Wednesday 23rd February,200511836العددالاربعاء 14 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "متابعة "

مَن قتل الحريري؟مَن قتل الحريري؟

نريد أن نعرف مَن قتل الرئيس الشيخ رفيق الحريري، في واحدةٍ من ضربات الغدر والخسة لا مثيل لها في تاريخنا الحديث، المليء بالغدر والخسة.
نريد أن نعرف مَن قتل رجلا لم يكن من سادة الحرب الأهلية فيُقتل، ولم يكن عدواً للسلام فيُنسف، ولم يكن نصيراً للعنف فيسقط ضحية له، ولم يكن عدواً للشعب فيتخلص منه، ولم يكن هادماً فيقضي عليه البناة، بل كان عدواً للحرب والعنف، نصيراً للسلام والأمان، محباً للشعب بانياً للوطن.
نريد أن نعرف مَن قتل المشرقي الوحيد، الذي أعاد أموالاً جمعها في الخارج إلى بلده، كي يبني، والذي لم يسرق وطنه ويخرج سرقاته منه.
ونريد أن نعرف مَن قتل الثري الذي ما انفك يفكر بالفقير والمحتاج، ولم ينس جلده الأصلي أو يخرج منه بعد أن صار صاحب مليارات، بل أنفق مما أنعم الله به عليه ? حسب قوله، فكأن ماله كان في نظره وديعة إلهية لديه ولم يكن ملكه الخاص - على تعليم خمسة وثلاثين ألف شاب وفتاة من مختلف الطوائف اللبنانية، ليكونوا بناة وطنهم وإداريين مقتدرين على مستوى العصر وتحدياته.
ونريد أن نعرف مَن قتل رجل التوافق والتفاهم، الذي لعب دوراً جوهرياً في اتفاقٍ يفترض أنه أنهى الحرب الأهلية هو اتفاق الطائف، ودوراً حاسماً في المصالحة الوطنية اللبنانية التي أعقبته، ودوراً رائداً في إعادة بناء لبنان وطناً لجميع أبنائه دون تمييز، والذي صالح وطنه مع عمقه العربي، وعبّر عن المصالح العربية ودافع عنها في المحافل الدولية حتى سمي وزير خارجية العرب، وحمى المقاومة الوطنية ثم الإسلامية ودعمها، وضبط إدارة لبنان ورقى حياته، وقاده بحكمة وروية وهدوء واعتدال، وجعله وطناً حديثاً ومتماسكاً يحسده العرب، القريب منهم والبعيد، وأعاده إلى ذاته، بكل ما في الكلمة من منطويات ومشكلات ونجاح وإخفاق.
مَن قتل رجل الابتسامة المتألقة، التي صار وطنه يعرف بها ؟.
ومَن قتل رجل المبدأ والموقف، الذي حفلت حياته العامة بلحظات قاهرة من شأنها كسر إرادته، لكنه واجهها بثقة المؤمن واقتدار الصابر، وتغلب عليها، رغم ما كان يوضع في طريقه من عقباتٍ وعوائق، ويزرع في دربه من ألغامٍ ومصاعب، بيد بعض أهل الحكم وبعض المسيطرين في لبنان، الذين لطالما سلطوا ألسنتهم عليه واتهموه بالخيانة والعمالة لأمريكا وإسرائيل اللتين انقلبتا بقدرة قادر على لسان هؤلاء أنفسهم إلى الجهة المسؤولة عن مقتله !. ومَن قتل الرجل الذي لم يهدد أو يتوعد أحداً ولم يتجه بالإساءة إلى أحدٍ، بمن في ذلك الشخص الذي سماه في تصريحات متكررة (رأس الأفعى)، وتباهى بكونه يطالب منذ ثلاثة أعوام بقطعه، عنيت وزير داخلية لبنان الحالي سليمان فرنجية، الذي لابد أن يطاوله التحقيق كمحرضٍ على القتل، وكذلك أمثاله من سدنة الكذب والشر والدعوة إلى سفك دماء خصومهم ومن يختلفون معهم في الرأي والموقف.
لا نعرف مَن قتل الحريري.
لكننا نعرف أن هذه المرحلة من تاريخ العرب لن تنقضي قبل أن تصفي خيرة من أنجبتهم من أبناء، بدلالة قتل الرئيسين عرفات والحريري، واحد بيد إسرائيل والثاني بيد. . . هذا ما نريد أن نعرفه، بأية وسيلة وطريقة، لأننا لا نريد للماضي أن يقتل المستقبل، وللزائل أن يقضي على الباقي، وللوحشية أن تهزم الرحمة والإنسانية، وللعنف أن يغتال السلام والمودة، ولأننا لا نريد هذه المرة أن يذهب هدراً دم المواطن اللبناني - العربي رفيق الحريري، ليس فقط لأنه كان رجل مسؤولية وسلام وبناء، بل لأنه كان رجلاً حالماً وبسيطاً مثلنا، ولأن قتله سيبقى جزءاً من موتنا اليومي، ما لم يكشف القتلة وينالوا قصاصهم العادل، الذي طالبت به تلك الجموع الهائلة، حين حملته إلى مثواه، ومن الضروري أن نطالب به نحن أيضا، وأن نصر عليه، لتكون محاكمة القتلة، أيا كانوا، جزءاً من قيامة لبنان الحر والسيد والمستقل، التي عمل لها وحلم بها، وغدت قريبة بموته، مع أن قتلته أرادوا جعلها مستحيلة !. نريد أن نعرف مَن قتل الحريري، حتى نستعيد شيئاً من إيماننا الذي يوشك أن يتبدد بانتصار الحق على الباطل والنظام على الفوضى، ونصدق أننا في الطريق إلى بديل أفضل من حالنا الراهن، الذي أشبعنا قتلاً وقمعاً وظلماً وموتاً.
رحم الله الحريري، رجل الدولة، ابن الشعب، الذي خدم وطنه حياً ويخدمه ميتاً، وستظل ذكراه باقية بقدر ما ندافع عن حقه وحقنا في معرفة قتلته الآثمين !.

ميشيل كيلو

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved