* الجزيرة - خاص: كُثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تجديد الخطاب الديني، بما يلائم طبيعة العصر ومستجداته وتقنياته، ما بين مؤيد ومنحاز إلى ضرورة التجديد لإكساب الخطاب الدعوي الإسلامي القدرة على النفاذ والتأثير، ومعارض يرى بأن الخطاب الإسلامي في أصوله لا يحتاج إلى تجديد أو تطوير، وأن المشكلة الأساسية تكمن في عدم فهم كثير من الدعاة لآداب وعناصر ومقومات الخطاب الإسلامي الصحيح.. وما بين هذا المؤيد أو المعارض لدعاوى التجديد، يُثار التساؤل: ما هي عناصر الخطاب الإسلامي الذي نريد لتحقيق المعاصرة دون المساس بأصول وثوابت الشريعة، ودون استجابة للضغوط التي قد تمارس من قبل بعض أعداء الإسلام لتفريغ الخطاب الدعوي الإسلامي من محتواه أو الحيلولة دون وصوله وتأثيره داخل أو خارج المجتمعات الإسلامية؟ طرحنا هذا السؤال على عدد من الأكاديميين في الكليات والجامعات الإسلامية والدعاة، فكان هذا التحقيق: **** في البداية يؤكد الأستاذ الدكتور عبدالمجيد محمود الصلاحين، عميد كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، أن الخطاب الإسلامي الأصيل بمختلف أشكاله وصوره ينقل رسالة سامية، ويُحاكم الحياة العامة إلى نموذج إسلامي نقي وسامٍ مستمد من نصوص الكتاب والسنَّة وحياة سلف الأمة، ومقتبس من الصور الزاهية للنجاحات الإسلامية في كل زمان ومكان، وهذا الخطاب له دور جوهري وعظيم في بقاء الإسلام حياً في النفوس، وفي تنمية النزعة نحو السمو القيمي والأخلاقي لدى المسلمين في أصقاع الأرض كلّها، كما أنه يشكل أداة مهمة لتوحيد الثقافة عند حدودها الدنيا بين أفراد الأمة، كما أنه يعدُّ الوسيلة الأساسية لتذكير الناس بالمبادئ والأصول والأدبيات الإسلامية، ورقعة تداوله واسعة جداً، ومن هنا فإنه يكتسب صفة الشعبية والعموم، وشعبيته هذه تُملي على القائمين به أن يلتزموا بالخصائص والسمات التي تكفل نجاحه، وترتقي به إلى المستوى الذي يؤهله لأن يكون وسيلة ناجعة في حل أزمات الأمة العربية والإسلامية وعلاج مشكلاتها. ومن أهم هذه الخصائص التي تميز الخطاب الإسلامي الاعتدال والوسطية، والقدرة على التأثير والإقناع، والواقعية والوضوح في الاهتمام بقضايا الأمة، فالله - عزّ وجلّ - خلق الإنسان ذا فطرة سليمة متوازنة، والأفكار التي يتلقاها تُسهم في نضج هذه الفطرة، أو في انحرافها وتشوّهها، ومن مسؤوليات الخطاب الإسلامي المحافظة على الفطرة وإنضاجها، ولكن حينما يكون الخطاب نفسه مشوهاً قاصراً عن حقيقة الفطرة، فإن نتيجته سوف تكون تشويهاً للفطرة الطاهرة. ومما يؤكد هذا المعنى ويرسخه حديث الفطرة الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فإذا كان خطاب الأبوين وتنشئتهما المنحرفة تجعل من المولود شخصاً منحرفاً في دينه، فإن الخطاب العام قد يحرف الناشئ أيضاً عن الإسلام الصحيح. ويضيف د. الصلاحين: ويبدو واضحاً لكل من يمتلك رؤية موضوعية أن الخطاب الإسلامي اليوم نتيجة للظروف التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية أصبح بحاجة إلى موازنة دقيقة، وبعد عن التضخيم والمبالغة، ولزوم جادة الاعتدال والوسطية في إنتاج التصورات وطرحها على عامة الناس بمختلف فئاتهم ومستوياتهم الفكرية والثقافية. والمتأمل في واقع الخطاب الإسلامي اليوم يلحظ دون إجهاد فكر ونظر الهوة العظيمة بينه وبين الاعتدال والتوسط، حيث غدت كثير من الخطابات المطروحة على الساحة التربوية والتوجيهية منابع للتصورات والأطروحات المتطرفة، والتي لا تمثل في الحقيقة سوى وجهات نظر مشوّهة، لا يسندها الشرع ولا العقل على حد السواء. ونتيجة لسلوك هذا المنهج البعيد عن سواء السبيل، فإنه يمكننا وبكل سهولة أن نلحظ على أكثر القائمين بالخطابات الدينية أنهم ضيّقوا مساحة المباح في حديثهم، ووسعوا من دائرة المحظور، فصار لا فعل يُباح عندهم إلا بدليل، كما أنهم بالغوا في التحذير من المعاصي والمنهيات، حتى أنساهم ذلك سعة رحمة الله - عزّ وجلّ - وعظيم عفوه، ورحمته بعباده، ومن مبالغة بعضهم أن رتب على صغائر الذنوب فظائع العقوبات ردعاً للعامة، وذلك إن كان مجدياً مع البعض، فإنه غير مجدٍ مع الأكثرية الغالبة من عموم الناس، وأهم من ذلك أنه مخالف لسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يضع الخطأ في حجمه الطبيعي. الخطاب غير المعتدل ويستطرد عميد كلية الشريعة بالجامعة الأردنية فيقول: وهذا الأسلوب الدائر بين الحظر والتخويف نتجت عنه أمور خطيرة على سلوكيات الأفراد والمجتمعات، منها: أنه أعاد صياغة بعض أذهان الشباب بما لا يتفق مع سماحة الإسلام وعفويته، فصار همّ أحدهم التنقيب عمّا يظنه من المحظورات، واستصدار فتاوى المفتين فيها منعاً وتحريماً، وربما كان ما منعه يقع في دائرة المباح، ولا شك أن ذلك من الإفراط الذي ذمّه الله وذمّه رسوله صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا الخلل في الحقيقة والواقع لا يقتصر على صاحبه، بل يتعداه إلى غيره في صورة فعل اجتماعي ينافي الصواب، وفي صورة صراعٍ جماعي حول المباح والممنوع، وفي صورة خلل علمي ومعرفي يختزل الخلاف الفقهي، ويلغي المعتبر منه، ويسيء الظن بمن أخذ به، لأنه لم يتفق مع الرأي الذي تقرر لديه واقتنع به، وتأثيرات هذا الخطاب غير المعتدل أنه ربما نتج عنه سوء ظن البعض بدين الله - عزّ وجلّ - ، حيث يرى أن الشريعة الطاهرة المبرأة من كل نقص عاجزة عن مواكبة مستجدات الحياة، وعن تقديم حلول عملية لما يعانيه الناس في حياتهم. ويضاف لذلك أن بعض الشباب لما ضيقت عليه سبل المباح وألجم بالخوف نفر من دين الله سبحانه، متذرعاً بالشك، أو متلبساً بالتمرد، وآل ذلك إلى النفور من كل ذي دين، وما أودى بهؤلاء إلى هذا الوادي السحيق إلا الإفراط في الخطاب الذي تعوّدوا على سماعه، وفي كل هذا نصبح بحاجة أكيدة إلى أن نعيد صياغة خطابنا بما يتفق مع فطرة الإسلام، فلا ينبغي بحال أن يكون خطابنا للناس سبباً في إيقاعهم في الضيق والحرج، وتنفيرهم عن المنهج الإسلامي القويم، أدواتنا في تلك الصياغة.. الإقناع والتأثير، واللذان يشكلان مقصداً رئيساً للخطاب الإسلامي، وربما كان طابع التأثير ألصق به، حيث إن غالب الخطابات لا تشتمل على معلومات جديدة، ولا تكشف عن خبايا وقضايا مجهولة، وإنما تذكر بالأصول والحدود والآداب، وتستنهض الهمم للزوم الجادة والأخذ بالتي هي أقوم، وتحذر الناس من عواقب المعاصي والشرور، وهذا كلّه يجعل الخطيب محتاجاً إلى أن يمتلك قدراً غير قليل من الحماسة والعاطفة الجياشة لمقولاته، لأنه من غير ذلك لا يستطيع التأثير في عواطف السامعين. وذلك لا شك يملي على الخطباء والوعاظ أن يدخلوا في موازنة دقيقة بين البقاء أوفياء للحقائق التي يُبشرون بها والأدلة والبراهين التي يستندون إليها، وبين كسب القلوب التي يحاولون التأثير فيها، فإنهم يجدون أنفسهم في حالة من التردّد بين الحقيقة والعاطفة، والتاريخ يشهد والواقع ينطق بأن الذين أخفقوا ويخفقون في إقامة هذه الموازنة أكثر بكثير من الذين نجحوا فيها، مع الأخذ في الحسبان أن تنمية الخطاب الإسلامي اليوم وتنقيته من الشوائب تعد مسؤولية عامة لكل أهل الفهم والغيرة، وبداية الطريق لرفع سويته وجعله ألصق بالحق وأقوم بالقسط تتمثل في أن نرسخ في أذهاننا وعقولنا جميعاً أننا قادرون على توليد حاسة جديدة نتلمس من خلالها أشكال الزيف وضروب الزيغ. البعد عن المثالية ويؤكد د. الصلاحين على أهمية أن يتسم الخطاب الإسلامي بالواقعية والبعد عن المثالية، مشيراً إلى أن الخطاب الإسلامي في زماننا هذا مصاب في غالبه بالنزوع إلى مثالية مفرطة في قراءة النموذج الإسلامي الذي يمكن لمعظم الناس أن يكيفوا حياتهم معه، كما أنه مصاب بالمثالية الزائدة في قراءة الواقع التاريخي، حيث يتم أخذ الناس بالعزيمة، كما يتم تصوير حياة السلف بناءً على تتبع سير رجال محدودين لا يشكلون أكثر من 1% من مجموع الأمة. وبناءً على الإفراط في هذا أو ذاك، فإن لدى كثير من حملة هذا الخطاب شعوراً بالمرارة الشديدة من انحراف مسلمي عصرنا وتنكبهم عن جادة الاستقامة، مما جعل ذلك الخطاب يتشح بوشاح من اليأس والإحباط، وينعكس باستمرار في صور صارخة من التفريع واللوم والعتاب. وهذا مع مخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على التبشير والبعد عن التنفير، فإنه يزرع في نفوس الناس نوعاً من احتقار الذات، وضرباً من الضيق من سماع القائمين على أمور الوعظ والإرشاد. فبين تعريف المسلمين بواقعهم وبين تنفيرهم وتيئيسهم هامش ضيق يجب إدراكه بعناية، وأن التشجيع واللغة اللطيفة والقول اللين الشيء الوحيد الكفيل باستخراج أنبل ما في نفوس الناس من معاني الاستجابة والاندفاع للعمل الصالح، وسيظل دائماً وأبداً بث روح الأمل والاستبشار بالتقدم والازدهار أقرب إلى روح الشريعة الغراء، وأعون للناس على النهوض. ومثل هذا الخطاب المتوازن هو الذي ينشئ النفوس المتوازنة، ومهمته الحقيقية تتمثل في أن يقيم حبل وصل مع من نفروا، وألا يدخل اليأس في قلوب من قصروا، بل يحتوي الجميع، ويشعرهم برحمة الله - عزّ وجلّ-، مستمراً في خطابهم مبلغاً إياهم دين الله الحنيف، كما لا بد أن يتصف الخطاب الذي نريده بالوضوح والظهور، حيث إن تدني المستوى المعرفي لأولئك الذين قد يتلقونه يوجد في أذهانهم الكثير من الالتباس والخلط في التفسير والفهم، ومن هنا فإنه من المفيد أن يحرص المخاطب على التأكد من فهم الناس لما يقوله، على الوجه الذي يقصد إليه ويريده. ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن وحدة الخطاب الإسلامي اليوم أصبحت ضرورة لا بد من السعي لتحقيقها على جميع المستويات، فإن نجاح رسالته وتحقيق غايته رهن بهذه الوحدة، والتي تعد العامل الوحيد المؤدي للشعور المشترك بالمسؤولية بين أفراد الأمة، والمزيد من عطائهم، وتفعيل طاقاتهم والاستفادة من مقدراتهم الدفينة، وبنائهم بنية اجتماعية متماسكة، ومتآلفة حول خيار ثقافي شامل مؤسس على الحرية والاحترام المتبادل بين جميع فئات الأمة. والمتأمل في واقع الخطاب الإسلامي اليوم يهوله التباين ويدهشه التضارب الواقع بين القائمين به في مختلف بقاع الأمة العربية والإسلامية، وذلك - ولا شك - ناتج عن تباين المنطلقات التي ينطلقون منها. الخطاب وحالة الجمود! من جانبه يرى د. عبدالحي الفرماوي أستاذ التفسير وعلوم القرآن ووكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أنه من المعلوم أن الخطاب هو وسيلة من وسائل نقل الأفكار، وتوصيل المعلومات، والخطاب الديني واحد من ألوان هذه الخطابات، وقد استعمله الرسل - عليهم الصلاة والسلام - في تبليغ دعوة الله - تعالى - إلى أقوامهم، كما استعملوه - كذلك - في إقناع الناس بهذه الدعوة، مستغلين - في ذلك - كل المتاح لهم، للنجاح في رسالتهم والأسلوب المناسب لعصر كل منهم. وقد راعى كل نبي من الرسل الكرام في خطابه الدعوي ثقافة قومه، والأسلوب المناسب معهم ولعصرهم، ليصل عن طريقه لتحقيق غرضه في إقناعهم بدعوته، كما يعبر عن ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}. لكن مما يؤسف له أن الخطاب الديني في عصرنا هذا، قد أصيب بحالة من الجمود، بل النكوص، جعلته في معظم الأحيان غير قادر على النهوض بمسؤولياته، والتطلعات المنوطة به في التعليم والتثقيف الديني، والتغيير المنشود إلى الأفضل، في النفوس والمجتمعات، عن طريق التوجيه والإرشاد المناسب لهذا العصر الذي تعيشه، بما يصح أن يصير معه هذا الخطاب مكملاً لحركة النهوض في المجتمع وخططه في بناء نفسه، ورفعة قدره في دنيا الناس، خاصة بعد أن يسرت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مهمة الداعية في الوصول بخطابه الدعوي إلى قطاعات عريضة من الناس، مهما تعددت ثقافاتهم، أو اختلفت لغاتهم، أو تنوعت جنسياتهم. يضاف إلى ذلك أن الدعاة أنفسهم بسبب من مناهج تكوينهم، ووضعية وظيفتهم، واشغالهم بأمور معايشهم - إلا قلة منهم - لا إلمام لديهم بقضايا أمتهم، فضلاً عن قضايا العالم، كما أنه لا علم لهم بلغات الآخرين وثقافاتهم، وفهم مواقفهم من الإسلام، وكيف يفكرون ومعرفة أسلوب حياتهم الاقتصادي والاجتماعي والحضاري، ولهذا لا خلاف في أن الحاجة ماسة والضرورة شديدة إلى تجديد الخطاب الدعوي، بما يناسب العصر وينمي الآمال المرجوة من تحقيق قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، إنقاذاً للبشرية من الضياع ووصولاً بها إلى تحقيق الغاية منها في عبادة ربها، والخلاص من كل ألوان العبودية لغير الله تعالى، والتجديد المطلوب هدفه هو توفير ما تحتاجه الدعوة من خطاب يواكب اختلاف العصور، ويحتوي اختلاف البيئات، ويستوعب اختلاف القضايا، ويناسب اختلاف المخاطبين، ويستعمل الوسائل المناسبة لهم، وبدون هذه الأمور يبقى الخطاب الدعوي بعيداً عن النجاح في تحقيق المنشود منه، وظلت الدعوة بمنأى عن قضايا الناس واهتماماتهم، وإنقاذهم من همومهم وأحوالهم، ولكن ينبغي الحذر الشديد، والبعد الأكيد، في عملية التجديد هذه، من المساس بثوابت الدعوة وأصولها نهائياً، حيث لا علاقة له بذلك إطلاقاً. إنما التجديد يكون في استنباط أحكام جديدة لقضايا حادثة، عن طريق مؤسسات علمية لها وزنها ومكانتها في هذا المجال، كما يكون هذا التجديد في استخدام الوسائل الحديثة التي تساعد على سرعة نقل الأفكار، وحسن عرضها، وسهولة الإقناع بها، والوصول عن طريقها إلى المدعوين في أماكنهم وبالأسلوب والآلية التي يفهمون بها، أو يستريحون لتلقي المعلومات عن طريقها. الأصالة والمعاصرة ويضيف د. الفرماوي أن الخطاب الديني الإسلامي بحاجة شديدة أكثر من ذي قبل إلى مقومات لا بد منها، حتى يتبلور ويؤدي مهامه في الكون والحياة، ومن هذه المقومات الجميع بين الأصالة والمعاصرة بلا انقطاع عن اللحظة الآنية، والواقع المعيشي، الذي تقاعسنا عنه، كنّا في وادٍ، والعالم في حولنا في وادٍ آخر!! وإضافة إلى الخطاب ومقوماته لا بد من أن يشمل التجديد المطلوب الدعاة أنفسهم، وهو ما ركز عليه السلف عندما أكدوا على حقيقة مهمة، مفادها معرفة الفقيه والداعية للواقع الذي يعيشه حتى تكون فتواه صالحة للواقع، وخاضعة للتطبيق، وإلا كانت ضرباً من الخيال والمثالية غير الواقعية!! علاوة على توافر عنصر العلم في الخطاب الديني بمفهومه العام، فلا يكفي أن يكون الداعية ملماً بقواعد الشعر حتى تنجح مهمته، ولكن لا بد من الدراسة بعلوم العصر التطبيقية والإنسانية بجانب علوم الدين، لذلك كان علماؤنا في الماضي يجمعون بين أكثر من علم، فكانوا موسوعيين في العلم، ومن هؤلاء ابن سينا، وابن تيمية، والفارابي، والرازي وغيرهم، وهو ما يجب تحقيقه الآن بين شباب الدعاة ولا سيما في الدول الغربية. ولذلك يجب على المؤسسات الدينية الرسمية في بلادنا الإسلامية والعربية أن تهتم بإعداد الداعية العصري وفق الأساليب الحديثة والمبادئ المعاصرة، وتحت إشراف نخبة من العلماء الثقات الذين يستطيعون أن يقودوا شباب الدعاة إلى طريق الأمان لنشر الإسلام في ربوع الأرض دون التأثر في الحملات العدائية التي تطالب بتغيير مناهجنا بدعوى تجديد الخطاب، فهذا ليس تجديداً للخطاب، وإنما هو تبديد وتهديد للخطاب الدعوي وللجهود المبذولة فيه، بل الحق يقال: هو لعبة في أيدي أعدائنا، يحركوننا من خلالها، للقضاء على كل مقوماتنا وحضارتنا وعقيدتنا. المنهج الرباني أما الدكتور توفيق بن عبد العزيز السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية فيقول: إننا مطالبون اليوم بتجديد الخطاب الديني والعودة لما كان عليه سلف هذه الأمة، لأن الخطاب الديني مع الأسف اختطف في العقود المتأخرة واستبدل بخطاب مسخ بعيد كل البعد عن روح الدين وجوهره، فنحن بحاجة إلى خطاب ديني قائم على الكتاب والسنّة، خطاب مبني على المنهج الرباني الذي سار عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وهو خطاب إنساني يهدف إلى الحوار والتفاهم والتعايش والتعاون مع جميع الأطراف في المجتمع المحلي والإقليمي والدولي من أجل إشاعة قيم العدل والسلم والخير، وهو خطاب صادر عن مرجعية إسلامية معبر عن الهوية الثقافية والحضارية للأمة الإسلامية منطلق من القاعدة الربانية: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وإن استقراء التاريخ المعاصر وواقع المسلمين يؤكد أن هناك خللاً ما في الخطاب، ويتضح ذلك من تتابع النكسات والكبوات لهذه الأمة وتخبطها في تلمس طريق النهوض والارتقاء والتجديد الخطابي، وتقويم المنحرف وتخليصه من أسر مختطفيه، وهذا يؤكد علينا إعادة النظر في الآليات والوسائل، بل وفي منهجية الخطاب ويكون ذلك وفقاً لما يأتي: 1- نفي الحزبية والايديولوجيا عن هذا الخطاب 2- تخليصه من الانفعال والعاطفة وتوجيهه لمخاطبة العقل والواقع وليس ملامسة المشاعر وإلهابها. 3- قيامه على التعددية التي هي من سنن الله في الكون ونبذ الاقصائية والتشنج. 4- جعله ذا ملامح موصوفة ومحددة وليس عاماً، وأن يكون عملياً وليس نظرياً. 5- النأي به عن الصنمية والتمحور حول الأشخاص. 6- ألا يكون قائماً على توجهات شخصية أو خلفية ثقافية ضيقة تلوى من أجلها أعناق النصوص. 7- أن يكون قائماً على الصدق والشفافية مع الذات ومع الآخر على حد سواء. 8- أن يكون خطاباً قادراً على تشكيل التاريخ وليس الاتكاء عليه.
|