* كتب الزميل - سراج الدين إبراهيم: أحياناً.. يجد الإنسان حيرة عندما يريد أن يحظى بحديث يتسم بالصراحة.. لأن الغاية هذه لا تتحقق إلا من إنسان مدرك وعميق التجارب. وقد فكرت طويلاً في أن أكسب واحداً من هذا الصنف.. ولعلي قد وفقت في اختيار ضيفي لهذا الأسبوع. ضيفي مواطن اغترف من العلم حتى نال الدكتوراه.. وضيفي واكب المسيرة التعليمية وهو الآن واحد من الواقفين على سدة الجامعة في بلادنا وضيفي صريح العبارة.. صادق النية.. عميق النظرة.. إنه الدكتور عبدالله الوهيبي الأمين العام لجامعة الرياض حيث كان لي معه هذا الحديث: د. عبدالله الوهيبي يتحدث بصراحة عن الجامعة والصحافة والأدب وأشياء أخرى. ***** * من دواعي سرورنا دكتور عبدالله أن تكون ضيفنا في هذه الحلقة التي اعتدنا تقديمها لقراء الجزيرة؟ - هذا أمر يعود إليكم، وذنبكم كما نقول هنا على جنبكم، أما أنا فسروري لا يقاس بأي سرور تشعرون به لأن هذه فرصة سنحت لي كي أتحدث إلى قراء الجزيرة وهم يعدون أنفسهم للاحتفال بها يومية فتية. * دكتور (أبو ناصر) نريد أن تعرفوا شخصكم وتحدثونا عن مراحل تعليمكم والجهات التي درستم فيها وموضوع تخصصكم. - لا أعتقد أنني عرفت نفسي بعد بالكفاية التي تؤهلني لتقديم شخصي معرفاً لي قراء الجزيرة، ولكنني أتصور بدون تواضع أنني شخص من أوسط الناس في الجزيرة العربية، فلا أنا بالجاهل جداً، ولا أنا بالشديد الحماس للتزود من المعرفة، وكذلك فلست بالخامل ولكنني محدود الطموح، وكل همي أن أوازن بين واجبات المكتب ومسؤولية الفصل وبين حقوق البيت والمجتمع، ولذلك فإنني أقرب ما أكون إلى الماء فلا لون ولا طعم ولا رائحة، ولكن لا أخلو من الفائدة. أما عن تعليمي فالذي أتممته من مراحله حتى الآن قليل، ولا أعتد بأية مرحلة أكملتها غير الابتدائية، والسبب أنني تلقيتها في أربعة أماكن، بدأتها بكتاتيب الخبراء حيث برهنت لعمي عبدالرحمن مدير المدرسة أو الكتاب أن في البشر من هم كالحجارة، ثم ذهبت إلى أملج، وهناك عرف أبي رحمه الله أنني لن أكون جديراً بحسن ظنه وبباذخ نفقته، ثم في ينبع حيث كف عن محاولة دفعي إلى التعلم، وأخيراً في الطائف حيث حدثت المعجزة وعدت إلى الدراسة فنلت الشهادة الابتدائية بعد أن شارفت العشرين. وقد قضيت سنين طويلة أدرس بعد ذلك وتخصصي هو جهل ما تعلمته والعجز عن تعلم أي شيء جديد. * متى كان تخرجكم وما هي المناصب والأعمال التي أسندت لسعادتكم حتى الآن..؟ - لم يسند إلى سعادتي أي منصب حتى الآن وكل المناصب التي تقاضيت مرتبها كنت مسنداً إليها، ولولاها لكنت رأيتني الآن لا أستند إلى شيء بالمرة، فقد فشلت في أن أكون فلاحاً أو جمالاً ولم أنجح في أن أكون شيئاً غير ذلك. * لكل عمل أبعاد ومرام.. نحب هنا أن تعرفونا بأبعاد ومرامي عملكم الحالي كأمين عام لجامعة الرياض..؟ - ليس لعملي الحالي أية أبعاد إلا أنني أستغله في التهرب من واجبات التدريس التي أخذت على نفسي عهداً أن أؤديها. ولكن هذا التهرب ليس عميقاً ولا واضحاً إلى الدرجة التي تحرمني من التهرب من واجبات العمل بحجة التدريس. * للجامعة دور كبير في التأثير على المجتمع، نريد منكم أن تحددوا لنا هذا الدور وما أدته جامعتنا حتى الآن والخطوات القادمة للتوسع فيه؟ - الذي أعرفه ويعرفه المطلعون على سير الجامعة - أية جامعة - لدينا أنها لا تؤثر على المجتمع من قريب ولا بعيد، وأنها واقعة تحت تأثير المجتمع وربما كان هذا من سيئاتها ولكنه ربما كان أيضاً الحسنة الوحيدة لها. * ماذا تريدون دكتور عبدالله من الأستاذ في الجامعة والطالب على حد سواء..؟ - أريد من أستاذ الجامعة أن يطامن من كبريائه بعض الشيء ويشعر أن للمجتمع حقوقاً عليه خارج أسوار الجامعة، وأريد من الطالب أن يرتفع قليلاً فيستشعر الثقة بنفسه ويدرك أنه ليس صحيحا كل ما يقوله المدرس أو ما يدونه الكتاب وأنه يجب عليه أن يناقش ما يسمع وما يقرأ. * نحب أن نعرف وجهة نظركم فيما لو وجد قسم في الجامعة خاص بالدراسات العلمية الصحيحة لتطوير بعض الصناعات المحلية ولتقديم حلول لمشاكل المجتمع وكذا الأمور الخاصة بالوزارات. - الواجب أن يهتم كل قسم في الجامعة بتطوير الصناعات المحلية وهي كثيرة فالتدريس صناعة والصحافة صناعة والتفكير صناعة، بالإضافة إلى الصناعات التقليدية. * نتيجة الامتحانات في الجامعات كانت مشرفة هذا العام.. ما سبب ذلك وهل يمكن المحافظة على هذا المستوى للسنوات القادمة؟ - سبب تحسن النتيجة هذا العام يعود إلى شيء واحد فقط هو التساهل في التصحيح لأن الطالب والمدرس والفصل والكتاب والمكتبة والجو لم يتغير فيها شيء عما نعرفه في الماضي. وبالإمكان رفع مستوى النتيجة في أي وقت، إذا غضضنا النظر عن مستوى التدريس والطالب والمكتبة. * هل حقق المنتسبون نفس المستوى وما رأيكم في الانتساب كحل لمشكلة عدم التفرغ للدراسة؟ - نعم حقق المنتسبون نفس المستوى لأن الورقة التي أمام المصحح لا تنطق بهويتها، ولا يستطيع أن يعرف ما إذا كانت لمنتسب أم لمنتظم. * وماذا عن القسم الجديد الخاص بالمنتسبين والذي يمكن للطالب فيه أن يتابع دراسته بانتظام.. ولماذا اقتصر على كلية التجارة فقط..؟ - هذا شيء لا أعرفه ولا أستطيع الخوض فيه. * ما هي خطط الجامعة ومشاريعها في المستقبل ومتى ستبدأ في بناء المقر الجديد وما أثره على الدرعية؟. - خطط الجامعة ومشاريعها كثيرة للحاضر والمستقبل، ولكن إمكانياتها البشرية أقل من طموحها، وهذا طابع يميز كثيرا من أجهزة الدولة، أما المقر الجديد في الدرعية فإن التفكير فيه جدي ولن يمضي ثلاثون شهرا قبل أن ترى البناء فيه قد ابتدأ. أما أثر ذلك على الدرعية فهو قليل إذا قيس بأثره على الرياض وعلى المملكة بوجه عام، وسوف يستفيد من هذا المقر قطاع كبير من المجتمع ومن أجهزة الدولة. * رأيكم ما هو دكتور وهيبي في وسائل الإعلام بصفة عامة في بلادنا والصحافة بصفة خاصة وعما إذا كانت قد أدت دورها؟. - لا أعرف من وسائل الإعلام إلا الصحافة وهي سيئة جداً ولم تؤد للأسف واجبها، ولم تقم بدور فعال في خدمة المجتمع، ولكن لا تأخذ كلامي على أنني أعني كل الصحف فهناك صحف لا اقرأها على الأقل. ومرة أخرى أكرر أن هذا طابع يميز أكثر صحافتنا العربية، ولكي تعرف مستوى الصحافة والإعلام عند جيراننا الآخرين يكفي أن أقول لك إن صحيفة ما صودرت أربع مرات في بلد عربي متقدم في وسائل الإعلام، وان مجلة أخرى وهي شقيقة تلك الصحيفة لا تدخل ذلك البلد إلا بعد أن يشذبها مقص الرقيب. * ما هي مشكلة الأدب السعودي التي ترونها وكيف نعالجها حتى تنطلق وتتسع دائرته؟. مشكلة الأدب السعودي أنه يعتمد على الخامات المنتجة وهذا يجعله معزولاً عن الأدب العربي وعن الأدب العالمي، والأديب السعودي في الغالب يبدأ أديباً ثم ينتهي قارئاً ولكن للأدباء السعوديين أو الوافدين إلى السعودية فقط، فلو قرأ الشاب لكل الأدباء العرب ولكل الأدباء العالميين لتغيرت نظرة الناس إلى الأدب السعودي ولحملوه محمل الجد، ولصار بإمكانه أن ينطلق وأن تتسع دائرته. * لقد اختفى التحقق المجهد في الأحداث التاريخية وأثرها على المجتمع بحيث أن الإنسان أصبح يتشكك في الكثير من الحقائق، وأعتقد أن هذا الوقت في حاجة لأمثال العلامة والمؤرخ ابن خلدون لاستقراء الظواهر.. إذا استعصى البحث عن الحقيقة.. فما هو رأيكم؟؟ - ليس التاريخ مزيفاً دائماً، وكثير من الزيف لا يقوى على تحدي أضواء الحقيقة، ونصيحتي إليك ألا تكثر الشك في ما تقرأ، وعليك أن تطبق ما تراه وتعرفه على ما تقرأه، وسوف تصل إلى نتائج باهرة. * سافرتم دكتور رئيساً للوفد الذي مثل المملكة في مؤتمر الأسماء الجغرافية الذي انعقد في لندن طوال الشهر الماضي.. ويسعدنا أن تعرف شيئاً عن موضوع هذا المؤتمر والأعمال التي يهدف إلى تحقيقها وما تم فيه..؟ - هذا مؤتمر عقدته الأمم المتحدة في لندن وتهدف من ورائه إلى توحيد الأسلوب الذي تكتب به الأسماء الجغرافية المعروفة، وإلى توحيد الأسلوب الذي تطلق بمقتضاه أسماء جديدة على أماكن جديدة مثل القمر وقاع المحيط وما سوف يكتشفه الإنسان عن عالمين آخرين. * أثناء دراستكم بالخارج لا بد أنكم ألممتم ببعض عادات وتقاليد تلك المجتمعات، فما هو مفهوم الكرم والجوار والشهامة عندهم..؟ - مفهوم الشهامة والكرم والجوار في بريطانيا - حيث درست - وفي أميركا - حيث قضت وقتاً ممتعاً - لا يختلف عن مفهومها لدينا، ويكفي أن تعرف أن سكوتلاندا تضم مجتمعاً يمارس الكرم ويؤمن به، وأن تعرف أن حسن الجوار موجود في إنجلترا بشكل يدعو إلى الدهشة. * من مشاكلنا الاجتماعية مشكلة الزواج وغلاء المهور ما رأيكم في وضع أسس لحلها اجتماعياً ومادياً..؟ - لا أرى الزواج مشكلة بالمرة، وإن كنت تعني غلاء المهور والحفلات فأحب أن أؤكد لك أنها في سبيلها إلى الزوال، فلقد عرفت أشخاصاً لا يقبضون مهراً إلا القليل، وعرفت أمس فقط زوجين كانت حفلتهما وليمة غداء للأقارب ثم سافرا بعدها إلى مكان خارج الرياض يقضيان فيه شهر العسل أو بعضه وما ذاك منهما إلا رغبة في التحلل من الحفلات الباذخة. * ما رأيكم في مهمة رجل الشارع وهو في الغالب إما أباً أو أخاً.. ما رأيكم بدوره كمكمل لدور الأب والأم في تربية الأولاد؟. - لا أعتقد أن على رجل الشارع واجباً في تربية الأطفال إذ الواجب ينصب على البيت أولا ثم على المدرسة بعد ذلك وإذا رأيت طفلا في الشارع فاعرف أن أحد هذين مقصر في واجباته. * نريد معرفة آخر كتاب قرأتموه ولمن من الكتاب العالميين تقرؤون.. وهل كل هذه الكتب باللغة الإنجليزية أم للعربية نصيب؟. - آخر كتاب وقع في يدي كتاب ألفته سيدة أميركية وهي أم لخمسة مواطنين سعوديين، تحدثت فيه عن حياتها بعد زواجها من مواطن سعودي وانتقالها إلى المملكة لتعيش معه، والكتاب شيق وحافل بقصص من تاريخنا القريب، ولم أكمله بعد لأحكم له أو عليه. * ما هو رأيكم في الأدب واستخدامه لعلاج بعض الأمراض الاجتماعية وجدوى ذلك؟؟ - رأيي أن الأدب لا يعالج أمراضاً اجتماعية ولا غيرها. بل أعتقد أن الأدب مرض يحتاج إلى علاج، ولكننا في فترة تكثر فيها الأمراض ولذلك فنحن نتطلب العلاج بكل شيء. * ما هي أمنياتكم للعالمين العربي والإسلامي ولبلادنا الحبيبة؟ - أمنيتي لبلادنا ولأمتنا أن يعيا واجبهما وأن يتصرفا في ضوء هذا الوعي.
|