لقد كرم الله جل وعلا الإنسان وخصه بخصائص تميزه عن غيره من المخلوقات قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}خلقهم جل وعلا فأحسن خلقهم عن سائر الحيوان، ألا وإن من أعظم ما خص الله به الإنسان أن صان دمه وعرضه وماله عن أن يعتدى عليه، فهو معصوم الدم محرم القتل بدون وجه حق، ماله محترم لا يجوز الاعتداء عليه، عرضه مصون لا يحل لأحد أن يعتدي عليه، يقول صلى الله عليه وسلم: (والذي لا إله غيره لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة) رواه البخاري. ومن عظم حرمة المؤمن أن حرمته أعظم من حرمة البيت الحرام، يقول ابن عمر رضي الله عنهما وهو ينظر إلى الكعبة: (ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) فزوال الدنيا وما فيها منذ أن خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة - أهون عند الله من الإقدام على قتل معصوم، يقول صلى الله عليه وسلم كما في سنن النسائي والترمذي بسند صحيح: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) وقال صلى الله عليه وسلم (قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا) رواه النسائي. بل أشد من ذلك أن الله حرم ترويع المؤمن، فكيف بقتله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) رواه أبو داود والترمذي والبيهقي. وقال عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) رواه مسلم. لكن المصيبة العظمى التي قد لا يجد المرء منها مخرجاً أن يصيب دماً حراماً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) رواه البخاري. وروى البخاري أيضاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله). ولا يكفي القتل فقط بل حتى حمل السلاح وسل السيف على النفس المؤمنة كله من الأمور التي حرمها الله ورسوله، يقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عند البخاري: (من حمل علينا السلاح فليس منا) وفي حديث آخر: (من سل علينا السيف فليس منا) وإن أول ما يحكم الله به بين العباد يوم القيامة هي الدماء كما جاء ذلك في البخاري عن عبدالله بن مسعود، والقاتل لا بد أن يقف هو والمقتول بين يدي الله يوم القيامة يقتصان، يقول صلى الله عليه وسلم (يؤتى بالمقتول متعلقاً بالقاتل وأوداجه تشخب دماً حتى ينتهي به إلى العرش يقول: يا رب سل هذا فيمَ قتلني) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه بسند صحيح. وليس الأمر قاصراً على النفس المؤمنة بل حتى المعاهد فقد حفظ الله له كرامته وحقه وهو مشرك غير مؤمن، روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً) ويقول صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة) أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والحاكم. ويقول صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفساً معاهداً بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها) رواه أحمد والنسائي والبيهقي. وكل هذا من تكريم الله لبني البشر أن يطولهم من المنغصات ما ليس بحق فهل يعي العقلاء؟!! أيها المسلمون إنه لمن المؤسف حقاً ومن المحزن حقاً أن يسمع المسلم بين وقت وآخر ما تهتز له النفوس حزناً وترتجف له القلوب أسفاً وما يتأثر به المسلم حيث كان وأينما كان من تلك التفجيرات الآثمة وتلك الاعتداءات الظالمة التي يقوم بها قوم ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم، وأجرموا واعتدوا وبغوا وأفسدوا فساداً عظيماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إنها جريمة بشعة وعمل إرهابي قبيح وفعل دنيء ونتاج فكر خبيث، لا يقوم عليه إلا مريض قلب وضعيف دين وإنسان فيه هوس وفيه حب للشر والفساد والإفساد، أبداً لا يقدم عليه عاقل يحترم نفسه ولا يقدم عليه خير يخاف الله ويرجوه، ولا يقدم عليه مواطن وفيّ يحس بأمن الجماعة ويتحرك بما ينفع الناس، إن من أقدم على هذا الفعل الشنيع هو عدو لله وللإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، بل انه عدو لنفسه أولا ثم عدو لأهله وقومه وجيرانه والمستجيرين به والمستأمنين الذين قدموا ليعملوا ويستفاد من خبرتهم بعهد وميثاق فإذا هم يغتالون وهم نائمون وتتمزق أجسادهم أشلاء في ديار الإسلام والمسلمين.. إن هذا العمل قبيح وغدر فظيع وجرم مروع نبرأ إلى الله من أن يرضى به مسلم في قلبه مثقال ذرة من إيمان. ثم ما الفائدة؟ ليس فيه فائدة إنما إضرار بأمن البلاد والعباد وإضرار باستقرار البلاد وإضرار بسمعة الإسلام والمسلمين ولا يخدم هذا العمل إلا أعداء الإسلام والمسلمين. أيها الأخوة: إن الإرهاب جريمة عالمية ليست مقصورة على بلد دون بلد والإرهاب قد وجد في القديم والحديث.. الإرهاب كلمة مقصورة محصورة في الإقدام على القتل والتخويف والخطف والتخريب والسلب والغصب والزعزعة والترويع والسعي في الأرض بالفساد. الإرهاب إزهاق للأرواح المعصومة، وإراقة للدماء المحترمة من غير سبب مشروع. الإرهاب لا يعرف وطناً ولا جنساً، ولا ديناً ولا مذهباً، ولا زماناً ولا مكاناً.. المشاعر كلها تلتقي على رفضه واستنكاره، والبراءة منه ومن أصحابه فهو علامة شذوذ ودليل انفراد وانعزالية. ولقد وجد الإرهاب في أول مجتمع على وجه الأرض يوم قام قابيل بقتل أخيه هابيل لا لشيء إلا لحب الشر عند القاتل وبغض للخير الموجود عند المقتول لماذا يكون هذا المقتول صالحاً؟ لماذا يكون هذا المقتول متقبلاً منه العمل فلم يجد حيلة أمامه سوى الانتقام والتخريب والإفساد.. هذا أول عمل إرهابي وجد على ظهر الأرض وفي المجتمع النبوي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، جاء قوم بهم من الفقر والبأس والحاجة والشدة ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو المسلمين أن يتصدقوا عليهم ليكسوا عريهم ويشبعوا بطونهم ثم ألحقوا بإبل الصدقة ليشربوا من ألبانها ويستفيدوا منها ويعيشوا مع رعاتها فلما صحَّت أبدانهم وزانت أحوالهم بغوا وطغوا فقتلوا رعاة النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في أثرهم من جاء بهم من المسلمين فجيء بهم إلى المدينة فقتلوا وسمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم جزاءً وفاقاً لعملهم الإجرامي الإرهابي القائم على التخريب والإفساد في الأرض. ومن ذلك الحين وأحداث الإرهاب والتفجير والقتل والتدمير تجتاح الدنيا من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، هذا عمل الخوارج الذين هم في الصدر الأول وفي كل وقت يظهر فيه دعاة التكفير ودعاة الفتن المستبيحون لأعراض المسلمين ودمائهم وأموالهم. إن الخوارج في كل وقت وحين هم الذين يقدمون على هذه الأعمال الشنيعة والأفعال القبيحة لماذا؟ لأنهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم كلاب أهل النار يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان. وقد أثبت التاريخ مصداقية هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فرأى الناس الخوارج ينتسبون للإسلام ويقتلون المؤمنين ويروعون الآمنين ويفسدون في ديار الإسلام والمسلمين، وهم جبناء أذلاء لم يستطيعوا أن يواجهوا في وضح النهار، ولم يستطيعوا أن يقارعوا الحجة بالحجة، فلجؤوا إلى الخيانة والغدر والعمل الآثم. فالإرهاب شر يجب التعاون على اجتثاثه واستئصاله كما يجب منع أسبابه وبواعثه.. الإرهاب شر كله وخراب كله، وأحزان كله، وفساد كله، والمسلمون حين يقفون مع العالم كله في هذا الشجب والإدانة والاستنكار للإرهاب ومحاربته، فإنما يشاركون في ضبط المسار وترشيد الوجهة والبعد عن صراع الحضارات. وإن الناظر والمتأمل ليقدر هذه الوقفة الواحدة التي وقفتها الأمة ضد هذا التصرف المشين والعمل الإجرامي الآثم، لقد وقفت الأمة صفا واحداً خلف قيادتها وولاة أمرها تستنكر هذا العمل وتدينه ولا تقبل فيه أي مسوغ أو مبرر وتبرأ من فاعليه، والأمة مؤمنة بربها مستمسكة بدينها مجتمعة حول ولاة أمرها محافظة على مكتسباتها، وكلنا بإذن الله حراس للعقيدة حماة للديار غيارى على الدين غيارى على الحرمات فيجب على من اطلع على أن أحداً يعد لأعمال إجرامية أو تخريبية أن يبلغ عنه، ولا يجوز التستر عليه لأن المسؤولية عظيمة، والجميع في سفينة واحدة ومن خرقها أغرق الجميع. حفظ الله على هذه البلاد دينها وأمنها ورد عنها كيد الكائدين وحقد الحاقدين وزادها تماسكاً واجتماعاً وألفة واتحاداً.
|