أطلِقْ لأشواقِ القلوبِ خيالَها
ريّانةً تسقي الجمالَ جلالَها
وضَّاحةً كالفجر تُشرقُ بالسَّنا
وتذيبُ في أُفْقِ الضياءِ جمالَها
تستقبلُ الدنيا وتبسطُ فوقها
أملاً يحقِّقُ للنفوسِ كمالَها
ويحفّها بحنانِهِ ويضمُّها
ويزينها طُهْراً ويصلح بالَهَا
ويجاورُ الأفلاكَ في عليائِها
ويحاورُ الأصدافَ يكشفُ حالَها
ما مَالَ عنْ نهجٍ علا مُذْ حازَهُ
أوْ خالفَ الأسرارَ منذُ أنالَها
آليتُ أنْ أفْدِي حِماهُ بخافقٍ
عشقَ المكارمَ واستطابَ مجالَهَا
وطوى الصباحَ على الصباحِ بشائراً
وطوى المساءَ على المساءِ فنالَها
ومضى فأدركتِ السُّرى أحوالَهُ
ومضى فأدركَ في السَّنا أحوالَهَا
يقضي بأوطارِ المواثقِ عمرَهُ
ويودّ لو يقضي الحياةَ حيالَها
لمْ يشْفِ منْ ألقِ الضياءِ غليلَهُ
إلا وحطَّمَ في الدّجى أغلالَهَا
وأقامَ فجراً من بقايا ظلمةٍ
وأزاحَ عنه يمينَها وشِمالَها
أوفى على أفْقِ الضياء بعزمِهِ
ووفى العلا أسبابَها ونضالَها
وأنالَها أجلاً يطيبُ لباذلٍ
والناسُ تُمسكُ خيفةً آجالَها
ومضى يحلِّقُ في السماواتِ العلا
شغفاً يجوبُ جنوبَها وشَمالَها
تقفُ السّراةُ اليومَ موقفَ بهجةٍ
ويعانقُ النجمُ السنيُّ جبالَها
طربتْ ورُبَّ بشارةٍ نهضتْ بها
مُهُجٌ وراحتْ لا تملُّ وِصالَها
نشرتْ لأهلِ الفضلِ كلَّ فضيلةٍ
وأرتْ نواميسَ العلا أفضالَها
واستقبلتْ غُرَرَ الكرامِ بغُرْةٍ
وضَّاءةٍ تُهدي الضحى إطلالَها
وترى العيونَ لدى العيونِ تشاكلتْ
لم تُخْفِ منْ وهْج السنا إشكالَهَا
جاءتْ فقالَ المجدُ: دونَكِ فاكتُبِي
عنِّي عيونَ المجدِ أو أوْحَى لها
وتسابقتْ والبرقُ يلهثُ إثرَها
ويودُّ لوْ عبرَ الأثيرَ خلالَها
لمْ تجتمعْ منْ أجلِ دنيا تنتهي
عنها وترحلُ تستحثُّ رِحالَها
أوْ مغنمٍ أوْ مغرمٍ أوْ مطمعٍ
أو لذةٍ يسقي الخَّنا أوْحَالَها
بلْ أقبلتْ والشوقُ يرفعُها إلى
أفْقٍ يُبينُ حَرامَها وحلالَها
وتجاوزتْ عقباتِ شُح خلْفَها
إذْ جاوزتْ أفعالُها أقوالَها
لتُقيمَ للخيرِ العظيمِ مَنائراً
تعلو وتُعلي بذْلَها وفعالَها
وتقولُ للدنيا: يميني قدْ جرتْ
تطوي الفلاةَ سهولَها وتلالَها
إنَّ المواهبَ لا تجودُ حبيسةً
فابذلْ وجلّ على الزمانِ صقالَها
وامددْ يداً تُزجي النوالَ مودةً
وأقمْ بها مجداً وفكَّ عِقالَها
واصعدْ بها نحوَ السماءِ وطُفْ بها
هذا الفضاءَ وصِفْ لهُ أفعالَهَا
تروي بها فصلاً وتكتبُ سيرةً
لندى النفوسِ تقحّمتْ أهوالَها
وتبثّ منْ بِر وحُسْنِ طويةٍ
بشرى تعمّ نساءَها ورجالَها
كالشمسِ تمنحُ كلَّ حي نورَها
لا ترتجي منهُ الغداةَ سؤالَها
بشرى مجنحة تكادُ وقدْ سَمَتْ
تسقي العوالمَ بدْرَها وهلالَها
يزكو بها ولدٌ ويسعدُ والدٌ
وتنالُ والدةٌ بهِ آمالَها
وتطيبُ نفسٌ بالصِّلاتِ توثقتْ
ومضتْ تلاطفُ عمَّها أو خالَها
وتُذيبُ منْ إحساسِها كأسَ الرضا
حتى تُقيمَ على الصفا عُذَّالَها
وترى الضمائرُ وُدَّها وترى بهِ
عبرَ المشاعرِ ما يَزِينُ خصالَها
خُلقاً حميداً في السلوكِ ومثلُهُ
في كلِّ نفسٍ تصطفي أمثالَها
لمْ تدخرْ في النازلاتِ عطاءَها
أوْ تدخرْ عندَ النزالِ نصالَها
أوْ تَسْتَكِنْ ورتاجُ صُلحٍ مُوْصَدٍ
يحتاجُ شهماً يستفيقُ: أنا لَهَا
وطريدُ يُتْمٍ كادَ يهْلَكُ بائساً
والأرضُ تُخرجُ حولَهُ أثقالَها
تجفو الحياةُ وقدْ رأى إدبارَها
عنْ ناظريهِ وما رأى إقبالَها
حتى أتَتْهُ وليسَ يعرفُها يدٌ
ليستْ تمنُّ ولا ترى إدلالَها
لتقيمَهُ رَجُلاً يصولُ ويبتَنِي
مجداً ويأنفُ بعدَها إذلالَها
ويصارعُ الأحداثَ ثمَّ يصوغُها
نُعْمَى تطيبُ ولا يخافُ زوالَها
وترى كتابَ اللهِ تتلو آيهُ
أُسْدٌ تقيمُ على الهُدَى أشبالَها
حفظوهُ واجتمعوا ليَحْفَظَ سعْيَهُمْ
واللهُ يحفظُ للورى أعمالَها
طابتْ غداتُهُمُ وطابَ أصيلُهُمْ
إذْ أفسدتْ غصصُ الهوى آصالَها
وسُقوا الهدايةَ فاستقاموا واهْتَدَوْا
ويدُ الضلالةِ تقتفي ضُلاَّلَها
وتَعبُّ هذي منْ معينٍ سَلْسَلٍ
وتعبُّ تلك على القذاةِ وبالَها
وترى على أفْقِ الندى يدَ مُحْسنٍ
للخيرِ زكّتْ بالمكارمِ مالَها
ليستْ تذلُّ ولا تُهانُ أمامَها
مَنْ عانتِ الأيامَ أوْ إقلالَها
تبني على هممِ النفوسِ كِيانَها
وتجبُّ حاجتَهَا وتقطعُ آلَها
وتقيمُها ذخراً لكلِّ خبيئةٍ
تدري بأنَّ الفقرَ لنْ يغتالَهَا
بلْ تُحسنُ النجوى وتبذلُ جُهْدَها
وتُميّزُ البخّالَ أو بُذَّالَها
وترى التعاونَ يستقيمُ بدعوةٍ
خلصتْ فأخلصتِ النفوسُ منالَها
هذا الكمالُ.. وهذه ساحاتُهُ
هذي.. مسائلُهُ.. فكُنْ سَأْآلَها
هذا هوَ الخُلقُ الكريمِ زَهَتْ بهِ
دنيا العلا.. إذْ تصطفي أبطالَها
وبهِ النفوسُ سمتْ إلى أفْقِ الندى
مُذْ رددتْ هذي الجبالُ مَقَالَها
أفْقٌ يسطِّرُهُ ويرفعُ قدْرَهُ
شرفٌ وتُلبسُهُ العقولُ عِقالَها
طُوبى لمَنْ نشرَ المكارمَ جاهداً
ولمَنْ سعى فيها ومَنْ لبَّى لَها