Friday 11th February,200511824العددالجمعة 2 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

لغتنا الجميلة.. تراث وحضارة!!لغتنا الجميلة.. تراث وحضارة!!
ناهد بنت أنور التادفي

لقد حبانا الله سبحانه بلغة جميلة وسهلة النطق والفهم، وقادرة على التعبير والتمثيل، وكانت على مرّ العصور الحامل الأهم لثقافتنا، وقد كرمها الله جلَّّ وعلا وحفظها من كل سوء وتهمة وباطل بأن جعلها لغة القرآن الكريم، فقال في محكم آياته: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} (113)سورة طه، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2)سورة يوسف، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (3)سورة فصلت، {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (3)سورة الزخرف. صدق الله العظيم.
ومن بدائع حكمته سبحانه أن جعلها أيضاً لسان أهل الجنة.
وقد استطاعت لغتنا العربية أن تصمد وتتجذر وتتطور وتواكب كل جديد رغم الهجومات غير المسبوقة التي تعرضت لها عبر التاريخ من الغزاة الطامعين الحاقدين أعداء الله والإنسانية، الذين مرّوا على منطقتنا منذ صدر التاريخ وحتى الآن، وحاولوا بكل الطرق والوسائل تدمير حضارتنا وثقافتنا وتراثنا وتاريخنا، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، ولو تجولنا في أرجاء وطننا العربي الكبير لوجدنا آثار مَنْ مروا وكان همهم الأول أن يطمسوا لغتنا ووجودنا وتذويبنا بالتالي كأمة.
يقول الدكتور نضال الصالح - وهو باحث وناقد يعمل مدرساً للنقد الأدبي الحديث في كلية الآداب بجامعة حلب: (إن المخاطر التي تحدق باللغة العربية كثيرة إلى حدّ الفجيعة، ومرجعياتها أكثر إلى حد الخوف النافر على مستقبلها، ومن أهمّ تلك المرجعيات وسائل الاتصال المرئية التي تتسرطن في الواقع العربي ملوثة بالزيف، وملوثة للذائقة والجمال. تلك الوسائل التي تبرع في تهديد نقاء اللغة العربية وصفائها، التي تتقن تشويه كل شيء بما فيها اللغة ومن تلك المرجعيات أيضاً ضعف إمكانات المترجمين بلغتهم الأم، الذين لا يبذلون جهوداً لتحرير لغتهم من الخراب الذي يحدق بهذه اللغة نفسها في الواقع، ومنها أيضاً المجامع اللغوية التي تعيش في أبراج عاجية ولا يعنيها من اللغة سوى التنظير والتنظير وحده فحسب، إلى آخر تلك القائمة التي تكاد لا تنتهي مما يفت بجسد اللغة وروحها، التي تتطلّب إيماناً بأنّ اللغة هوية الأمّة وعلامتها على تجذِّر هذه الأخيرة في التاريخ).
وقد سعى بعض المستشرقين غير الشرفاء ولا الحياديين، من باب الجهل أو بقصد التشويه على إلصاق تهم باطلة على لغتنا ليس آخرها الادّعاء بأن لغتنا تحتوي على مفردات كثيرة لمسمى واحد لا قيمة لها ولا فائدة، وفي طريقه لبيان ذلك يذكر عدداً من الأمثلة فيقول بأن (للإبل) مثلاً في لغتنا أسماء كثيرة جداً، وغاب عن فهمه بأن الأسماء التي فهمها هي بيان دقيق لمسميات وصفات الإبل لما كان لها من أهمية قصوى في حياة سكان المنطقة اشتملت على أطوار حياتها وصفاتها وجنسها ومراحل عمرها وأنواع الأعمال المنوطة بها، فنقول الجمل والناقة والبعير والقاعود، ونقول الناقة السوداء الغورية أو الغرابية: وهي الناقة شديدة سواد الوبر. ونقول الملحاء: وهي أقل سواداً من الغورية، ونقول الصهباء: وهي التي يكون مع سواد لونها بعض الوبر الأصهب الذي يجعلها أفتح لوناً من الملحاء، والصفراء: تكون أفتح من الصهباء ويغلب عليها وبر أصفر اللون، والزرقاء: وهي ما اختلط وبرها الأسود بوبر أبيض خاصة في أذنيها ووجهها ويديها، والحمراء: تعرف بحمراء المجاهيم، وربما عُدّت من الحمر. وهكذا إلى آخره...
وكذلك تبعاً لمراحل أعمارها فيطلق على صغير الجمل الذي بلغ ستة أشهر ولا يزال يعتمد على أمه (حوار). ومتى بلغ السنة وبدأ يشرب الماء ويأكل بمفرده يسمى ال(مخلول). ومتى بلغ السنتين وأصبح يعتمد على نفسه كليا يسمى ال(مفرود). وهكذا عبر مراحل أعمارها، فطيم، حق، لقي، جذع، ثني، رباع، سديس، ثلب.. الخ.
وبذلك تكون اللغة بمفرداتها غنية جداً، ودقيقة الدلالة في إطلاق تسميات وصفات واضحة، وهذا يثبت بالحجة غنى اللغة وأصالتها وليس العكس.
ولو بحثنا في اللغات الأخرى لوجدناها تفتقر إلى مثل هذه المفردات الدالة، بل سنجد كلمة في بعض اللغات تطلق على أكثر من مسمى مما يسبب الإرباك بطبيعة الحال، وعلى هذا تكون اللغة العربية لغة جامعة واسعة غنية تستطيع بحروفها الـ(28) التعبير عن كل حركة في الحياة سواء كانت حسيّة أو روحية أو علمية أو غير ذلك من صنوف العلوم.
كما أن قواعد اللغة العربية هي قواعد ضابطة لإتقان اللفظ والكتابة الصحيحة، وتمتاز على كثير من اللغات بدلالاتها الدقيقة المحددة بما يختص بالضمائر، وأيضاً بالمضاف والمضاف إليه ونائب الفاعل والمبني للمجهول وغير ذلك من البيانات التي تساهم بشكل فريد في جعل اللغة العربية لغة حيّة وباقية رغم كل الظروف.
وقد أكد د. أحمد داوود كواحد من المتخصصين بعلوم اللغات وأصولها والألسنة بأن اللغة العربية هي أصل اللغات، وأنها أثرت وأغنت الكثير من لغات العالم بالمفردات والتسميات، وجاء مع آخرين من المهتمين بهذا الشأن بدلائل بيّنة على ذلك.
لقد استطاعت اللغة العربية أن تكون الحامل لثقافتنا عبر العصور، واستطاعت أن تؤرخ وأن تضيف إلى الإنسانية الكثير من العلوم التي ساهمت في مسيرة حضارة العالم، واستطاعت أن تكون الحامل لإبداعات المبدعين من كتاب وشعراء وباحثين ودارسين، واستطاعت أن تصمد في وجه كل الهجمات الحاقدة، وتتطور وتواكب الحداثة بالمعنى الكامل.
ولأنها اللغة الأم، ولأنها الدالة علينا كأمة لها أعمق الجذور في التاريخ، والحاملة لتعاليم ديننا والشريعة السماوية كانت دائماً مستهدفة.
ومن العجب العجاب أن يخرج علينا من ينادي بإلغاء اللغة العربية الفصحى، واتباع اللهجة العاميّة بحجة أن العاميّة أقرب لفهم الناس، وهذا لعمري عذر أقبح من ذنب إذ بدلاً من أن نرتقي بفهمنا للغتنا وعلومها ونعمل على تطويرها نلجأ إلى إلغائها كي نلغي بالتالي هويتنا.
يقول الدكتور نضال الصالح في مسألة اللهجات العامية:
(تلك إحدى جذور الخطر، فاللهجات العامية التي تتباين أحياناً تبايناً شاسعاً لا تكتفي بتثبيت حال التشرذم والتذرر التي يعانيها الوطن العربي، بل تتجاوز ذلك إلى ترسيخ القطرية التي تنهك جسد هذا الوطن).
ويقول عن ظاهرة حشر اللغات الأجنبية في وسائل الإعلام والإعلان:
(إن اللغات الأجنبية في الإعلام لا تسلب الأداء اللغوي تعبيره عن هوية، وذاكرة، وإنتماء فحسب، بل تسهم أيضاً في إشاعة الاستتباع غير المباشر للآخر غير العربي بإرادة من العربيّ نفسه، وكذا حال الإعلان والإشهار التي تتجاوز تشويه اللغة إلى نفيها، بل إلى إحلال لغة أخرى لا صلة لها باللغة الأم).
ومن الأعجب أن نسمع من ينادي ومن باب حرصه على تحديث اللغة العربية إلى إلغاء ألف المثنى ونون النسوة.. وهي دعوة حق (للتحديث) يراد بها باطل.. إذ كيف نجرؤ على إلغاء الهوية المثلى للغتنا؟ ولو ألغينا ألف المثنى ونون النسوة من القرآن الكيرم مثلاً كيف يمكن أن تستقيم المعاني بعدها؟ هي إذن نداءات حاقدة ومشبوهة ليس من وراءها غير مسعى الحاقدين وأعداء العرب والمسلمين إلى طمس هويتنا ووجودنا من خلال إهمال لغتنا والعبث في أصالتها.
وفي دراسة أعدها رئيس قسم اللغة العربية بآداب القاهرة الدكتور سيد البحراوي حذر من خطورة ظاهرة تشويه اللغة العربية باستخدام عبارات ومصطلحات من لغات أخرى في سياقها إلى محاولة فهم وتفسير هذه الظاهرة التي انتشرت في الخطاب العربي المعاصر وهي تتمثل في إدخال مفردات من لغات أخرى في الغالب إنجليزية أو فرنسية أو إيطالية أو ألمانية في الاستخدام اللغوي العربي بما يمثل تشويهاً واضحاً لتركيب تلك اللغة وتشويهاً واضحاً في أدائها لوظيفتها التواصلية إضافة إلى إهدار قيمتها الجمالية. ولفت الدكتور البحراوي إلى أن الاختلاط الحادث في اللغة ليس مجرد اختلاط لغوي وإنما هو اختلاط مصالح طبقية أو فئوية في داخل الطبقة الواحدة للمجتمعات العربية.
ألا يحق لنا بعد هذا كله أن نقول بأن الهجومات على لغتنا العربية هي شعبة من شعب الإرهاب الخطير؟.
بسم الله الرحمن الرحيم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (7) سورة الشورى صدق الله العظيم.
فاصلة


أنا البحر في أحشائه الدّر كامنٌ
هل سألوا الغواصَ عن صدفاتي

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved