ثمة خصائص عديدة تميز بها التشريع الإسلامي، ومن هذه الخصائص خاصية الوسطية والاعتدال ومفهومهما هو عدم الغلو والمبالغة وهو يقترب فيما يختص من التوازن والاعتدال. * الوسطية والاعتدال يعنيان البعد عن كل ميل وانحراف وإعوجاج ويؤمنان إستقامة الطريق. * التوازن والاعتدال في علاقة الإنسان يؤديان إلى التوافق النفسي والاستقرار والشعور بالأمن. * الإسلام ليس متطرفاً فهو دين الوسطية والاعتدال في العبادة والطعام والمال والعطاء والغضب والفرح وإشباع الغرائز والعقل والروح والتعامل والنظرة بصورة عامة للحياة بواقعية، والوسطية منهج رباني حميد يمنع العبد من الحيف إلى الطرفين. إن من خصائص الإسلام أنه دين وسط فهو وسط بين اليهودية والنصرانية.. اليهودية التي حملت العلم وألغت العمل، والنصرانية التي غالت في العبادة وطرحت الدليل فجاء الإسلام بالعلم والعمل والروح والجسد والعقل والنقل قال الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، معنى قوله أمة وسطا كما فسرها الصحابة ومن تبعهم يعني جعلناكم أمة عدلاً خياراً بما تتوسطون فيه بين الغالي والجاف. * الإسلام دعا إلى الأخلاق الحميدة وحض عليها، بل وصف الله نبيه بذلك في قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، لكنه لم يجعل من الخلق المحمود ترك العزة ولم يجعل من الخلق المحمود ترك الحق، بل جعل الخلق المحمود وسطاً بين اللين وبين القوة، فالقوة في مكانها مطلوبة، واللين مع المسلمين وغير المسلمين في مكانه مطلوب، فالحق بين ذاك وذاك. * وعلاقة الفرد بالآخرين يجب أن تكون معتدلة فالبُعد عن الناس والانطواء يؤدي إلى سوء التوافق الاجتماعي والنفسي، والإنسان كائن اجتماعي يعيش بين الناس، وكذلك الاندماج بين الناس اندماجاً متطرفاً يؤدي إلى سوء التوافق لأسباب كثيرة، منها أن العلاقة التي فيها غلو تؤدي إلى الالتصاق الذي قد يسبب لهم الضيق، وعلى سبيل المثال: الغضب والشهوة والعلم يحتاج أن يكون أمرها متوسطاً لئلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك أو تزيد قوة الغضب فيخرج إلى الجموح فيهلك (خير الأمور أوسطها)، فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العلم دل على طريق الهداية وكذلك الغضب: إذا زاد سهل عليه الضرب والقتل وإذا نقص ذهبت الغيرة والحمية في الدين والدنيا وإذا توسط كان الصبر والشجاعة والحكمة. وهكذا الشهوة: إذا زادت كان الفسق والفجور وإن نقصت كان العجز والفتور وإن توسطت كانت العفة والقناعة وأمثال ذلك في الحديث قول الرسول:(عليكم هدياً قاصداً). * فالسعادة في الوسط فلا غلو ولا جفاء ولا إفراط ولا تفريط وإن مما يسعد المسلم في حياته الوسطية في عبادته فلا يغلو فينهك جسمه ويقضي على نشاطه ولا يجفو فيطرح النوافل ويخدش الفرائض ويركن إلى التسويف في إنفاقه، فلا يتلف أمواله ويبيد دخله فيبقى حسيراً مملقاً ولا يمسك عطاءه ويبخل بنواله فيبقى ملوماً محروماً ويكون وسطا في خلقة، بين الجد المفرط واللين المتداعي بين العبوس الكالح والضحك المتهافت بين العزلة الموحشة وبين الخلطة الزائدة على الحد. * الوسطية والاعتدال يبرءان من الهوى ويعتمدان على العلم الراسخ، وأن الوسطية تراعي القدرات والإمكانات واختلاف الأزمنة والأمكنة. * لماذا نختار الوسطية والاعتدال في كل شيء؟.. لأن الوسطية والاعتدال موصلة إلى تحقيق مقاصد الشريعة في الدين والدنيا، ولأن الوسطية أبعد عن الفتن ماظهر منها وما بطن. * العلم يزداد بالاعتدال ويضمحل بالغلو والجفاء. *من سمات الوسطية أن الوسطية تراعي القدرات والإمكانات فليس صاحب الوسطية معجزاً للناس في طلباته أو داعياً إلى خيالات في آرائه وتنظيراته، كثير من الناس صاحب تنظيرات وصاحب خيالات، وهؤلاء يبتعدون عن الوسطية المرادة.
|