*الرياض - الجزيرة: في محاضرة له في محافظة الطائف الأسبوع الماضي عن الانتخابات البلدية، وتفعيل مجالسها للمشاركة في صنع القرار، دعا عضو مجلس الشورى المهندس أحمد بن يوسف التركي إلى نشر ثقافة الانتخابات، مؤكداً الحاجة إليها وقال: إن إدراك هذا المفهوم، يساعد على استيعاب الغاية المنشودة منه، وإن الجهل به سيقود إلى أخطاء كبيرة في المعرفة والممارسة الانتخابية نفسها.. مضيفاً إلى ذلك قوله: إن أمام المملكة طريق تنمية واسع وطويل، ومن ثم فهو يحتاج إلى بذل الجهد من الجميع، وبخاصة الفرد المواطن، أينما كان موقعه وثقافته. ووصف الانتخابات البلدية بأنها لبنة أولى على طريق مشاركة المواطن في اتخاذ القرار، وتعيمق الوحدة الوطنية، مشيراً إلى أنه ستتبع هذه الانتخابات خطوات أخرى جديدة وأساسية تقطع الطريق على المزايدين، ورافعي الشعارات البراقة المزيفة. وتناول المهندس التركي البداية الأساسية لظهور المجالس البلدية في عهد الملك عبدالعزيز وقال: إنه كان يتم تشكيلها عن طريق الانتخابات، بل إن الانتخابات كانت تتم أيضاً لاختيار مشايخ المهن والحرف اليدوية، وقد كان المجلس البلدي المنتخب، يؤدي دوراً فاعلاً في الإشراف على أعمال البلدية. وتحدث عن مفهوم المجلس البلدي وأهدافه، ومفهوم الانتخابات البلدية وأهميتها، موضحاً أنها تقوم بالمشاركة الشعبية في إدارة الخدمات البلدية، التي تعد عاملاً مهماً في ترشيد القرار الحكومي، لما يحقق المصلحة الكبرى للوطن والمواطن، في موقع المسؤولية المشتركة مع الجهات الرسمية، مما يزيد من مستوى الوعي عند المواطن. وبيّن المهندس أحمد التركي، أن الانتخابات البلدية تسهم في إشاعة ثقافة الانتخابات بأبعادها المختلفة، ووضع البنية الأساسية للعملية الانتخابية، وتبرز دور المدينة والقرية في التنمية، وتوسع قاعدة المشاركة في صناعة القرار، وتخفف العبء على الحكومة المركزية، بحيث يعود المواطن مباشرة إلى المجلس في احتياجاته، بدلاً من الجهات المركزية، كما أنّ الانتخابات البلدية تدعم الوحدة الوطنية، من خلال صهر المواطن في الحي أو المدينة. أولاً: المقدمة في البداية أود أن أشكر صاحب السمو الملكي رئيس اللجنة العامة للانتخابات البلدية الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبدالعزيز لدعوتي للمشاركة في هذا اللقاء الخيّر بإذن الله للحديث حول (انتخاب المجالس البلدية)، خاصة وأن موضوع الانتخابات البلدية يحتل هذه الأيام الاهتمام المتزايد لدى المواطن السعودي. أيها الإخوة نحن في حاجة ماسة إلى نشر ثقافة الانتخابات وتسليط الضوء على مفهومها لأن إدراك المفهوم يساعد على استيعاب الغاية المنشودة منه، والجهل به سيقودنا إلى أخطاء كبيرة في المعرفة والممارسة الانتخابية نفسها. أيها الإخوة أمام المملكة العربية السعودية طريق تنمية واسع وطويل ويحتاج إلى بذل الجهد من الجميع خاصة المواطن الفرد أينما كان موقفه ومهما كانت ثقافته ومسؤوليته فالجميع يعمل بيد واحدة من أجل التنمية والإصلاح. لذلك تأتي الانتخابات البلدية كلبنة أولى على طريق مشاركة المواطن في اتخاذ القرار وتعميق الوحدة الوطنية وستتبع الانتخابات بإذن الله خطوات أخرى جديدة وأساسية تقطع الطريق على المزايدين ورافعي الشعارات البراقة المزيفة. أيها الإخوة إن المجلس البلدي كان موجوداً في هذه المدينة الطيبة منذ دخول الملك عبدالعزيز- رحمه الله- الحجاز إذ كان يتم تشكيله عن طريق الانتاخبات بل إن الانتخابات كانت تتم أيضاً لاختيار مشايخ المهن والحرف، لذلك فإن العملية الانتخابية ليست جديدة على هذا المجتمع وقد كان المجلس البلدي المنتخب يؤدي دوراً فاعلاً في الإشراف على أعمال البلدية مع اتساع المدن وكبر مساحتها وارتفاع عدد السكان فيها وتنوع متطلبات المدن القديمة والحديثة ضعف دور المجالس البلدية لفترة كانت المدن تتشكل وتتغير في فترات زمنية قياسية ومتسارعة، ونظراً لاتساع المدن وازدياد المسؤوليات العامة وعدم إمكان السير في إدارة المدن بالطريقة النمطية أصبح لابد من إدخال معطيات العصر الحديث من تقنية وخلافة والعودة إلى الانتخابات بعد تطوير عملية ممارستها لنتمكن من تطوير الخدمات البلدية المحلية على كافة مستويات المدن لذلك لابد من إجراء الانتخابات البلدية الحالية. ثانياً: مفهوم المجلس البلدي وأهدافه المجلس البلدي ببساطة هو سلطة بلدية تمارس مهام محددة بموجب النظام وله أهداف كثيرة منها القانونية والاجتماعية ومنها الاقتصادية السياسية. والمجلس البلدي: مفوض من ولي الأمر ومن المواطنين بالتخطيط للبلد ورسم الصورة المريحة التي يجب أن تكون عليها وهو المتتبع لتنفيذ المشاريع التي يضعها والرقيب على صرف الأموال على المشروعات المعتمدة، والمؤتمن على توزيع متطلبات التنمية على النواحي جميعها بحياد وتجرد في كل ما يتصل سواء بالطرق أو الكليات أو المدارس أو المستشفيات أو الكهرباء أو المياه والصرف الصحي أو المنشآت الاقتصادية والصناعية والسياحية، و... الخ، كل ذلك يقوم به المجلس البلدي بطرق علمية موضوعية عصرية. إن هذه المهام- على جلالة قدرها- وغيرها كثير مما يقوم به المجلس هذه المهام إذا أمعنا النظر فيها أدركنا أنها من باب التعاون على البرِّ والتقوى كما أمر بذلك سبحانه تعالى في قوله: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. لا شك أن هذه المهام من الأمور التي غذا ما أتقن المرء القيام بها فإنها تعطي الصورة الواقعية الإيجابية عن البلد وأهله ولا شك (أن الله جميل يحب الجمال) ما جاء عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، إن الإحسان في القيام بها تظهر الأمة بمظهر العلم والتحضر والقوة وكما هو معلوم فإن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وبذلك تظهر المدينة جميلة في مظهرها نظيفة في مخبرها قوية بمشروعاتها معتزة بأهلها، لأنها تحقق ما تحرص الشريعة عليه من أن يكون طريق المسلمين سالكاً وماؤهم نقياً وأشجارهم خضراء، كما أخبر عليه الصلاة والسلام من أن الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأنها- حين تجيد عملها- تعين ولي الأمر على مهامه الجسيمة التي كلف بها وحملها وهي تمتثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: الدين النصيحة: قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وأي نصح أعظم من أن يأتي رأي جماعي من رجال مختارين مؤتمنين محايدين بأن تكون المدينة ونواحيها وقراها على هذا النحو الذي يرسمونه لها ولمرافقها ومشاريعها، وإنها قبل هذا وبعده: هي من الشورى التي شرعها الله لهذه الأمة كي تسير بما هو الأصلح وتدرأ على مدينتهم كل ما هو سيئ أو غير صالح. ثالثاً: مفهوم الانتخابات البلدية وأهميتها يقوم مفهوم الانتخابات بصفة عامة على إدلاء مجموعة من المواطنين تتوافر فيهم الشروط اللازمة بممارسة حق الانتخابات بأصواتهم لصالح المرشحين وفق نظام الترشيح والانتخاب أو الاقتراع المعتمد وضمن منهج علمي وعملي منظم. وتستمد الانتخابات البلدية أهميتها من: المشاركة الشعبية في إدارة الخدمات البلدية إذ تعتبر المشاركة الشعبية عاملاً مهماً في ترشيد القرار الحكومي فيما يحقق المصلحة الكبرى للوطن بالإضافة إلى وضع المواطن في موقع المسؤولية المشتركة مع الجهات الرسمية وهذا مما يزيد من مستوى الوعي لدى المواطنين. ومن خلال المشاركة الفاعلة للمواطن في هذه الانتخابات فإن ذلك يسهم في حماية المصالح الوطنية العليا والمصالح الشعبية في آن واحد فالانتخابات في حد ذاتها لها تأثير مباشر في تأكيد مبادئ العدالة والمساواة وإرساء عامل الولاء والانتماء للوطن، فالمشاركة الفاعلة في انتخابات المجالس البلدية تعكس حرص المواطن على مصالح الوطن وتعلي من شعوره بالمسؤولية المشتركة مع الدولة وتزيد في رقي المجتمع ونمائه وأمنه. إن الانتخابات وسيلة مثلى لتشكيل المجالس البلدية التي تمثل محوراً مهماً في الإدارة المحلية وتعزيز المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ورفع مستوى الخدمات من واقع حاجات المواطنين ورغباتهم وتطلعاتهم. ولتحقيق العملية الانتخابية خطوات هي: 1- قيد الناخبين. 2- تسجيل المرشحين. 3- عملية الفرز. 4- إعلان النتائج. كل ذلك في نسق علمي وتنظيم دقيق ينفذ للمرة الأولى في المملكة. وبعد الانتهاء من الانتخابات في جميع مناطق المملكة ومعرفة من تم انتخابهم سوف يتم إعلان أسماء الأعضاء المعينين، ومن ثم يصدر قرار وزاري موحد بجميع الأعضاء في جميع مناطق المملكة بتاريخ موحد، ومن هنا تبدأ انطلاقة المجالس البلدية لمدة أربع سنوات وفي دورات الانتخابات المقبلة سيكون بإذن الله الاقتراع موحداً لجميع مناطق المملكة. رابعاً: علاقة الانتخابات البلدية بالتنمية المحلية تتكون المملكة العربية السعودية جغرافياً من خمس مناطق تخطيطية هي: المنطقة الوسطى، الغربية، الشرقية، الجنوبية، والشمالية. كما تنقسم إدارياً إلى ثلاث عشرة إمارة ويتفرع من كل إمارة محافظات، وتشكل كل منطقة من المانطق الخمس المشار إليها وكذا كل إمارة وحدة تخطيطية داخل نسيج التنمية التي تنشدها الدولة. وتقوم التنمية الوطنية محلياً على ثلاثة محاور هي: التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية السياسية، ويؤدي عدم التناسق بين تلك المحاور إلى عدم الاستقرار. وقد صدر نظام المناطق الجديد الذي استهدف رفع مستوى العمل الإداري والتنموي في مناطق المملكة وبالتالي تحديد اختصاصات مجلس المناطق من حيث دراسة كل ما من شأنه رفع مستوى الخدمات في المنطقة وبصفة خاصة تحديد احتياجاتها من البرامج والمشروعات واقتراح إدراجها في خطط التنمية للدولة وتحديد المشاريع النافعة بحسب أولويتها واقتراح اعتمادها في ميزانية الدولة السنوية، بالإضافة إلى دراسة المخططات التنظيمية لمدة وقرى المملكة ومتابعة تنفيذها بعد اعتمادها، وبالرغم أيضاً من اعتماد سبع خطط للتنمية حتى الوقت الحاضر وتنفيذ برامجها ومشاريعها على مستوى مناطق المملكة ككل إلا أن المتابع لكل ذلك يلاحظ أن هناك تبايناً تنموياً واضحاً بين مناطق المملكة المختلفة مما أوجد بعض الخلل من حيث توزيع الخدمات الصحية، والتعليمية، ومرافق البلديات والاتصالات بمختلف أنواعها مما أدى إلى وجود هجرة ونزوح كبيرين إلى المدن الرئيسية حيث تتوفر فيها الخدمات التي يحتاج إليها المواطن. ومن هذا المنطلق فإن ثمة حقيقة مفادها: أن المشاكل المحلية يجب حلها محلياً.. ويأتي في مقدمة هذه المشاكل المشاكل الاقتصادية، إذ لم يعد بالإمكان مواجهة المشاكل المحلية بقرارات بيروقراطية لا تستجيب للتغيرات ولا للمستجدات على الساحة المحلية، ولا يكفي أن تكون الحلول المقترحة متناسبة كما يبدو مع الأوضاع المحلية فحسب، ولكن من الضروري أن تلقى القبول والترحيب من المجتمع المحلي. ومن هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يجب على مدننا وقرانا فعله لتطوير نفسها بنفسها وتقبل المتغيرات والمستجدات في التنمية والتي أثبتت أنها في تطور مع مرور الوقت؟. لقد أثبتت التجربة أن المدن لا حول لها ولا قوة، فهي لا تملك سلطة اتخاذ القرارات المالية والإدارية الخاصة بها لتحقيق أهداف تنميتها المحلية وتطويرها، ولذا فإن قرار إعادة تفعيل المجالس البلدية والبدء في انتخاب نصف أعضائها تعد نقطة تحول في إدراك أهمية اللامركزية والفهم الصحيح لأهمية المجالس المحلية، فمجالس المناطق والمجالس البلدية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن معالجة كافة الموضوعات والقضايا في نطاقها الجغرافي، وعليه فإن التحول المرتقب في إعطاء المدن من خلال المجالس البلدية صلاحيات أكبر للنظر في شؤونها ومعالجة قضاياها من شأنه أن يتحمل سكان المدن مسؤولية تنمية مدنهم وتحديد نمطها وحجم نموها العمراني والمساهمة في إصدار التنظيمات لاستخدام الأراضي وتوفير فرص العمل وسنّ سياسات الإسكان وحل مشكلة الفقر والبطالة، وبهذا تكون الدولة قد وضعت المدن في المسار الصحيح للتنمية المحلية وأفسحت المجال للمواطنين في تحمل مسؤولية اتخاذ القرارات التي تخصهم. خامساً: علاقة الانتخابات البلدية بالمشاركة السياسية تبرز أهمية التنمية السياسية في أي دولة بأنها تربط العلاقة بين الدولة والنظام مما يجنب الدولة (أياً كانت) الأزمات السياسية التي تنتج عن جمود الأنظمة وعدم تطويرها بما يخدم الهدف العام لتلك الدولة. وبناء المؤسسات في الدولة والمشاركة في صنع القرار هي من العوامل الأساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي البناء السياسي للدولة. وعادة ما تبدأ المشاركة السياسية من تشكيل الجتمع المدني الذي بدوره يتحول إلى مجتمع سياسي، وفي الانتخابات البلدية تبدأ المشاركة السياسية الحقيقية. وبذلك نرى أن التحديث السياسي يتمثل في تشكيل المجتمع المدني وفي ممارسة الانتخابات البلدية.. ومما لا شك فيه فإن الانتخابات البلدية تساهم في تشكيل جوانب عديدة في البناء السياسي للدولة. وعن طريق الانتخابات البلدية سيكسب المجتمع السعودي عدة فوائد في مجال الثقافة السياسية منها: - إشاعة ثقافة الانتخابات بأبعادها المختلفة. - وضع البنية الأساسية للعلمية الانتخابية. - إبراز دور المدينة والقرية في التنمية، حيث ستساهم الانتخابات البلدية في نقل جزء من صناعة القرار من العاصمة إلى مدينة أخرى. - توسيع قاعدة المشاركة في صناعة القرار. - المساهمة في ترشيد القرار الحكومي على المستوى المحلي. - تخفيف الضغط على الحكومة المركزية بحيث يلجأ المواطن مباشرة إلى المجلس في احتياجاته بدلاً من إشغال الجهات المركزية. - دعم الوحدة الوطنية وذلك من خلال صهر مطالب المواطنين في الحي أو المدينة بمختلف انتمائهم وخلفياتهم الاجتماعية في مطلب يهمهم جميعاً مما يوحد نظرتهم الوطنية. وبذلك نرى أهمية الانتخابات البلدية في التنمية وتطويرها، خاصة وأن التنمية السياسية أصبحت مطلباً مهماً لاستقرار المجتمع السعودي خاصة في ظل ما تحقق من تنمية اقتصادية واجتماعية بما يخفف من غلواء التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه المملكة. سادساً: الخاتمة ومن هذا العرض نستنج أن المشاركة في الانتخابات ترشيحاً واختياراً من الأهمية بمكان، ففيها تحقيق لهدف أسمى أتاحه لنا ولي الأمر وتستدعيه حاجة الأمة، وكما يتطلب الأمر المشاركة في الانتخابات كذلك يتطلب أن يكون من يختار ممن يتصفون بالأمانة والصدق والنزاهة والحيدة، ولنا في قوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} خير نبراس نهتدي بهديه.
|