Tuesday 11th January,200511793العددالثلاثاء 30 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

التربية والمواطنةالتربية والمواطنة
عبدالناصر بن علي الكرت/ الباحة

الموضوع الرئيسي لملتقى قادة العمل التربوي الذي سيعقد في منطقة الباحة مطلع العام الهجري الجديد عن التربية والمواطنة.
ولأهمية هذا المحور سنتحدث بما نرى أن له علاقة بصلب الموضوع، فكلمة التربية ترجع في أصلها اللغوي إلى الفعل (ربا) يربو أي نما وزاد، وجاء في القرآن الكريم {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَت} أي نمت وزادت.
وربا في بني فلان أي نشأ فيهم.. ونقول رباه بمعنى نشأه ونمى قواه العقلية والجسدية والخلقية.. وفق ما ورد في المعجم الوسيط وهكذا يتضمن المعنى اللغوي للتربية عملية النمو والزيادة، وأن هذا النمو لا بد وان يكون من جنس الشيء.
وبالنسبة للإنسان يكون في جسمه وفي عقله وفي خلقه. وهذا المعنى اللغوي هو لب معنى التربية بالمعنى الاصطلاحي.
وهي بهذا المفهوم الواسع تتضمن كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وخلقه وجسمه باستثناء ما قد يتدخل في هذا التشكيل من عمليات تكوينية أو وراثية وتعني التنشئة الاجتماعية والفردية المتكاملة للفرد، والتربية في الإسلام تعني بلوغ الكمال بالتدريج؛ أي كمال الجسد والعقل والخلق لإعداد الأجيال الصالحة في إطار الشريعة الصافية بما يكفل سمو الأمة ورفعتها وعلو شأنها بين الأمم متحلين بخلق القرآن الكريم من منطلق قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
والتربية الإسلامية - كما هو معلوم - تستند إلى مجموعة من الأسس والركائز الرئيسية تشكل في مجملها المفهوم الحضاري والشامل للتربية: أولها التربية المتكاملة التي تهتم بالعقل والجسم معا وتخاطب الوجدان، والتربية المتوازنة بين مطالب الحياة الدنيا والآخرة، والتربية السلوكية العملية التي لا تكتفي بالقول بل تتعداه إلى العمل والممارسة التطبيقية بحيث تتطابق الأقوال مع الأفعال.. وهي تربية موجهة دائماً نحو الخير بصورة مستمرة وتربية لضمير الإنسان ولفطرته وإعلاء لغرائزه.
وقد برزت أهمية التربية وقيمتها في تطوير الشعوب وتنميتها اجتماعياً واقتصادياً.. وساهمت كذلك في زيادة قدرة الشعوب الذاتية على مواجهة التحديات الحضارية التي تواجهها.
وتبدو أهميتها في الجوانب التالية:
1 - أنها أصبحت استراتيجية قومية كبرى لكل شعوب العالم لا تقل أهمية عن الدفاع والأمن إن لم تزد عليها.
2 - أنها عامل هام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تنمية العقل البشري الذي يعد أساس تحقيق التقدم والنماء.
3 - أنها ضرورة لإرساء الديموقراطية الصحيحة بتشكيل الوعي المطلوب والتعايش الايجابي.
4 - أنها ضرورة للتماسك الاجتماعي وخلق الوحدة الفكرية التي تساعد على التفاهم والتفاعل والترابط بين أفراد المجتمع.
5 - أنها عامل هام في إحداث الحراك الاجتماعي الذي يحقق ترقي الأفراد وتقدمهم في السلم الاجتماعي.
6 - أنها ضرورة قصوى لبناء الدولة العصرية على أساس من التقدم العلمي والتقني.
أما كلمة مواطنة أو وطنية فهي مشتقة من كلمة (وطن) وهي عربية خالصة، يقول ابن فارس في المقاييس، (الواو والطاء والنون) كلمة صحيحة، فالوطن محل الإنسان، وأوطنت الأرض: اتخذتها وطنا، ويزيد الرازي في المختار فيقول: وأوطن الأرض ووطنها واستوطنها: أي اتخذتها وطنا.
وكلمة وطن وإن لم ترد في القرآن بصيغتها الثلاثية هذه، فإن مدلولها أو مفهومها الأساسي ورد بيقين مع تنوع في الصيغ التعبيرية أو اللفظية.
حيث ورد مفهوم الوطن في القرآن الكريم بلفظة (الديار) قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} وغيرها من الآيات.
كما ورد مفهوم الوطن كذلك في (صيغة الأرض المخصوصة) ومن ذلك قول الله عز وجل: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ}
والوطنية كما عرفها الكتاب العاشر لمجلة المعرفة بأنها (المشاعر والروابط الفطرية التي تنمو بالاكتساب لتشد الإنسان إلى الوطن) وبالتالي نجد أن التربية السليمة هي التي تعد للمواطنة الصحيحة للرقي بالمواطنين إلى أعلى الدرجات التي تجعلهم يشعرون بقيمة أوطانهم فيتفانون في خدمتها بالغالي والنفيس.. ويقدمون الأرواح رخيصة من أجل الوطن، وللأوطان في دم كل حرٍّ يدٌ سلفت ودَين مستحَق.
والتربية الصالحة عملية موجهة تتدخل فيها الحكومات لإعداد الأجيال على أفضل المستويات.. حيث تقوم بهذه المهمة الجسيمة في المملكة العربية السعودية عدة قطاعات منها المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية والثقافية والاجتماعية والعسكرية.. وتقف على رأسها وزارة التربية والتعليم التي تمثل الجانب الهام في العملية التربوية لأنها تتلقى الطفل من سن السادسة ويستمرون في رعايتها حتى يتجاوزوا الثامنة عشرة من أعمارهم، وهي فترة كفيلة بغرس القيم وترسيخ المفاهيم المطلوبة بصورة جلية.
ويظل من أهم واجباتها تكريس مفهوم الوطنية في نفوس الطلاب، بل يتجاوز ذلك إلى جميع شرائح المجتمع حيث تضمنت سياسة التعليم المملكة في بعض موادها وجوب الغاية بتربية المشاعر الوطنية السليمة.
ومنها المادة 79 التي تنص على (تنمية وعي الطالب ليدرك ما عليه من الواجبات وما له من الحقوق في حدود سنه وخصائص المرحلة التي يمر بها وغرس حب وطنه والإخلاص لولاة الأمر).
كما نصت المادة 97 على تحقيق الوفاء للوطن الإسلامي العام وللوطن الخاص المملكة العربية السعودية بما يوافق المرحلة.
والمادة 20 تنص على (احترام الحقوق العامة التي كفلها الإسلام وشرع حمايتها حفاظا على الأمن وتحقيقا لاستقرار المجتمع المسلم في الدين والنفس والنسل والعرض والعقل والمال) .
ونصت المادة 88 على (تدريب الطالب على خدمة مجتمعه ووطنه وتنمية روح النصح والإخلاص لولاة الأمر) .
وقد أقرت وزارة التربية والتعليم تدريس مادة التربية الوطنية في المدارس وتحرص كثيرا على تنظيم البرامج وإقامة المناشط المتعددة التي تؤصل هذا المفهوم لأن الانتماء الوطني عقيدة وشعور وإحساس فطري ينمو ويكبر بالاكتساب.
ومن المهم جدا ان نعطي هذا البعد قدرا كبيرا من الاهتمام، فبلادنا السعودية هي مهبط الوحي ومنطلق الرسالة السماوية ومنبع النور الرباني إلى العالم.. فإذا تحدث الناس من حولنا عن أوطانهم وحضاراتهم وفاخروا بأهراماتهم العجيبة أو حدائقهم المعلقة أو أسوارهم العظيمة أو أبراجهم العالية وجسورهم الحديثة، فحق لنا أن نعتز بأن بلادنا قبلة المسلمين ومأوى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أرض القداسة والطهارة والشيم والقيم التي تطبق شرع الله وتقيم حدوده.
فوطننا ليس ككل الأوطان، بل هو تاج الأوطان بما ميزه الله ومنحه من النعم الكثيرة التي تستوجب الشكر والحمد لله على عظيم فضله.. والتعاون والتكاتف بين الجميع والالتفاف حول القيادة الرشيدة.
ولأن بلادنا مستهدفة من الأعداء في محاولات مستميتة منهم لتمزيق وحدتها وتفريق كلمتها وضياع قيمتها، فإن من واجب الجميع هنا التنبه لذلك كثيراً والعمل للتصدي له بما نملك من قوة والحرص على تحصين الأجيال للوقوف ضد هذه التيارات الفاسدة والرغبات الحاقدة وإيقاظ معاني الغيرة والفداء والمروءة في النفوس، للدفاع والمحافظة على مكتسبات ومقدرات الوطن، والتوعية بأهمية دور المواطن الصالح في التعامل والتعاون والتسامح، ولعل المؤسسات التربوية هي المعنية في المقام الأول بتلك المسؤوليات وهو ما يجب العمل من أجله بصدق وإخلاص من كافة التربويين لتحقيق التربية السليمة والمواطنة الصالحة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved