ليلى.. صبية ظريفة تتوقد ذهناً وتتدفق حيوية.. كانت في أولى مراحل الدراسة.. قالت لها المعلمة يوماً: أسماء.. واحد زائد واحد كم يساوي؟ صمتت ليلى.. راحت تحدق في المعلمة وعيناها تتوقدان.. أطرقت أخرى وهي تمسك بقرنيها الطويلين اللذين قدما معها من قريتها النائية.. تلفتت إلى الصبايا من حولها عجباً وتيهاً، فهي لا تعرف الخجل شأنها شأن (فتاة الجبل) التي ذكرت في بعض كتب الأدب..! أوحت إليهن أنها تتعجب من سؤال بسيط كهذا..! كم هما جميلان هذان القرنان.. إنها سعيدة بهما.. كثيراً ما تمسك بهما معلمة الفصل وتناولهما ليلى كلما عرفت أنها تفكر هناك في الجبل.. صبايا المدينة لا يتمتعن بمثل قرنيها.. يرين أنهما معجزة.. ليلى تخاف عليهما من المدينة..! قبل أن تقدم إلى المدينة كانت تسمع عن (بغداد).. ظنتها عروساً قائمة على النهر.. فجاءت لتراها وهي تجدل قرنيها.. لتشهد حفل عرسها..! آه كم هو مؤسف أن تقوم الحرب على (بغداد).. ازداد خوفها على قرنيها وهي ترى المجندات مع جيش الغزاة مقصوصات الشعر.. إنهن يشبهن الرجال في زيهن العسكري.. في صفات كثيرة.. تأففت طويلاً فهي لم تر ذلك في حياتها.. وحتى شعر (المقرئة) التي كانت تدرس عليها في دارها لم تكن تراه..! حاولتها المعلمة مرة أخرى.. لكنها صمتت، إذ لم يمض على التحاقها بالمدرسة سوى أسبوع واحد.. وعلى قدومها من قريتها سوى بضعة شهور.. آثرت الصمت على أن تجيبها بشيء لا تعلمه.. وكان في هذا حسن.. راحت تحدق مجدداً في الصغيرات من حولها بتلك النظرة إياها.. لتخبرهن أنها ما زالت تعرف الجواب.. ولكنه سؤال ساذج بالنسبة لها.. وبالتالي فهي لن تجيب عليه.. قالت لتخرج من هذا المأزق: هذا سؤال بسيط..! لقد كنت في القرية أجيب على أسئلة من نوع آخر.. إنني أريد سؤالاً أكبر من هذا..! أدركت المعلمة من واقع تجربتها أن ليلى لا تعرف الجواب.. ضحكت منها وكانت طريقة تخلصها من الإجابة على شيء لا تعرف مثار إعجابها..! الفصل يسوده الصمت عقب تلك المحاورة.. قهقهت ليلى فجأة وكانت ضحكتها مميزة.. ورحن صويحباتها يجارينها في الضحك، ثم نهضن إلى دورهن بعد يوم دراسي حافل.. ومحاورة عفوية مقتضبة بطلتها ليلى القادمة من القرية النائية..! لكن الغد جاء بسؤال أكبر من أسئلة القرية..! لمَ شنت الحرب على (بغداد)..! ولمَ صار الفصل أنقاضاً.؟! وأنى لليلى أن تعرف وهي لم تدرك بعد بديهيات الحساب..؟! إنها قصة ليلى القادمة من القرية النائية لترى (بغداد) العروس القائمة على النهر..! قصة عثر عليها بعض صبية بغداد وهم شاردو الذهن يبحثون عن شيء يبقى من حطام الفصل..
حسن بن سعيد الدوسري |