الحج فريضة العمر، وهو الركن الخامس من الأركان التي بني عليها الإسلام وقد فرضه الله تعالى على من استطاع إليه سبيلاً لحكم بالغة وأسرار سامية منها: * انه استجابة لنداء أبينا إبراهيم عليه السلام الذي أمر به الله تعالى بقوله:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. * فيه يشاهد المسلم الأماكن المقدسة، ويطوف بالبيت العتيق أول بيت وضع للناس، وأنه لمشهد رائع هناك على عرفات يؤكد للعالمين: (أن لا إله إلا الله محمد رسول الله) جمعت العالمين من كل فج عميق على اختلاف ألسنتهم وألوانهم ليقفوا جميعاً في صعيد واحد متجهين إلى رب واحد هاتفين بلسان واحد (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) وفي حرارة هذا النداء المدوي تذوب الفوارق وتتجانس القبائل وتتألف الشعوب، وتمتزج الألوان لتصير لونا واحداً) ويلتفت العالم للصيحة الرشيدة تهزه من جديد فيزداد إحساسه بقوتنا وتتفتح أبواب السماء بماء منهمر يغسل الأدران ويمحو الذنوب. واعتقد أيها المسلم أن الله تعالى غفر لك ذنبك بوقوفك في عرفة فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أعظم الناس ذنباً من وقف بعرفة وظن أن الله لم يغفر ذنبه). * الحج موسم رباني في حياة المسلمين فيه تكفير لذنوبهم ومحو لآثامهم ومضاعفة لثواب أعمالهم فهو كما قال صلى الله عليه وسلم (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). * والحج مظهر للإخاء والمساواة الحقة بين جميع المسلمين الغني منهم والفقير والصغير فيهم والكبير، فلا يتطاول أحد على أحد ولا يعلو إنسان على إنسان، ولعل لباس الإحرام الذي يرمز إلى المساواة التامة بين جميع المسلمين يذكر الحاج بأول عهده بالآخرة، فهو لا يخرج من دنياه ألا بكفنه الذي يشابه لباس الإحرام. * الحج مؤتمر دولي وعصبة أمم إسلامية، فيه تجتمع الألوف المؤلفة من مختلف الأقطار الإسلامية، فيه يتعارفون ويتراحمون ويتعاونون على علاج مشكلاتهم وفض منازعاتهم وتوحيد كلمتهم ووقوفهم صفاً واحداً أمام عدوهم، وبذلك تبدو الجماعة الإسلامية في مظهر من التآزر ووحدة العقيدة. وأخيراً (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).. ومن مظاهر البر لين الكلام.. وترك الخصام والعفو عن زلات الآخرين ومحبة الناس أجمعين. في الحج إذن أسرار وحكم لو أدركها المسلمون واستفادوا منها لأتت ثمارها، فجمعت المسلمين في أقطار الأرضين على البر والتقوى وخير الدنيا والآخرة.
علي سعد حمد القحطاني |