* بقلم: عبد الله السنيدي : حددت الأنظمة الوظيفية سواء ما يخص الوظائف الحكومية أو وظائف القطاع الأهلي سناً معينة للالتحاق بالخدمة وسناً معينة أخرى لانتهاء الخدمة وهو ما يعرف بالإحالة على التقاعد. وتحديد سن إحالة الموظفين العموميين الذين يعملون في الأجهزة الحكومية من وزارات ومصالح وهيئات عامة أو موظفي القطاع الخاص الذين يعملون في الشركات أو المؤسسات الخاصة على التقاعد ليس موحّداً على المستوى الدولي، بل إن كل دولة تحدد السن اللازمة لإحالة موظفيها للتقاعد بما يتلاءم مع وضعها الاجتماعي والاقتصادي والسكاني والثقافي، فبعض الدول تلجأ إلى خفض سن الإحالة للتقاعد عندما يكون لديها مشكلة في التوظيف ناتجة عن كثافة عدد السكان وتزايد أعداد المؤهلين والخريجين مما يسبب زيادة الطلب على الوظائف العامة، فتجد هذه الدول ملزمة بالتصدي لهذه المشكلة، وهي بالفعل مشكلة كأداء، فإن أسوأ ما تواجهه المجتمعات هي البطالة التي قد يترتب عليها آثار سلبية خاصة إذا وقعت البطالة على أشخاص لا يزالون في مقتبل العمر وقد أمضوا مدة طويلة في الدراسة إلى أن تخرجوا من المعاهد أو الجامعات، وكان أمل كل واحد منهم بناء المستقبل وتكوين الأسرة، وبعض الدول يلجأ إلى رفع سن التقاعد، إما بسبب قلة الكفاءات وندرة اليد العاملة أو تقدم الوضع الصحي، وفي نفس الوقت تعدد وتنوع فرص العمل بسبب تطورها الاقتصادي الذي لا تعتمد فيه فرص العمل على العمل الحكومي، بل يوجد لديها فرص ربما تفوق الفرص في الجهاز الحكومي في الشركات والمصانع ونحوها من مؤسسات القطاع الخاص. وفي بلادنا تم تحديد سن (60) سنة لتقاعد الموظفين منذ وقت مبكر، وقد أثبتت التجربة مناسبة هذه السن للتقاعد، فالمملكة في وضع الوسط بالنسبة لعدد السكان، كما أن توفّر وتطور الخدمات الصحية مما يؤهل لذلك، إضافة إلى أن بلوغ الموظف هذه السن يتزامن مع بلوغه الحد الأقصى لاستحقاق المعاش التقاعدي، إذ يعتبر الموظف بعد هذه المدة من الخدمة (40) سنة محظوظاً عندما خدم بلاده هذه المدة الطويلة، وينبغي أن يكون سعيداً بذلك وألا يأسف بسبب إحالته للتقاعد، إذ إن الموظفين أمام قرار الإحالة للتقاعد فريقان: أحدهما يذهب للتقاعد وهو مسرور بعد أدائه هذه المدة من الخدمة، ولأن التقاعد سوف يفتح له آفاقاً جديدة سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى العام، بل تجد البعض من هؤلاء لا ينتظر حتى بلوغه سن التقاعد فتراه يلجأ إلى ما يُعرف بالإحالة على التقاعد المبكر والذي يتحقق بعد مضي مدة (20) سنة من الخدمة لاعتقادهم بأنهم بهذه المدة ساهموا في خدمة بلادهم في مجال العمل الحكومي وأنه حان الأوان لخدمة بلادهم في مجال آخر، وفي نفس الوقت سوف تعود إليهم الإحالة للتقاعد المبكر بالعديد من المزايا، فالموظف المحال للتقاعد المبكر سوف يجمع بين المعاش التقاعدي (نصف راتبه) والمقابل المادي الذي سوف يحصل عليه عند عمله في إحدى مؤسسات القطاع الخاص أو لعمله على حسابه الخاص، إضافة إلى أن تغيير مجال العمل فيه نوع من التجديد سوف ينعكس على نفسية وصحة الموظف وعلى برنامج حياته اليومي والسنوي، كما أن فيه خدمة لبلاده من زاوية أخرى وهي تضحيته من أجل أبناء بلاده الذين يرغبون في الالتحاق بالخدمة الحكومية. والفريق الآخر بعكس ذلك، إذ يعتقد أن التقاعد نهاية كل شيء، إذ سيؤدي التقاعد إلى فقد المركز الوظيفي والوضع الاجتماعي والعلاقات وتقدير الناس ونحو ذلك، فترى هذا الفريق يتشبث بالوظيفة ويحاول بكل جهده الاستمرار حتى ولو بتمديد خدماته بدون مقابل مادي أو بالتعاقد على وضع وظيفي يقل كثيراً عن أهمية وطبيعة عمله السابق. ليس هناك أدنى شك بأن الصواب في هذا الأمر مع الفريق الأول الذي يستقبل قرار التقاعد بصدر رحب، فالتقاعد هو سنَّة الحياة الوظيفية؛ فكل موظف كبر مركزه أو صغر سيحال للتقاعد يوماً ما، وينبغي ألا يكون التقاعد شبحاً مخيفاً، بل إنه وسام شرف ومدخل جديد وبداية سارة لحياة جديدة، فالتقاعد فيه فوائد ومزايا للموظف وللمصلحة العامة معاً. هذا وسوف نورد في النقاط التالية مزايا التقاعد للموظف وللعمل: فالموظف سوف يعود عليه التقاعد بالآتي: * إن التقاعد يعتبر فرصة للموظف للراحة والتأمل بعد هذه السنين الطويلة من الخدمة، التي كان فكره فيها منصرفاً لعمله حضوراً وأداءً. * إن في التقاعد فرصة للترابط الأسري ورعاية الأولاد والتحدث إليهم ومتابعة دراستهم ورعاية شؤون المتقاعد الخاصة حتى والاهتمام بصحته. * إن في تقاعد الموظف وتفرغه فرصة للتقرّب إلى الله عزَّ وجلَّ وزيادة أعماله الصالحة والتعويض عما فاته من ذلك في السنين الماضية، وصلة أرحامه وبر والديه. * سيمكن التقاعد الموظف من تحديد أصدقائه الذين يأنس إليهم ويعتمد عليهم، والذين لم تكن صداقاتهم به لمصالح خاصة لهم بحكم مركزه أو عمله الوظيفي. * يعتبر التقاعد لمن يرغب في مواصلة العمل نهاية مرحلة من العمل وبداية مرحلة جديدة في القطاع الخاص، إما العمل مقابل راتب في إحدى مؤسسات القطاع الخاص أو بقيامه بإنشاء منشأة خاصة به، إذ إن فرص العمل في القطاع الأهلي كثيرة جداً، ويتضح ذلك من مجالات العمل المربحة التي تدار من الإخوة المقيمين، كما أنه سوف يساهم بذلك في مجال سعودة الوظائف الأهلية. أما مزايا تقاعد الموظفين على مصلحة العمل فمتعددة، ومن ذلك: * إن في تقاعد الموظفين بعد شغلهم مراكزهم مدداً طويلة فرصة للتغيير والتجديد في إدارة المراكز من أشخاص يتسمون بالحيوية والنشاط والتأهيل والكفاءة. * إن شغور وظائف المتقاعدين سيساهم في زيادة فرص العمل لراغبي الالتحاق بالوظائف العامة من المواطنين الآخرين ومنهم الخريجون الجدد من الجامعات والمعاهد المتخصصة. * إن إشغال وظائف المتقاعدين بأشخاص جدد سيؤدي إلى تطوير أساليب إدارة هذه الوظائف مما سينعكس على الخدمات التي تقوم هذه الوظائف بتقديمها للمواطنين. هذا والله ولي التوفيق.
|