إنني متفائل جدا من أن تجيز معشوقتي (الجزيرة) هذا المقال من فرط إعجابها بالعنوان على الأقل، فقد سبق أن نشر لي عدة ملاحظات عن بعض الآراء المطروحة فيها لفائدتنا نحن القراء، لكن بعد إزالة أي إشارة إيجابية عن امبراطورية هذا العصر، ناهيك عن مديح أو حتى إنصاف لها، ومن موقعي كقارئ قديم ومخلص ل (الجزيرة) فإنني أرى في ذلك ناقوس خطر ينذر بالصعوبات الجمة التي تعاني منها الصحف في معركة البقاء للأفضل التي يجدر بها أن تطور جاهزيتها لها. لقد تذكرت طيب الذكر عثمان العمير الذي اكتشف يوما ما أن التعصب الرياضي (يبيع الجريدة) فلم تصدق (الجزيرة) خبرا وراحت - بعذر المنافسة- تعتمد على تبني فريق واحد دون البقية حتى إنه قيل: إنها غيرت ألوانها من أجله. لكن يبدو أن المعاناة استمرت حتى دخلت بلادنا في المرحلة الحالية مرحلة التطور المتسارع تجاوبا مع الانفتاح والدخول في معترك الأمم المتقدمة الذي أهلتنا له فترة الاستقرار الطويلة وخطط التنمية العملاقة التي رعتها قيادة واثقة وحكيمة. لكن يبقى سؤال واحد: لماذا الاندفاع وراء التيارات المعادية لأمريكا؟ هل هناك قناعة تسويقية بريئة وراء ذلك؟ أرجو أن يكون ذلك هو السبب الوحيد، وإذا كان الأمر كذلك ف(الجزيرة) تخطئ خطأ فادحا، وعندما نستطيع الكتابة عن أمريكا بعد طول انتظار فلا يجب أن يعني ذلك أن نكون متطرفين في تفاعلنا مع الظاهرة الأمريكية التي تؤثر فينا بسبل وأشكال متعددة منها الإيجابي والسلبي. لكن يجب الحذر من أن كره أمريكا في مجمله ظاهرة موردة لهذه البلاد، إذ يشكل العداء لأمريكا جزءا رئيسا في منظومات حركية توجد خارج البلاد، وتتخذ من الإسلام غطاء لها. إن تاريخ المقاومة الإسلامية للاستعمار الأوروبي في العالم العربي طويل ودام، لكن القوى الأوروبية المستعمرة تعاملت معها بوحشية تضاعفت مع ظهور الحكومات (المستقلة) التي فرغت تلك الحركات من عنصر (العدو) (الأوروبي طبعا) فأصبح بعض تلك الحركات يبحث عن مكان جديد لنشاطها، وعدو جديد أيضا. لكن أن ينتقل الصراع إلى بلادنا وأن يكون العدو هو أمريكا فهذا مثار للسؤال.. خطوط هذه المؤامرة بسيطة جدا وببساطة شعبنا والسواد الأعظم من مواطني هذا البلد الأبرياء الذين سخر الله لهم دولة من الأمن والرخاء أدخلتهم في بحبوحة من الدعة والبراءة والثقة. 1- إن أي حركة تتأسس على وجود قضية، لكن أحدا لم ينبه شعبنا إلى عدم وجود قضية هنا. 2- الحركة بحاجة إلى آلية، وما شغل شعبنا هو أن آلية الحركات اعتمدت على مشاعر دينية لمجتمع مؤمن متدين. 3- الحركة بحاجة إلى عدو مشترك، لكن كيف حولوا أمريكا إلى عدو لنا؟ سمعنا أولا من يطالب بإخراج المشركين من أرض الجزيرة، ثم فهمنا أن المقصود هو إخراج بعض المشركين، ثم الأمريكان فقط. ثم من المملكة العربية السعودية فقط، هكذا وبكل بساطة؟! والآن أصبح فينا من يتتبع كل زلة لأمريكا في أي مكان وضد أي أحد ولأي سبب دون وعي - يا سبحان الله؟ لم يذكرنا أحد بعدد المراكز الإسلامية والمساجد في أمريكا مقارنة بأوروبا القريبة منا. لم يرهق أحد نفسه بحساب المسافة بين المركز الإسلامي في لوس أنجلوس ومساجدها مثلا ومكة المكرمة، فقد تكون أبعد نقطة عن بيت الله الحرام وفي بلاد النصارى أقيم فيها بيت من بيوت الله، يعبد الله فيها بأمان. هل تتحفنا (الجزيرة) بإحدى الصور الجميلة التي نشرتها في زمن مضى لمسؤولين من هذا البلد وهم يفتتحون ذلك المركز. علنا نبكي على الأطلال؟
م. منصور الحميدان |