Sunday 9th January,200511791العددالأحد 28 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

المواطَنَة.. نظرة في العمقالمواطَنَة.. نظرة في العمق
إبراهيم بن علي اليحيى (*)

حينما تغنى ابن الرومي بأبياته الشهيرة:


وحبب أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذلك
قد ألفته النفس حتى كأنه
لها جسد إن بان غودرها لكا

لم يكن ليلمه أحد بل إن الجميع ربما يوافقه تلك التجربة وتلك الأحاسيس والمشاعر لا لشيء وإنما لتلك الغريزة وتلك الفطرة.
ولا أدل على ذلك من تعلق القلوب بالصحاري المقفرة والأجواء المغبرة والأوطان الحارة كل ذلك لأنه ولد فيها المرء ودرج وقف صلى الله عليه وسلم على الحزورة فقال: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت) رواه الترمذي.
وقد جاء الشرع بتصديق هذا الحب والتعلق بالوطن فهو لا يمانع أن يصدع الشاعر ملحناً بحب وطنه وتعلق قلبه فيه وحنينه إلى ترابه وتمنيه استنشاق هوائه والعيش في كنفاته ولا يمانع أن يتكلم متكلم عن هذا الحب والهيام بتلك الأرض وأن يسعى لعمارتها وتقدمها بل هو مندوب لذلك، ولذا وردت الأحاديث الكثيرة في عمارة وإحياء الموات (من أحيا أرضاً ميتة فهي له). ووردت الأحاديث الكثيرة في الترغيب بالزرع وبيان أجره (ما من مسلم يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو حيوان و طير إلا كان له به أجر) كل ذلك لعمارة الأرض التي استخلف الله بها بني آدم لينظر كيف يعملون.
إن الذين يحافظون على مكتسبات الوطن هم الذين يحققون أمر الله {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}. والمواطنون حقاً هم الذين يقيمون شرع الله في أنفسهم وعلى أرضه لئلا يظهر فيها الفساد وتعم الفوضى والهلاك وأعظم الفساد في بر الوطن وبحره وجوه ذلك السيل الجارف من الذنوب والمعاصي التي تنشر أنواع الفساد الصحي والاجتماعي {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}.
إنه لا أبر لوطنه وترابه من أولئك الذين يقيمون شرع الله في أرضه ويحيون الناس بذكره وأمره لأنهم يحافظون على وطنهم ومكتسباته وطاقاته من الهلاك والفناء {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} إذاً لابد من التنشئة والتربية على حب الوطن ويأتي ذلك بالخطوات التالية:
1 - زرع العقيدة الحقة التي تجعل ولاءهم لله وحبهم لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
2 - تركيز العزة في قلوبهم وإباء الضيم ورفض الظلم وتعزيز الدفاعية في نفوسهم ضد أي اعتداء على الممتلكات والأعراض والحقوق (فمن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد).
3 - نشر التآلف والتصافي وحب الخير للمجتمع المسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
4 - تحفيزهم للمشاركة في البناء الفعال في لبنات المجتمع من جميع طرق الخير البناء من الأعمال المتعدي نفعها إلى المجتمع (فإماطة الأذى عن الطريق صدقة وتعين صانعاً صدقة أو تصنع لأخرق صدقة).
5 - إن مؤسسات المجتمع هي ملك الجميع ويستفيد منها الجميع ولا يجوز بحال من الأحوال أن تكون هناك محاباة للبعض على الآخر مما يحفز الحقد ليجد له متنفساً في مجتمع تعب أبناؤه في بناء صرحه الشامخ.
6 - عدم إذكاء العصبية لجنس أو شعب أو لون أو اتجاه فميزان التفاضل{أَتْقَاكُمْ} وليس للصورة أو الجسم أو المكانة مكان.
7 - الوطن ليس حفنة تراب أو مجموعة لبنات صماء وإنماء هو مبادئ وتعاليم وأخلاق تسود فيعلوا بناء النفس مما يمهد لعلو بناء المدن وهو عمل ورقي وإنتاج يصنع النفس فتصنع النتاج والإنتاج بكل دقة واقتدار.
وقفة
في الآونة الأخيرة طغى شعار الوطنية والمواطنة ولاكته الألسنة مستسيغة أو مستفيدة أو مستغلة، ولعل هناك من يدعي الوطنية والمواطنة وهو أبعد الناس عنها حيث إنه يجر النشء والمجتمع إلى التعلق بتقاليد الغرب وعاداته من حيث إعزازها وإكبارها وتلميعها وتزويقها، مما يجعل النشء قالباً لعادات وطنه وتقاليده ذات الأصول العربية الإسلامية. إنه لابد من إعادة النظر في نظرتنا للوطن والمواطن من نظرة تصلح الأرض ولا تفسدها.
(*) عضو اللجنة الثقافية بالرعاية الأسرية بجمعية البر الخيرية ببريدة
ص ب 13200 - بريدة 81999

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved