Monday 31th January,200511813العددالأثنين 21 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

وقفات مع كلمة خادم الحرمين وولي عهده لضيوف الرحمنوقفات مع كلمة خادم الحرمين وولي عهده لضيوف الرحمن
علي بن فهد أبابطين /عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية ببريدة

لقد وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد- حفظهما الله- كلمة إلى حجاج بيت الله الحرام بمناسبة موسم حج هذا العام، وقد أثلجت هذه الكلمة العظمية صدور المسلمين في شتى بقاع الأرض، فهي بحقّ كلمة عظيمة في مناسبة عظيمة، يجدر بكل مسلم الإشادة والافتخار بها، ولعلي استأذن أخي القارئ الكريم في أن أقف مع هذه الكلمة بعض الوقفات لإبراز شيء من معالمها العظيمة وأهدافها ومراميها السامية.
الوقفة الأولى: اعتزاز الدولة وافتخارخا بالمكانة العالية التي شرفها الله بها، فهي مهبط الوحي ومنبع الرسالة وقبلة المسلمين ومحط أنظارهم ومهوى أفئدتهم، واستشعارهم قيمة هذا التشريف والتكريم، فقامت برعاية الحرمين الشريفين حقّ الرعاية، وخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار وتيسير سبل الحج والعمرة لهم والسهر على راحتهم وبذل الغالي والنفيس لأداء مناسكهم بيسر وطمأنينة وراحة بال، كل ذلك احتساباً للأجر والمثوبة من الله وطلباً لمرضاته سبحانه.
فمن تأمل كتب السيرة والتاريخ اتضح له جلياً جهد الدولة العظيم في رعاية هذين المسجدين وخدمة حجاج بيت الله ومعتمريه، حيث لم ينقل على مر العصور أن دولة قامت بذلك كقيام واهتمام هذه الدولة المباركة، نسأل الله أن يجزي ولاة أمرنا خير الجزاء وأن يضاعف لهم الأجر والمثوبة وأن يجعل ما يقدمونه للإسلام في موزاين حسناتهم.
الوقفة الثانية: بيان أن الحج شعيرة عظيمة يستذكر فيها المسلمون شيئاً من مقاصد الشريعة الإسلامية ومراميها السامية.. وبيان الإطار العام الذي يؤدي المسلم من خلاله رسالته السامية، حيث بين الإسلام للمسلم الحقوق والواجبات وحدد له الغاية والحكمة التي من أجلها خلق وأوجد في هذه الحياة، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }، وذكر أهم مقتضيات الاستقامة على الدين من التحلي بمكارم الأخلاق وقول الحقّ والعدل واجتناب الظلم والاعتداء والعدوان والوفاء بالعهود وأداء الحقوق والالتزام بالعقود.
الوقفة الثالثة: حثّ المسلمين على التمسك بتعاليم الإسلام وأحكامه العادلة وتطبيقها في الواقع الفعلي والتأكيد على أنه لا عزة ولا فلاح لهم إلا بالاعتصام بحبل الله المتين والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، وهذه الوصية وهذا التأكيد من الدولة- وفقها الله- يأتي انطلاقاً من قوله جل وعلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، فالله سبحانه يذكر المؤمنين بنعمته عليهم ويحثهم على التمسك بدينه والاعتصام بحبله، فمن قرأ التاريخ وعرف ما كانت عليه الجاهلية من التفرق والاختلاف والتناحر والتشتت في جزيرة العرب، بل ما كان عليه العالم كله حينذاك من تفرق واختلاف وعدوات وشحناء قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم عرف نعمة الله ومنته عليه، ولهذا قال سبحانه: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}، فالعرب لم تكن لهم دولة تجمعهم ولا رابطة تربطهم ولا دين يحكمهم، فكل قبيلة تحكم نفسها بحكم الجاهلية، وكل قبيلة تغير على أختها وتهلك حرثها ونسلها، فهم أوزاع متفرقون متناحرون يجري بينهم الظلم والعدوان والطغيان والاعتداء والسلب والنهب إلى أن بعث الله النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بهذا الدين العظيم دين الإسلام فعاش الناس في أمان واطمئنان ورغد عيش واستقرار.
والدولة وفقها الله حين توصي عموم المسلمين بالتمسك بالإسلام وتعاليمه تعلم علم اليقين أن التمسك به والالتزام بتعاليمه وأحكامه سبب للعزة والفلاح وسعادة الدارين ودفع النقم وزوال المحن وحصول الأمن ورغد العيش والاطمئنان والاستقرار والظفر بخيري الدنيا والآخرة.. ولهذا أوصى المصطفى صلى الله عليه وسلم أصحابه في آخر حياته بالاجتماع على الكتاب والسنة فقال: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي).. وقال في موعظته البليغة التي ذرفت منها عيون الصحابة ووجلت منها قلوبهم (أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ وأياكم ومحدثات الأمور).. فبدأ أولاً بالوصية بالتقوى وهي التمسك بدين الله والالتزام بتعاليمه من أداء ما أوجب واجتناب ما حرم، ثم ثنى بالسمع والطاعة لولاة الأمر لأن في طاعتهم تجتمع الكلمة وتقوى الأمة ويتحد الصف وتتآلف القلوب وتقام الحدود ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقوم قائم الجهاد في سبيل الله، ولهذا جعلها المصطفى صلى الله عليه وسلم الوصية الثانية بعد الوصية بتقوى الله لما في ذلك من المصالح العظيمة، ولما في معصيتهم والخروج عليهم من تفريق الكلمة وتفرق الجماعة وتشتت القلوب وزعزعة الأمن ووقوع العداوة بين الناس، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، ففي هذه الآية أمر الله سبحانه بتوحيد المعبود بقوله (أطيعوا الله) ثم أمر بتوحيد القدوة بقوله (أطيعوا الرسول) ثم أمر بتوحيد الجماعة على إمام واحد بقوله (وأولي الأمر منكم) ثم أمر بتوحيد المنهج - المصدر - وهما الكتاب والسنة فقال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}، أي لا تردوه إلى منهج فلان أو حزب فلان أومذهب فلان أو الجماعة الفلانية، وإنما قال ردوه إلى الله والرسول أي إلى كتاب الله وسنة رسوله.
الوقفة الرابعة: تأكيد الدولة- وفقها الله- لعموم المسلمين قيامها على شرع الله واستقامتها عليه وتمسكها به وتطبيقها لاحكامه في جميع أمورها منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز آل سعود- رحمه الله- ولا تزال بحمد الله على ذلك يحكمها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. فقد جاء في الكلمة ما نصه: (ونحن في المملكة العربية السعودية ولله الحمد مستقيمون على شرع الله ومتبعون لصراطه المستقيم نلتزم ذلك في علاقاتنا وارتباطاتنا وقراراتنا فقد قامت هذه الدولة منذ تأسيسها على التمسك بشرع الله وتطبيق أحكامه وقواعده في جميع الأمور دقيقها وجليلها، فمذهبنا الحق هو ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وقدوتنا في ذلك الخلفاء الراشدون والصالحون من سلف هذه الأمة لا مذهب لنا سوى ذلك ولا نبتغي عنه بديلاً ولا نحيد عنه قيد أنملة، وهذا ما ندين الله به ونعلنه على رؤوس الأشهاد.. فكتاب الله وسنة رسوله هما الحاكمان في هذه البلد على كل الأمور) انتهى.
فنظامها نظام إسلامي محض مرجعه الوحي الإلهي المتمثل في الكتاب والسنة فليس هو نظاماً رأسمالياً أو ديمقراطياً قائماً على سيادة الأمة أو على فصل الدين عن الدولة أو على مفهوم حرية العقيدة وحرية الرأي والفكر أو غير ذلك من الأنظمة الوضعية والقوانين البشرية، بل هو نظام إسلامي يسوده الشرع المطهر في جميع الأمور عملاً بقوله تعالى: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقّ}، وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ}، فالنصوص الشرعية تؤكد سيادة الشرع وتحرم الخروج على شرع الله والتحاكم إلى غيره فقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، فالدولة بناء على ذلك لا تقر التنوع والاختلاف في العقائد والعبادات، ولا تجيز تعدد دوائر الانتماء القائم على إعطاء كل فرد - مهما كان فكره ومعتقده - الحق في الدعوة إلى ما يدعو إليه، ولا تسمح بالأفكار والرؤى والمصالح والمذاهب المعارضة للشرع، لأنها دولة إسلامية قائمة على سيادة الشرع خاضعة لأحكامه مهيمن على واقعها حاكم لافرادها، تحارب الشرك والأوثان وتنبذ البدع والخرافات وتقيم الحدود وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتحقق الشورى والعدل، نسأل الله سبحانه أن يثبتها على ذلك وأن يديم علينا هذه النعمة العظيمة.
الوقفة الخامسة: إيضاح جهد الدولة- وفقها الله- في محاربة الإرهاب وتصديها له والقضاء عليه، فهو فكر دخيل ضال منحرف خارج على أحكام الشريعة ناء عن الطريق المستقيم مخالف للفطرة السليمة يهدف إلى زعزعة الأمن وإشاعة الفوضى وإثارة الفتنة والخروج عن الطاعة ويحصل بسببه تقويض الأمن وقتل الأنفس المعصومة وتخريب الممتلكات ونشر الفساد وترويع الآمنين.
ولهذا تصدت الدولة للإرهاب بكل صوره وأشكاله فحاربته محلياً وأدانه عالمياً واجتهدت في اجتثاث أصوله وتجفيف منابعه، حفاظاً على سيادة الدولة واستتباباً للأمن وحقناً للدماء وحفظاً للأموال والممتلكات، نسأل الله سبحانه أن يوفقها لما فيه صلاحها وصلاح الإسلام والمسلمين وأن يكفي ولاة أمرنا وبلادنا كل سوء ومكروه.
الوقفة السادسة: إبراز جهود الدولة في القضايا الإسلامية والعربية وعلاقاتها بدول العالم، فهي تتقدم الدول بلا استثناء في الاهتمام بالقضايا الإسلامية والسعي في معالجتها وتسعى إلى إقامة العلاقات الطبية مع دول العالم التي تنبني على الاحترام وعدم التدخل في شؤونها وعلى يد العون والمساعدة، فمواقف المملكة معروفة وجهودها ملموسة ومبادراتها مستديمة في نصر الحق ودفع الظلم وإغاثة المنكوب ومساعدة المحتاج.
نسأل الله باسمائه وصفاته أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يجمع شملنا وشملهم على الحق والهدى، وأن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved