|
انت في
|
| ||
لقد بعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بدعوة تملأ القلوب نوراً، وتُشْرقُ بها العقول رُشداً، فسابق إلى قبولها رجال عقلاء، ونساء فاضلات، وصبيان لا زالوا على فطرة الله، وبقيت سائرة في شيء من الخفاء، وكفارُ قريش لا يلقون لهم بالاً، حتى أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرع بها الأسماع في المجامع، ويحذر من عبادة الأصنام، ويسفِّه أحلام من يعبدونها، فكان ذلك مثيراً لغيظ المشركين، وحافزاً لهم على مناوأة هذه الدعوة، والصد عن سبيلها، فوجدوا في أيديهم وسيلة، هي أن يفتنوا المؤمنين، ويسوموهم سوء العذاب، حتى يعودوا إلى ظلمات الشرك، وحتى يُرْهبوا غيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالدخول في دين القَيِّمة.
والدرس المستفاد من هذا المعنى واضح جلي، إذ الأمة تمر بأحوال ضعف، وأحوال قوة، وأحوال فقر، وأحوال غنى، فعليها لزوم الاعتدال في شتى الأحوال، فلا تبطرها النعماء، ولا تُقَنِّطها البأساء، وكذلك الحال بالنسبة للأفراد. 4 - اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين: فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن ان الدعوة إلى زوال، واضمحلال، ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درساً واضحاً في أن العاقبة للتقوى وللمتقين. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يعلِّم بسيرته المجاهدَ في سبيل الحق أن يثبت في وجه أشياع الباطل، ولا يَهَنَ في دفاعهم، وتقويم عِوَجِهم، ولا يَهُولُه أن تقبل الأيام عليهم، فيشتد بأسهم، ويُجْلِبوا بخيلهم ورجالهم، فقد يكون للباطل جولة، ولأشياعه صولة، أما العاقبة فإنما هي للذين صبروا والذين هم مصلحون. فلقد هاجر -عليه الصلاة والسلام- من مكة في سواد الليل مختفياً وأهلها يحملون له العداوة والبغضاء، ويسعون سعيهم للوصول إلى قتله، والخلاص من دعوته، ثم دخل المدينة في بياض النهار مُتَجلِّياً وقد استقبله المهاجرون والانصار بقلوب ملئت سروراً بمقدمه، وابتهاجاً بلقائه، وصاروا يتنافسون في الاحتفاء به، والقرب من مجلسه، وقد هيؤوا أنفسهم لفدائه بكل ما يعز عليهم، وأصبح -عليه الصلاة والسلام- كما قال أبو قيس صرمة الأنصاري:
|
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |