|
انت في
|
| |||||||
عرف الإنسان منذ قديم الزمان مزايا الوطن وأفضاله، وتغنّى به الشعراء، وما ذاك إلا لأنه مسقط الرأس، ومهد الرعاية والعناية...
إن حب الوطن والتطلع إلى رؤيته والأنس به تدفع المواطن إلى الافتخار به، وإعظامه والدفاع عنه كما فعل الشاعر العربي القائل:
لقد عرف الناس قديما وحديثا أن حب الوطن رشد، وكرهه غي وضلال وعقوق وعصيان.. أجمع على ذلك العرب والعجم والعلماء والحكماء والفلاسفة والأدباء، فمن أقوال العجم: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة، وإلى مسقط رأسها تواقة. ومن أقوال الهند: حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك، لأن غذاءك منهما وأنت جنين، وغذاءهما منه. ومن أقوال الحكماء: الكريم يحن إلى جنابه، كما يحن الأسد إلى غابه. وقالوا: أولى البلدان بصبابتك إليه بلد رضعت ماءه، وطعمت غذاءه. وقالوا : عمر الله البلدان بحب الأوطان. وقالوا: إذا كان الطائر يحن إلى أوكاره، فالإنسان أحق بالحنين إلى أوطانه. وقالت الفلاسفة: الحنين من رقة القلب، ورقة القلب من الرعاية، والرعاية من الرحمة، والرحمن من كرم الفطرة، وكرم الفطرة من طهارة الرشدة، وطهارة الرشدة من كرم المحتد. وأكدوا على العناية بأمن الأوطان، فقالوا: احفظ بلدا رشحك غذاؤه، وارع حمى أكنّك فناؤه. وكان يُقال: لولا حب الناس الأوطان، لخربت البلدان. ومن مزايا الوطن أنه مقر الاستقرار والأمان، فالغربة عنه وحشة واضطراب، وقد أدركت العرب ذلك، فقالت: حماك أحمى لك، وأهلك أحفى بك، وقِيل : الغربة كربة، والقلة ذلة، وقال الشاعر:
وقال آخر: لا تنهض عن وكرك، فتنغصك الغربة، وتضميك الوحدة، وقال ثالث: لا تجف أرضا بها قوابلك، ولا تشك بلدا فيه قبائلك. وشبهت الحكماء الغريب باليتيم اللطيم الذي ثكل أبويه، فلا أم ترأمه، ولا أب يحدب عليه. وقالت أعرابية: إذا كنت في غير أهلك، فلا تنس نصيبك من الذل. وقال الشاعر:
وقال الطائي:
وأنشد أبو عمرو البجلي:
وقيل: الغريب النائي عن بلده، المتنحي عن أهله كالثور النادّ عن وطنه الذي هو لكل رام قنيصة. وقيل: الغريب عن وطنه كالغرس الذي زايل أرضه، وفقد شربه، فهو ذاو لا يثمر، وذابل لا ينضر. وقيل: عسرك في دارك أعز لك من يسرك في غربتك، وأنشد الشاعر العربي:
ومن مزايا الوطن أن العيش فيه أمن وسعادة، والإخراج منه عديل القتل للأنفس، يوضح ذلك قول الله عز وجل حين ذكر الديار يخبر عن مواقعها من قلوب عباده: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} (66)سورة النساء {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} (246)سورة البقرة. أخي المواطن: هل في الدنيا وطن أكرم وأقدس وأرحب من المملكة العربية السعودية التي تضم قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وفيها شع نور الإسلام، ومنها انتشر في الآفاق... ؟؟ إن هذا البلد أولى بالحنين والاحترام من غيره، وأحفى بالرعاية والصيانة من سواه، وقادته أحرى بالتقدير والوفاء، لأنهم -بعون الله- جمعوا شمله، ووحدوا كلمة أهله، ووطدوا أمنه، وساعدوا على نشر الخيرات بين ربوع بلاده.. وهذا الوطن الكريم مع ذلك يمتاز بميزات كثيرة منها: -أنه بلد الحرمين، وموطن خاتم الأنبياء، وسيد المرسلين. -أنه الحصن الحصين بإذن الله للإسلام والمسلمين. -أنه منبع الخير والعطف والفضل على سائر فقراء المسلمين. -أنه بلد الحرية في إقامة شعائر الإسلام. -أنه البلد الذي تُطبق فيه شريعة السماء على عباد الله في أرضه. فلماذا يلاحظ على بعض المواطنين عقوقا، ومن بعض الشواذ هجوما وتفجيرا؟ أين الولاء والطاعة لولاة الأمر؟ أين الالتزام بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59)سورة النساء؟. فاللهم يا رب، يا حي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، زد المملكة العربية السعودية أمنا وإيمانا، وعزا وتمكينا، واجعل رزقها دوما يأتيها رغدا من كل مكان. اللهم احفظ قادتها، وشد أسرهم، وشتت شمل أعدائهم، واجعل تدبير الحاسدين الحاقدين تدميرا لهم، يا رب العالمين. رئيس قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي/جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |