذلك من خلال ورقته (الشاعر.. المؤرخ.. الناشط الاجتماعي الرائد ) وقال في اليوم السابع والعشرين من شهر جمادى الثانية من عام ألف وثلاثمائة وستة وأربعين هجرية، الموافق لعام ألف وتسعمائة وستة وعشرين ميلادية، ولد الطفل الذي سمي عبد الله، الذي كبر وكبر ليصبح الشاعر والمؤرخ الذي يحتفى به هذا المساء الجميل من الدورة العشرين للمهرجان الوطني للتراث والثقافة - الجنادرية. ولد عبد الله لوالدين أخلص كل منهما للآخر وعاشا حياة سعيدة على الرغم من مكابدتهما معاناة فقد الأبناء، فعبد الله الجشي هو الابن الوحيد لأبويه الذي كتبت له الحياة من بين عشرة أبناء. وشاء الله أن يشابه عبد الله أمه وأباه في ذلك، إذ ليس له سوى شقيقة واحدة، يمكن القول إنه اجتمع في شخصها كل أشقائه وشقيقاته، مثلما اجتمع في شخصه، في نظر أبويه، كل الأبناء الذين غيبتهم الأجداث. ومن قدره أن يكون التعدد علامة مميزة لذاته وحياته سواء في تمثل أشقائه التسعة في شخصه، أو في تعدد الأمكنة التي ساهم كل منها في تشكيل شخصيته ووعيه وثقافته فهو عبد الله الجشي، القطيفي، النجفي، البغدادي، الرياضي، نسبة إلى الرياض التي استقبلته ذات عقد من الزمان موظفا منتدبا في وزارة العمل، أو في تعدد اشتغالاته واهتماماته فهو عبد الله الشاعر والمؤرخ والناشط الاجتماعي، ويتأكد التعدد في حياته عبر تعدد الأمكنة التي تعيش فيها فروع أسرته الكبيرة وعلاقات القربى التي تربطه بعدة أسر، فقد ولد عبد الله ابن الشيخ علي بن حسن الجشي في أسرة ممتدة توزعت فروعها على رقعة جغرافية كبيرة من القطيف إلى البحرين، إلى الأحواز، إلى العراق. وتوازى هذا الانتشار الواسع لأسرته مع شبكة علاقة القربى العريضة من جهة أمه العراقية ملكة بنت الشيخ علي الحكاك يرحمها الله ذات الأصول البحرانية المرتبطة بسبع أسر عراقية. الإنسان .. الأرض وأشار الأستاذ ميثم منصور الخنيزي إلى ارتباط الشاعر بالأرض وذلك من خلال ورقته التي ألقاها وقال: يبدو أن حياة الجشي مرت بأجواء مختلفة من الظروف فعاش ألم الزمن وقساوة الحياة ومرارة الغربة، وربما عاش تجربة الحب بواقعية في العراق أو غيرها، وهذا ما نجده في بعض قصائده وإن كان أغلب غزله يشعر بأنه محض خيال عاشه الشاعر يريد بذلك إفراغ عواطفه في جو الغزل، وهو الذي ساعد على رقي الحركة الشعرية الرومانسية في المملكة بنحو لافت لما حمله من ذكاء وفطنة، وربما كان ينحو إلى شيء من الرمزية في ذلك، فلا ينبغي الريب في أنه بلغ مستوى عاليا لم يجعله شاعر مناسبات فحسب بل هو شاعر غرامي امتاز بغزارة العاطفة فتراها تنساب منه لتفيض. وغالبا ما نراه يجمح عواطفه ويقف دون أن يدعها تصل إلى غايتها، ويكشف عنه غزله المتعفف الذي فاق حدا يستطيع الناقد وصفه، ولكني مع ذلك أتلمس منه الالتزام وعدم التمرد على قيوده ومبادئه الخاصة، وكل شاعر له منهجه وطريقته في رسم صورة غزله وعاطفته. كما ألقى الأستاذ محمد رضا الشماسي ورقة بعنوان (خرِّيت الصناعتين الأستاذ عبد الله الجشي) : أستاذنا الكبير عبد الله الشيخ علي الجشي، الذي أنشأته القطيف، وأدبته النجف، وأبرزته المنابر؛ يقف اليوم على سواء الهرم في أدب الخليج العربي، بله أدب المملكة والجزيرة العربية. بل هو في الأدب العربي أديب له مقامه، وشاعر له شأنه. دخل عالم الأدب بنتاج خصب، وفكر حصيف، وثقافة واسعة، برزت فيما كتب ونظم وألف ونشر. عرفه الأدباء العرب من خلال الصحافة مثل مجلتي الغري والبيان العراقيتين، والبيان الكويتية، وصوت البحرين البحرانية، ومجلات الألواح والأديب والعرفان اللبنانية، ومجلة العرب السعودية، ومجلة دارين للنادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، وغيرها من المجلات والصحف المحلية والخارجية. عرفه الأدباء العرب من خلال مهرجانات المربد بالبصرة، ومهرجان الرواد العرب بالقاهرة، الذي أقامته جامعة الدول العربية عام 2001م، ومهرجان أثينا لنصرة فلسطين. عرفه الأدباء من خلال الندوات الفكرية التي كان يرتادها في العراق والسعودية. عرفه الأدباء العرب من خلال الدروع والشهادات التقديرية التي منحه إياها مهرجان الرواد العرب بالقاهرة، ودخل اسمه مادة أدبية في نحو 60 مصدرا من كتب ومجلات وصحف ومعاجم إعلامية. (الحب للأرض والإنسان) أول ديوان يصدر للأستاذ أبي قطيف. يشتمل الديوان على اثنتين وستين قصيدة، تختلف في حجمها، كما تختلف - بطبيعة الحال - أغراضها، وإن كانت تنتظم في أكثرها بالشعور الوجداني؛ فهي تعبير عن وجدانيات الشاعر حول قضايا الحياة المختلفة التي تتناثر في الديوان مثل (طريق العبور) ، (مرارة الإخفاق) ، (بين اليمامتين) ، (حياة التلمذة) ، (ذكريات الحب) ، (مأساة شاعر) ، (شبابي الضائع) ، و (فاتك السرب) ، وغير هذه من قصائد الديوان. يظهر الشاعر في ديوانه شاعرا واقعيا؛ ينأى بشعره عن التجريد، ويبتعد به عن ضبابية الغموض على الرغم من ميله إلى الرمز أحيانا. المداخلات - تساءل الدكتور محمد آل زلفة عن تأخر طباعة ديوان المحتفى به (الحب للأرض والإنسان) إلى عام 1419هـ. - اقترح الدكتور حسن صفر على النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية أن يقوم بإصدار معجم لشعراء مدينة القطيف. - الأستاذ عبد الرحمن العبيد رئيس النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية أشار إلى أن معرفته بالشاعر عبد الله الجشي تعود إلى سنوات كثيرة، وقال: إنه يتميز بسعة الأفق وتطلعاته الواسعة، وتعد كتاباته من المراجع في تاريخ الخليج العربي. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |