Sunday 16th January,200511798العددالأحد 6 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

ليس هذا (كلام جرايد)ليس هذا (كلام جرايد)
عبد العزيز بن صالح العسكر/الدلم

أقرأ في صفحات (عزيزتي الجزيرة) و(الرأي) وفي غيرها في صحف أخرى كلمات مشحونة بعواطف أصحابها يجد القارئ في تلك المقالات والمشاركات الصحفية حماساً وحدَّة في الطرح وانفعالاً غريباً!!
وأكاد أُجزم أن من كتب تلك الصفحات والسطور قد صدَّق نفسه وزكَّاها وألبسها تاج الإنصاف والعدالة، وانتقل في الغالب من موقف الكتابة إلى موقف الخطابة التي تستدعي رفع الصوت وسجع العبارات ورنين الألفاظ.
وكم توقفت عند كثير من تلك الطروحات والمقالات الانفعالية، وألحَّ عليَّ سؤال على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية: ما الذي دفع أولئك للكتابة ؟ وما سبب تلك الجرأة؟ وما الذي أثار ذلك الانفعال؟.. وطال الزمن وتكرر الموقف عشرات المرات بل مئات المرات، وأنا أجد الظاهرة تكبُر والأمر يستفحل، ومعارك الخلاف تشتد وسوق التجريح قد راجت بضائعها!!
وفي تلك المقالات تجد الأحكام الجازمة، والظنون الآثمة والاستنتاجات الخاطئة وما يسوقه فلان على أنه توقُّع يراه الآخرعلى أنه حقيقة وواقع، وكم ملئت تلك المقالات بعبارات التحريض وألفاظ الوهم مثل: يقولون، يقال، أظن، أتوقع، قال أحدهم، نقل لي صديق.. وغيرها كثير.
ونتيجة حتمية لذلك، فَقَد الناس أو أكثرهم الثقة في بعض كُتَّاب الصحف، وراج عند أولئك عبارة بها يردُّون على كل خبر غير صادق: إنها لفظة (كلام جرايد)!!
وكلام الجرايد عندهم: كل ما يكتب فيها من أخبار وتحقيقات ومقالات وإعلانات وغيرها، وإذا كان لظنهم ما يصدُقُه من بعض الواقع، ولدى بعض الصحف.. فإنه لا يصح على إطلاقه، لا يصح.. لأننا نقرأ الخبر الصادق والتحقيق الموثَّق، والفتوى الصادرة من أهل العلم الموثوقين.. نقرأ في بعض صحفنا كتابات تنبض بالصدق، وتبتعد عن المبالغة والتهويل، وتصدر عن تجربة وخبرة وعلم واسع.. وتلك الكتابات سواء أكانت مقالاً أو تعليقاً أو تحقيقاً أو قصيدة هي مشاعل هداية ومصابيح ضياء تفيد القراء على اختلاف مستوياتهم، وتمتعهم وتصل إلى أعماق مشاعرهم ونفوسهم.
وإذا كانت الدولة المتقدمة - صناعياً وعسكرياً - تملك مالاً وخبرات كثيرة منوعة، فإنها تملك مع ذلك وفوقه إعلاماً قوياً فاعلاً مؤثراً يدعم الصناعة ويسير معها ويفتح لها العقول والأسواق.
ومن أبرز ميادين ذلك الإعلام وأهم قنواته الصحافة.. ولعل القارئ الكريم يحفظ أكثر مني: كم يُطبع من الصحف في بلد مثل أمريكا أو بريطانيا.. ولكني أجزم أن الأرقام تصل المليون أو تتعداه للجريدة اليومية الواحدة.. أما نحن فإن أفضل صحفنا قد تعجز عن طباعة ونشر مائة ألف نسخة في اليوم، لا لنقص إمكاناتها ولكن لعدم وجود القراء الذين هم حُدَاة سفينتها وداعمو مسيرتها.
وفي البيئة القريبة منا أجد السبب الذي أشرت إليه هو أكبر عائق يسد طريق الجريدة، ويمنع وصولها إلى عامة القراء.
والحل الذي اقترحه - وهو يسير - إن أردنا: أن نبني الثقة بين الجريدة والقارئ، ونعيد تصحيح ما علق بالأذهان مما هو بعيد عن الواقع.. ونؤكد لكل متابع أن الجريدة ميدان شرف، وساحة وضوح وصدق، تنبذ المبالغة وترفض الأوهام وتأبى الإثارة (من أجل الإثارة).. ولابد أن يلتزم بتلك المبادئ كل من يحمل قلماً ليسطِّر للجريدة مادة إعلامية تُنشر مستقبلاً.
وحينما يتحقق ذلك المطلب - اليسير - تزول عن أذهان الناس عبارة (كلام جرايد)، ويبقى لما نكتب ضياؤه وجماله، ليعم نفعه قريباً وبعيداً، ويحتفي الناس بالجريدة، ويعنوا بما ينشر فيها ليلقى قبولاً ونقداً وتمحيصاً.
ولكي يكون لهذه السطور مكان لدى القارئ، وأسلِّم له دليلاً على أن في صحفنا خيراً كثيراً، وفيما ينشر في المجلات بعامة نفع عظيم.. أسوق للقراء أمثلة مما نشر في بعضها في الأيام القريبة الماضية، وما سأذكره نزر يسير وقطرات من نهر الأصالة والصدق والموضوعية الذي يجري على صفحات بعض صحفنا.
1- كتب مراد سليمان عرقسوس رئيس تحرير جريدة العالم الإسلامي التي تصدرها رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة - وهي جريدة أسبوعية - يقول الأستاذ مراد: (سألت في زيارتي الأخيرة لباريس أحد الإخوة العرب المسلمين العاملين في الفندق الذي أقطن فيه عن اتجاه القبلة فاعتذر بلطف وأخبرني بأنه لا يعرف ذلك لأنه لا يصلي. وأخذني إلى أخ عربي مسلم آخر من جنسية أخرى توسم فيه الصلاح ليرشدني على تحديد القبلة فصمت برهة ثم قال لي بخجل: يا أخي نحن مسلمون، ولكن لا نصلي وبالتالي لا نعرف للأسف الشديد اتجاه القبلة.
هذه النماذج تمثل الشريحة الإسلامية التي أذابها الغرب في مجتمعاته وبالتالي أبعدها عن الإسلام وتشريعاته.. فإذا أضاعوا الصلاة وهي عماد الإسلام وأحد أركانه فهم لما سواها أضيع.. فلا عجب أن نرى بعد ذلك تعطيل أو انعدام المثل والمبادئ التي جاءت بها الشريعة السمحة لدى الكثير من العرب والمسلمين وبالتالي وصمهم من قبل الغرب بالتخلف والهمجية والعداء وهم من معرفتهم بالإسلام براء، وما المصائب والأزمات والنكبات التي يتعرض لها العالم الإسلامي إلا بسبب بُعد أهله عن تعاليم دينهم وسماحة شريعتهم نتيجة أميتهم بدينهم {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}أ.هـ من مقال بعنوان (الأمية الدينية) نشر بتاريخ 18 رجب 1424هـ ص الأخيرة.
2- وفي صحيفة الجزيرة تشدني مئات الأمثلة على ما أشرت إليه من الصدق والأصالة.. فأعمد إلى هذا المثال: كتب الشيخ الدكتور سلمان العودة في مقال بعنوان (محكات الأخلاق) قال: (وقد كنت حيناً من الدهر أرقب بعض الشباب المتدين حين يختلفون فأقرأ من رديء القول وشططه ما تدمع له العين ويحزن القلب من التسفيه والشتم والتسارع إلى الرمي بالبدعة والفسق والكفر والخيانة.
وكنت أقول لنفسي: متى تنتهي هذه النزعات المريضة؟!
متى نرتقي إلى المستوى الأخلاقي الجدير بأمة اصطفاها الله وفضلها؟ متى نتمثل قيم القرآن والسنَّة في ضبط العلاقة حتى مع الأعداء: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}؟
متى ندرك أن بعض دوافعنا مزاجية عاطفية تنطلق من ذواتنا وإن تلبست بلبوس الغيرة الدينية؟! متى؟ متى؟ ثم تأملت مسالك بعض الكتبة ممن ينظر إليهم على أنهم (نخب مثقفة) وليسوا عامة أو دهماء، فوجدتها لا تختلف، إن لم تكن أسوأ وأكثر ازدواجية وأقل حياء.
فهناك شعور كامن يشجع على الانقضاض والافتراس (نحن هنا في غابة) والروح العدوانية في حالة تربُّص، وبمجرد ظهور نزعة اختلاف فكري أو سياسي تزول قشرة التمظهر ونبدو بعضنا مع بعض أشد ضراوة مما نحن عليه مع أعدائنا الحقيقيين.
وهنا أجدني مرة أخرى متسائلاً: متى نتعلم أن نختلف ونحافظ على علاقتنا، بل على الصورة التي نريد أن يأخذها الآخرون عنا؟!
متى نحول نظرياتنا الأخلاقية إلى برنامج عمل واقعي، يستمر معنا في حياتنا كلها مهما طال اتصالنا ببعض؟ ويستمر معنا حين نكون أقوياء، حين نرتقي إلى مناصب إدارية، أو مواقع إعلامية، أو وجاهة اجتماعية، أو منزلة تجارية!
ويستمر معنا حين نختلف فلا نطيح بعلاقاتنا ولا نسكت على الخطأ أو الرأي المختلف (وكان بين ذلك قواماً).
وبالصراحة.. أقول هذا القول.. فيحرن القلم ويتباطأ.. ويقول: أأنت كذلك؟ فأقول: لا، ولكني أعدك بأني سأحاول، ومهما تكرر الفشل.. سأحاول.. والسلام) نشر يوم الأحد 13 شوال 1425هـ ص11.
3- وفي موقع آخر من صحيفة الجزيرة نقرأ أبياتاً من قصيدة بعنوان: لماذا تجنيتم؟ للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي.. وفيها يخاطب من قاموا بالتفجير الآثم في الرياض ومن على شاكلتهم..
نشرت يوم الأحد 21-11-1425هـ ص 35. نسأل الله الكريم أن يهدي ضال المسلمين ويردهم إلى الحق رداً جميلاً.
4- واختم هنا بهذه السطور من جريدة المدينة؛ فقد كتب الدكتور عبد العزيز بن علي الحربي تحت عنوان (لحن القول) ما يلي: (الرجيم كلمة فرنسية معناها الإقلال من الطعام، وليس في اللغة العربية معنى للفظ الرجيم إلا معنى واحد هو المرجوم، أي: المطرود المبعد. واللفظة العربية الصحيحة التي اتفق المعنيون بتصحيح الأغلاط والبحث عن بدائل الدخيل هي لفظة (الحمية). فهي تؤدي المعنى ذاته، وكذلك (الاحتماء) وكلاهما بمعنى الامتناع عن الأطعمة، أو عن ما يضر منها، فعلى من كان حريصاً على لغته أن يعدل عن استعمال (الرجيم) إلى (الحمية) وأن يحرص على أن يكون لديه معنوية عن ما كان خارجاً على لغته الفصحى، فربما كان أحوج إلى ذلك من إنقاص وزنه، لاسيما أن لفظ (الرجيم) لفظ مستكره معناه في هذا المعنى عن نطقه معرباً.. وأما لفظ (جيعان) بالياء فخطأ صرفي، لأنه واوي من جاع يجوع فهو جوعان وجائع.
هذا هو مقتضى القياس الصرفي، ولم يسمع عن العرب بالياء مكان الواو.. ومن العلماء من خطَّأ استعمال (جائع) أيضاً، نقل ذلك الخفاجي عن الصاغاني والنقل والقياس يدفعان تلك التخطئة) ا.. هـ نشر هذا في ملحق (الرسالة) في جريدة المدينة يوم الجمعة 12-11-1425هـ ص8.
هذه نماذج مما يرد في الصحف مما يمكن أن يعد من الكلم الطيب الذي يعم نفعه ويستحق أن يعتنى به، ويكافأ كاتبه كما يغنم قارئه.
وما مراد عرقسوس وسلمان العودة وعبد الرحمن العشماوي وعبد العزيز الحربي إلا نماذج من الكُتَّاب الذين أحسنت صحافتنا في توظيف مهاراتهم وثقافتهم لنفع القارئ وإثراء ثقافته بعد إقناعه وإسعاد نفسه.. ومثل ذلك نقول عن العالم الإسلامي والجزيرة والمدينة فهذه من الصحف التي يجد فيها القارئ المتعة والفائدة مما تمتلىء به صفحاتها وصفحات الصحف الأخرى من مقالات وتحقيقات وأخبار.
ولأن الكمال مستحيل، والعصمة ليست إلا للأنبياء فإنه قد يرد في هذه الصحف أو في غيرها ما لا يرضي، وقد نقرأ ما يؤذي الذوق والفكر.. ولكن الجميل والجميل جداً أن بعض الصحف تفتح باب الحوار المنضبط والنقد الهادف لما تنشره وتستقبل ما يكتب في ذلك لتنشره على صفحاتها؛ إحقاقاً للحق واحتراماً لكل الاتجاهات وانصافاً وعدلاً.
إن وصف كل ما ينشر بأنه (كلام جرايد)، ولا يستحق القراءة فضلاً عن العناية والاقتناء، إن ذلك الوصف مجانب للصواب، ومخالف للحقيقة وخلط ظاهر بين الجد والهزل والنافع والضار.
وما أوردناه هنا يرد ذلك ويثبت عكسه.. فما ذكره الأستاذ مراد عرقسوس حقيقة يجب أن يوقف عندها، فالأمية الدينية أمر يقضُّ المضجع ويؤلم النفس فأي إسلام لمن لا يصلي ؟ وهل عيش المسلم في مجتمع كافر أو بين قوم أغلبهم غير مسلمين عذرٌ له بترك الصلاة ومما يجب أن يفقهه كل مسلم وفي كل مكان من العالم؟!
وما ذكره الدكتور سلمان العودة في مقاله (محكات الأخلاق) قضية تزداد أهميتها مع مرورالأيام، وتبرز الحاجة لفقهها ونحن نرى ضحايا المزاج والهوى من الشباب وبخاصة من يوصفون بالصلاح و(التديُّن).. وكم نتألم كثيراً ونحن نرى الصراع على أتفه الأمور، والخلاف عند أصغر القضايا والتقاطع لأيسر الأسباب.. ومن هنا تبرز دعوة الكاتب إلى ضرورة التحلي بحسن الخلق والصفح والتواضع والإيثار، ونبذ التعصب واتباع الشهوات واحتقار الآخرين كي نسعد بعمل مثمر وصف مترابط يخدم الأمة وتسعد به البلاد ويغيظ الأعداء باستقامته ووسطيته وعقله.
وأما قصيدة الدكتورعبد الرحمن العشماوي فقد جمعت جمال النظم وحسن السَّبك وسمو الغرض، فهي من الشعر الجميل الأصيل، وموضوعها وهدفها تسجيل مشاعر كل مسلم يعيش على ثرى المملكة العربية السعودية ويؤلمه أن يرى عدداً من أبنائها يقتلون ويُقتَلون وليس لذلك من سبب سوى هوى النفوس وانحراف المفاهيم والانقياد لفكر خاطئ وفهم سقيم. ويسأل الشاعر ونحن معه:
* لماذا تجنيتم على دار أهلكم؟
* لماذا سفكتم دماءً حرَّم الله سفكها؟
* لماذا قتلتم أنفسكم وهي ليست ملكاً لكم؟!
* إلى متى يستمر بعض أبنائنا في ضلالهم؟ أو ما آن أن يفيئوا إلى رشدهم ويستجيبوا لنداء ربهم، ويعرفوا لبلادهم حقها، وينبذوا فكر العنف والتكفير .. وبخاصة بعدما جربوا وبالهما وسوء نهايتهما.
* لقد أسف الشاعر وأسف كل مواطن مخلص في بلادنا وهو يرى الشباب تتطاير أشلاؤهم في تفجيرآثم عملته أيديهم وزيَّنه لهم الشيطان وأوهمهم انه: إصلاح وجهاد وهو بحق: إفساد ودمار وضلال.
* والنموذج الأخير الذي أوردناه فيه إشارة إلى واجب من واجبات الصحافة العربية وهو العناية باللغة العربية الفصحى وضرورة تنقيتها مما يشوبها من عامية أو عجمة، وبيان ما يقع فيه الناس ومنهم بعض الكُتَّاب من أخطاء أسلوبية أو نحوية أو إملائية أو غيرها.ومما يحمد لملحق (الرسالة) مساهمتها في هذا الواجب، كما نرى مثل ذلك في مجلات وصحف منها: مجلة الشقائق ومجلة القافلة ومجلة المنهل والمجلة العربية.
وتصحيح الأخطاء اللغوية همٌّ شُغِلتُ به منذ زمن ويسَّر الله أن جمعت أكثر من مائة وخمسة أخطاء وبحثت في معاجم اللغة وبحوث علمائها حتى هدى الله للبديل لتلك الأخطاء، وكل ذلك ضمَّه كتابي (أخطاء في القراءة والإنشاء) وصدرت طبعته الأولى سنة 1416هـ في ثلاث وثمانين صفحة.
أسأل الله الكريم أن ينفعنا بما نقول ونكتب وأن يهدي القائمين على الصحافة لما فيه خير القرَّاء ونفعهم وحقق سعادتهم في الدارين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved