أرجوك أيتها النجمة السعيدة.. قفي لحظة واسمعي، أرجوك تأملي ولا تحزني واعلمي أنك إذا كنت سعيدة، فقد تبنين سعادتك على أحزان طفل بريء، أو كهل مريض، أو سجين لا يرى شمس يومه إلا كاسفة.. أيا نجمة الليل، حكمي عقلك وانصفي، ولا تكوني قاسية القلب كما هي قلوب البشر.. اسمعيني وأكثري من الدموع واجعليني أمسحها بيدي ورمش عيني كي أثبت للناس أنني بريء براءة طفل وسعيد سعادة بريء.. نعم أيتها النجمة.. إنني سعيد مثل طفلة عاشت أيامها بين أحضان أمها وارتوت من صفاء حبها وحنانها.. طفلة تلعب وتلهو طوال يومها، حتى إذا ذبلت أطرافها ضحكاً وفرحاً.. وذبلت جدائلها من مداعبة الهواء عند انطلاقات الفرح في يومها، عادت الطفلة تتهادى حتى لا يكاد يوقفها سوى صدر أمها الحنون، تضع خدها على كف أمها.. وتداعب أمها بكفيها الناعمتين.. وتروي لها قصة السعادة التي عاشتها طوال يومها البريء الناصع.. ولكن يا للأسف انقض النعاس على جفون الطفلة فأطبقها قبل نهاية الرواية.. أطبق جفنيها وأخرجها من دنيا السعادة إلى شقاء الأحلام والكوابيس، غرقت البريئة في حلم وحشي مخيف، كان بالغ القسوة على قلبها اللطيف، رأت الفراشة أمها منطلقة إليها بعد غياب وتدنو منها بعد طول فراق، انطلقت الأم والبسمة تعلو شفتيها.. وصوت الفرح يتعالى ويشدو أعذب الألحان، ولكن الأم لم تصل!! والبسمة لم تطل!! إذ جاء وحوش البشر فنزعوا أمها من أمامها.. الأم تصرخ وتبعد، والطفلة تبكي وتتبعها، فصارت البسمة بكاء وصراخاً، وتحول الأمل إلى سراب وملل.. استيقظت الطفلة باكية ضائقة، وضعت يديها على صدرها.. فأحست شعر أمها على صدرها.. التفتت يميناً فإذا بأمها تغرق في بحور الأحلام بجانبها، أخذت الطفلة نفساً عميقاً، وابتسمت ببراءة من جديد، وعاد الكابوس إلى واقع سعيد وأفراح.. ولبس قلب الوردة ثوب الأمل والبراءة والأحلام السعيدة، فأطبقت جفنيها وعادت للغوص في الأحلام بكل سعادة وهناء وهي تقول: أمي حبيبتي بجانبي.. انتظري أيتها النجمة ولا ترحلي، دعيني أكمل ما بدأت، دعيني أخبرك بأنني حزين كحزن طفلة أخرى عاشت يومها بين حزن وشقاء، وتعاسة وبلاء.. حتى ذبلت رموش عينيها من كثرة البكاء.. وتناثرت جدائلها تحت وطأة الدنيا ومصاعبها.. تتهاوى الطفلة في آخر يومها باحثة عن النوم.. تدخل حجرتها وتقلب عينيها فيها.. فلا تجد إلا أمواج الحزن المتلاطمة.. تنادي بنبرة حزينة: أمي.. أين أنت يا أمي، أريد أن أرتمي على صدرك وأروي لك قصة أحزاني، وأصف لك معاناتي في دنيا الألم، نوم عميق.. رأت والدتها في المنام، تجري وحدها ضاحكة هنيئة تناديها: بنيتي، حبيبتي ها قد عدت إليك، ها قد عدت إليك، تقترب منها، تضمها إلى صدرها، وبينما هي في أوج سعادتها.. حتى تستيقظ في منتصف الليل وهي ضاحكة وسعيدة، تضع يدها على صدرها فلا تجد إلا غطاء من الأحزان، تلفتت يميناً ولا ترى إلا السراب، وتنظر يساراً فتجد الألم قد نصب خيمته بجانبها ويتوسد ذراعيها.. فتعود إلى أحزانها، وتتحول البسمات إلى زفرات، وترفع وجنتيها إلى السماء فلا تجد سواك أيتها النجمة.. فتسألك بالله أن تغيبي كي ينجلي ليل حزنها وبؤسها، ولكنك أيتها الظالمة تصرين على البقاء، وتبنين سعادة إشراقك على حساب قلب تلك الطفلة البريئة التي باتت تنتظر شروق الشمس وشقشقة العصافير، حتى يبدأ يوم حزن وشقاء جديد.
سكاكا - الجوف |