Wednesday 2nd February,200511815العددالاربعاء 23 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الثقافية"

وقفة مع كتاب (الشعر والشعراء) طبعة 2000وقفة مع كتاب (الشعر والشعراء) طبعة 2000
عبدالحكيم خيران - جدة

دأب المؤلفون في شتى الحقول المعرفية على تصدير مؤلفاتهم بمقدمة يتوخون من خلالها استعراض العلل التي حدت بهم إلى تسطير ما دبّجه يراعهم، أو تحديد المنهجية التي سلكوها في التأليف، وبكلمة واحدة فإن تلكم المقدمة تتوخى تبيان الغاية مما سوف ينثرونه بين يدي القارئ من مادة وما من جدال في أن هذا الأمر يكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى القارئ بمفهومه الموسع، أي القارئ العادي والمتخصص الدارس والناقد. ولعل الكلام نفسه ينسحب على المحقق وهو ما سنتناوله في هذه السطور مع محقق (أو بالأحرى محققي) كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة الدينوري، الصادر عن دار الكتب العلمية ببيروت، في طبعته الأولى في العام 2000م والذي عمل على تحقيقه وضبط مادته كل من الدكتور مفيد قميحة، والأستاذ محمد أمين الضنّاوي والكتاب كما هو معلوم يعد من أمهات الكتب، وأحد المراجع التي لا غنى عنها للباحث في الشعر العربي.
وقد ورد في المقدمة التي حررها الأستاذ الضنّاوي أنه عمل في تحقيقه على تصويب ما شاب أوزان الأبيات الواردة في متن الكتاب من خلل غير أن المتصفح للكتاب يهاله حقاً أمر الخلل والزلل الجلل الذي ورد في هذا الجانب، إلى حد أننا عددنا ما ينيف عن ثمانين مرة زلت فيها قدم المحقق فيما يتعلق بالأوزان لوحدها، ليقفز في الذهن سؤال عريض: هل كان الأستاذان قد أعدا من الزاد ما يكفي لركوب هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، على حين يبدو عدم إلمامهما بعلم العروض بيّنا؟ إذ أية أعذار يمكن أن نلتمسها لهما في السقطة الكبرى التي سقطاها، والمزلق الخطر الذي زلاّ إلى مطبه؟
وسوف نورد فيما يلي أمثلة لذلك، تراكمت كالجبل على امتداد الصفحات، مع التنويه إلى أننا لن نخوض في شأن التفعيلات والزحافات والعلل التي داخلت الأبيات التي جانب فيها المحققون الصواب إذ لو جئنا على ذلك لامتد بنا الحيز على نحو أكبر مما نبغي في هذه السطور..
1 - في الصفحة 40 ورد البيت:
أكلتُ شبابي فأفنيته
وأفنيت بعد شهور شهورا
وهو من بحر المتقارب، وما أبعده عن الوافر!
وبودّنا إبداء ملاحظة بسيطة عن هذا المثال، مفادها أن المحقق اعتبر البيت من بحر الوافر من خلال الوقوف - فيما نظن - على التفعيلة الأولى (مفاعلتن) في بداية البيت، بينما هي: فعولُ (المطوية من خلال حذف خامسها الساكن) تتلوها فعو -وهي بداية التفعيلة الثانية. ومرد هذه الزلة في تقديرنا إلى ثقة من المحقق زائدة عن اللزوم لا تليق بعالم، ناجمة عن استخفاف بعلم العروض، أو إلى جهل بين بهذا العلم على أننا قد نستبين شيئاً من ذلك في ما سنأتي على ذكره من أمثلة.
2 - في الصفحة 47:


كأن المدام وصوت الغمام
وريح الخزامى ونشر القطُرْ

هو من بحر المتقارب، ومن عجب أن ينسبه المحقق إلى الرمل الذي تبتدئ تفعيلته السليمة (فاعلاتن) بسبب خفيف، وقد يلحقها الخبن لتصير فعلاتن، ومن ثم فهي لا تبتدئ البتة بوتد مجموع!
3 - في الصفحة 54:


نعب الغراب وليته لم ينعب
بالبين من سلمى وأم الحوّث

البيت من بحر الكامل، وهو بعيد عن الطويل الذي لا يبتدئ البتة بثلاثة متحركات.
4 - في الصفحة 99:


فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى
وجدِّك لم أحفل متى قام رامس

من الطويل وليس الكامل، وإن عجبنا لا ينقضي من كون المحقق قد أشار إلى ان صاحب البيت قد أخذ بيت طرفة المشهور:


ولولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى
وجدِّك لم أحفل متى قام عوّدي

والذي أشار بشأنه إلى أنه من الطويل، فكيف للبيت الجديد ان يكون من بحر مغاير، على حين أن الكلمة التي تم تغييرها مؤلفة شأنها شأن الكلمة الأصلية من سبب خفيف + وتد مجموع؟؟
5 - في الصفحة 186:


لكل جديد لذة غير أنني
رأيت جديد الموت غير لذيذ

من الطويل لا من الرجز.. وواضح جليّ أن ليس بينهما تداخل يمكن أن ينجم عنه الغلط من جانب محقق (ولئن قيل إن الناقد أديب وزيادة، فإن المحقق ينبغي، بالمثل، أن يكون ضليعاً في الميدان الذي يحقق فيه، بشكل أكبر من المؤلف الذي يحقق له!)
6 - في الصفحة 240:


إن كنت عاذلتي فسيري
نحو العراق ولا تحوري

من مجزوء الكامل، وفيه ترفيل (أي زيادة سبب خفيف في آخر التفعيلة الثانية لتصبح متفاعلن: متفاعلاتن)، وليس من المتقارب. والعجيب الغريب حقاً في أمر المحقق أنه قد أشار في الهامش إلى أن هذا البيت هو مطلع راتبة المنخل اليشكري الشهيرة بيتها الطريف:


وأحبّها وتحبّني
ويحبّ ناقتها بعيري

مشيراً كذلك - في المتن-، وهو على صواب، إلى أنها من مجزوء الكامل. فكيف يا ترى يكون المطلع من بحر غير البحر الذي نسجت عليه القصيدة؟! فهذا الأمر لم يُعرف في ديوان العرب - على حد علمنا.
7 - في الصفحة 326:


إذا ونتْ ذات أذيال تذيع به
قالت لأخرى كغيري أغضبت دوري

واضح أن البيت من البسيط وليس الوافر. والواقع أنا لا نملك إلا شديد الاستغراب أمام صنيع المحقق، ذلك بأنه يقول إنه أضاف (فاء) في بداية البيت بغية ضبط وزنه الذي يقول إنه الوافر ومعلوم ان الوافر لا يبتدئ بثلاثة متحركات، بل بمتحركين فحسب (مفاعلتن) فمن أين له الضبط يا ترى؟؟
8 - في الصفحة 404:


أزهيرُ هل عن شيبة من معدل
أم لا سبيل إلى الشباب الأول

ووردت بعده ثلاثة أبيات منسوجة على منواله مع تغيير بعض الكلمات وهي كلها من الكامل، وليست كلها من الهزج وطبيعي أن تزل قدم المحقق في الأبيات كلها ان زلت في الأول منها ما دام سيقيس عليه.
9 - في الصفحة 494:


وجوه لو أن المعتفين اعتشوا بها
صدعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي

البيت من الطويل لا من الرجز، وينبغي الإشارة إلى أن همزة (أن) تصبح همزة وصل لكي يستقيم الوزن.
وهي من الضرائر الشعرية التي كثيراً ما التحد إليها الشعراء، ونقدم مثالاً واحداً للشاعرة عاتكة الخزرجي:


تمنيت لو أنني وإياك نلتقي
لو أن المنى مقضية فتكون

حيث همزة (أن) في العجز همزة وصل، بينما في الصدر همزة قطع، وذلك حسب مقتضيات الوزن.
وعلاوة على ما يحبل به الكتاب من غياب ضبط الأوزان - على عكس الغاية التي رامها المحقق، وكبا دون بلوغها، ومن ثم خاب رجاؤه الذي اختتم به مقدمته! - فإن ثمة كماً هائلاً من الأبيات غير الصحيحة على هذا المستوى أو ذاك. وسوف اقتصر على بعض الأمثلة على سبيل الاستئناس..
- في الصفحة 46:


لما رأت أن الشريعة همها
وأن البياض من فرائصها يدمي

كان المحقق على حق وهو ينسب البيت إلى بحر الطويل. وقد طرأ على تفعيلتها الأولى زحاف الخرم، وهو إسقاط أول الوتد المجموع في صدر الشطر الأول من البيت، لتصير (فعولن) (عولن) وتنقل إلى (فعْلن) وتسمى في هذه الحالة (ثلماً)، ومثالها قول المتنبي:


لا يحزن الله الأمير فإنني
لآخذ من حالاته بنصيب

وهي من الصنف النادر للزحافات على أن المفارقة العجيبة تمثلت في كون المحقق ذكر في الصفحة 309 بشأن مثال مشابه أنه أضاف واواً بغية إثبات الوزن في مثل هذي الحالات، وقد فاته أن ذلك تكرر مراراً قبل هذا المثال وبعده (في الصفحات 91، 178، 260، 265، 273، 291، 347، 387، 398، 407، 417، 442، 454).
- في الصفحة 156 البيت الشهير:


أكلُّ شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائل

وصواب الصدر:
ألا كل شيء...
وبذلك لا يكسر الوزن.
- في الصفحة 242:


رأيتك لما نلت مالاً وعضّنا
زمان نرى في حدّ أنيابه شغْبا
تجنّى علينا إنك مذنب
فأمسكْ ولا تجعل غناك لنا ذنبا

فصدر البيت الثاني غير مضبوط، ويستقيم لو قلنا مثلاً:
.. إنك اليوم مذنب
وأحياناً تورد أبيات لا تنتمي إلى القصيدة كما في هذين المثالين:
- في الصفحة 424:


ورثنا أبانا حمرة اللون عامراً
لمالك أو لنصر أو لسيّار

صحيح أن العجُز من البسيط، كما أن البيتين المواليين من البحر نفسه، بيد أن الشطر الأول هو من الطويل، وبالتالي فهو ليس من القصيدة، وعجيب حقاً أن يغفل المحقق عن أمر كهذا تكرر غير مرة.
- في الصفحة 502:


كأنها حين تمشي في وصائفها
يكثر أسقامي وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا
كان عدوي بين أضلاعي

وفق البيت الثاني فالبحر هو السريع، والمحقق مصيب في ذلك، على أن الشطر الأول من البيت الأول هو من البسيط، وبالتالي فهو ليس من القصيدة.
وإلى جانب كل هذه المطبات وسواها، وجدنا أن التدوير كان أحد المزالق التي زلت فيها قدم المحقق. وما كان أمر التدوير ليسترعي الانتباه لولا وقوفنا على محاولة المحقق الاعتناء به، غير أن رميته مع الأسف لم تصب هدفها في أكثر من موضع ونود أن نمثل لذلك بنموذجين لا غير:
- في الصفحة 171:


من يرى العير لابن أروى ع
لى ظهر المروّى حداتهنّ عجال

والصواب أن يكون تدوير البيت كما يلي:
من يرى العير لابن أروى على ظهـ
ر المروّى حداتهنّ عجال
- في الصفحة 403:


يمرّ كجندلة المنجنيق يرم
ى بها السُّر يوم القتال

والصواب أن يكون تدوير البيت كما يلي:
يمرّ كجندلة المنجني
ق يرمى بها السُّر يوم القتال
ولا يسع المرء إلا أن يتساءل كيف يمكن لتفعيلة ما أن تبتدئ بساكن؟!
ولعل من مواضع العجب في الكتاب عدم اشتماله على فهرس للمحتويات، وهو مقوّم نعتده ركناً أساسياً في أي كتاب فكلنا يعلم أن الفهرس هو أول ما يسترعي الانتباه ويحدو القارئ إلى تصفح أي مؤلف، بل يمكن أن نذهب إلى حد الزعم أن الفهرس ربما يكون هو العامل المحدد لإثارة الاهتمام بالكتاب من عدمه. على أننا واجدون في مختتم الكتاب فهرساً ألفبائياً بأسماء الشعراء، وهو أمر محمود للغاية، باعتبار أنه يتيح للمطالع يسر العثور على اسم شاعر ما، بيد أنه لا يسوغ إلغاء فهرس المحتويات، إذ أنّى لمتصفح الكتاب أن يهتدي إلى وجود أبواب مهمة فيه، ويتعلق الأمر ب أقسام الشعر - عيوب الشعر - أوائل الشعراء، الواردة في بداية الكتاب (إلى حدود الصفحة 40)؟؟ وكان من باب أولى أن يشار إليها في الفهرس المذكور بشكل ما على الأقل.
أما التصحيف فحدث عنه ولا حرج إما على مستوى الأبيات أو المتن أو الهوامش، على نحو شائن للغاية.
لقد غدا هذا الأمر مألوفاً حتى بات وصمة عار على جبين المطبعات في عصرنا الراهن، ولكنا لا نلتمس لها أياً من الأعذار على الإطلاق. فمن المفروض أن تضطلع لجنة متخصصة بالتصحيح والتصويب والمراجعة الدقيقة الشاملة، قبل نشر أي مؤلف وإخراجه في حلّته النهائية بشكل لائق يحترم القارئ ولا يشكل له مصدر إزعاج..
صفوة القول إن الكتاب مدار اهتمامنا في حاجة شديدة إلى التنقيح والمراجعة الدقيقين على شتى المستويات التي تطرقنا إلى نماذج منها في وقفات عجلى في هذه السطور، ولم نتتبع جميع العثرات التي وسمت الكتاب، فحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق. ولو كان من شأننا أن نتتبع كل المطبات التي احتشدت في الكتاب، لاستحالت هذه الفقرات إلى صفحات ممتدة، آملين بصدق أن تجد دعوتنا الآذان المصغية، لا سيما أن الكتاب كان وسيظل كما أومأنا سلفاً واحداً من أمهات الكتب ذات النفع الكبير في دراسة ديوان العرب، وأخيراً، وليس آخراً، لا نلفي أبلغ من قول الشاعر، وقد رصدنا بعضاً من الشوائب الكبرى في الكتاب:


يا باري القوس برياً لست تحسنه
لا تظلم القوس أعط القوس باريها

ذلك بأن خوض هذا اليمّ اللجّيّ ليس بالأمر الأمَم البتة، ومن نافلة القول إنه ينبغي ألا يخوضه إلا من آنس في نفسه كامل المقدرة على استكناه أعماقه وصدقاته.
هامش:
استعملنا صيغة المفرد في الحديث عن المحقق، والحديث بالطبع يساق إلى المحققينِ كليهما في جميع المواضع التي تطرقنا إليها..

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved