Wednesday 5th January,200511787العددالاربعاء 24 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

الإسكان الخيري.. بدائل مقترحةالإسكان الخيري.. بدائل مقترحة
د. محمد بن علي آل خريف (*)

جميلٌ أن تتضافر الجهود الرسمية والأهلية الخيّرة لتجسيد التكافل الاجتماعي الإسلامي في مشاريع تنموية تعنى بذوي الفاقة والعوز، وفق منظومة مؤسساتية راقية تؤتي ثمارها يانعة يشهدها الكافة.. فقد غدا العمل المؤسسي المنظم ضرورة ملحة لكل نشاط خيري؛ نظراً لاتساع الحاجات وضخامة الإمدادات الخيرية المباركة في هذا الوطن المعطاء. ومع تعدد المناشط الخيرية في بلادنا بحمد الله فسيكون حديثي متركزا على جانب مهم من هذا النشاط، والذي يعد مبادرة حديثة في عمرها الزمني، لكنها بمنظور الإنجاز الذي حققته تقدمت على كثير من المناشط الخيرية المماثلة، وهو ما يتمثل في المشاريع الإسكانية الضخمة، التي عمت أرجاء بلادنا وذلك بفضل الله ثم بجهود المخلصين الذين يعملون بصمت، لا يرجون سوى الأجر والثواب.. لا حرمهم الله منه.
إنَّ السكن بالنسبة للإنسان خاصة في هذا العصر يعد من أهم ضرورات الحياة؛ فهو مأوى الأسرة وملاذها، تأنس في جنباته وتستشعر استقرار الحياة بدفئه.. فمتى ما تحقق السكن للفرد هانت باقي المتطلبات وتيسر تحقيقها.. فإذا توافر السكن لربِّ الأسرة وله دخل معقول يكفي مصاريف عيشه تيسرت باقي أموره الأخرى.. لذا فإنه حري بنا أن نشد على أيدي القائمين على هذا المشروع بالدعم المادي والمعنوي والمشورة المخلصة والجهد التطوعي المباشر معهم، كل حسب قدرته. ومن هذا المنطلق فسأعرض في هذا الإطار بعض الأفكار التي أحسب أنها بإذن الله ستساعد على تطوير وتنويع برامج الإسكان الخيري بما يلبي احتياجات ورغبات جميع المواطنين الذين تنطبق عليهم شروط استحقاق الحصول على الإسكان الخيري.. فأقول ابتداء: إن الشرع قد راعى عند تلمس حاجات الناس وعوزهم الحفاظ على مشاعرهم ومراعاة ذوي الهيئات والمنازل الاجتماعية المختلفة منهم، فنهى عن إتباع الصدقة بأي سلوك ينمّ عن مشاعر المنّ والأذى، كما نهى عن نهر المسكين أو تعنيفه.. كل ذلك حفاظا على كرامة المسلم من الانتقاص والخدش. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أناساً لا يسألون الناس إلحافا، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف! وما أكثرهم في مجتمعنا، ولكن للأسف فإن شغب بعض المتحايلين وبعض المحتاجين الدهماء قد ألهى أهل الخير عن تلمس معاناة هذه الفئة النبيلة، التي تعصرها آلام الحاجة دون أن يلتفت لها أحد، ليس لغنى بها ولكن لأنها لا تجيد الصراخ وقرع الأبواب، أو تستنكف عنه لحياء وتعفف تستحق معه تلمس احتياجاتها والوقوف معها بأسلوب راقٍ يسد حاجتها، وفي نفس الوقت يحفظ عليها كرامتها وتعففها الذي يعد مكسبا تربويا للمجتمع حتى لا تجتاحه حمى التسول الذي لا يلوي على شيء. فحقيق بنا أن ندرك هذه المعاني الجليلة في كل مشروع خيّر نطرق أبوابه.. وحري بنا آكد بأن نغرس هذه المعاني في نفوس القائمين على المشاريع الخيرية حتى يراعوها فتكون لهم سلوك يومي عند تعاملهم مع المحتاجين الذين يتعاملون معهم.. وبناء عليه أقول: إن كثيرا ممن يحتاج للإسكان الخيري قد يأنف منه وهو بهذه الصورة في مجمعات سكنية معروفة لكل أحد أنها إسكان خيري، ليس لكبر أو غنى بل لدواعٍ اجتماعية لا ينبغي لنا أن ننكرها أو نتجاهلها إذا ما أردنا لهذا المشروع المبارك أن يعمّ نفعه جميع الفئات والشرائح المحتاجة من أبناء الوطن، وفق معايير تراعي هذه الأبعاد الاجتماعية الواقعية. وينبغي أن تكون برامجنا الخيرية مكتسية بالبُعد الإنساني الذي تصحبه المرونة الإدارية والافق الواسع، الذي يعي هذه المعايير ويقدرها حق قدرها بما يحقق الأهداف المرتجاة على أوسع نطاق وبأعلى مستوى من الأداء.
ولعلاج هذا الجانب المهم فإني أقترح تنويع مشاريع الإسكان الخيري وألا تُحصر في إنشاء المجمعات السكنية الموحدة، بل يتعدى ذلك إلى إدماج شريحة مختارة من المستفيدين داخل الأحياء السكنية في كل المدن وفق ضوابط محددة تراعي ما أسلفنا ذكره من اعتبارات.. واقترح مثلا لا حصراً توفير مساكن مناسبة عن طريق شراء بعض الفلل القديمة نوعا ما داخل الأحياء وصيانتها ومن ثَمّ توزيعها، أو شراء بعض العمائر السكنية ذات الشقق المتعددة في أحياء مختلفة وتوزيعها على المستفيدين حسب الضوابط الموجودة.. وبهذا نتلافى كثيرا من السلبيات التي قد تنتج عن حصر المستفيدين في مجمعات سكنية معروفة وذات مواصفات شبه موحدة.. هذه السلبيات التي في رأيي لن تتوقف على النمط المعيشي المختلف بين الفئات التي قد تفتقر للتجانس الاجتماعي المتوازن وما سيفرزه ذلك من ظواهر سلبية اجتماعية أو أمنية يحتاج توصيفها والقطع بمستوى حجمها إلى رصد ومتابعة بحثية ميدانية علمية. لا يمكن أن نتجاهل هذا الوضع ونحن نعلم أن كثيرا من الأسر قد أرهق كاهلها تكاليف الإيجار سنين طويلة فآثرت الصبر على التنازل عما ترى أنه يعرضها للانتقاص في أعين الآخرين.. ومهما وافقناهم على هذا التعلل أم لا فإن المبدأ الشرعي يقتضي منا أن نوليه اعتباره ولا نحرم بمقتضاه فئة عزيزة علينا وقفة كريمة تسد حاجتها وتحفظ عليها كرامتها، طالما نالت منا القناعة منتهاها بحاجتها لهذه الوقفة دون أن يغيب عنا وكما ذكرنا أهمية ذلك في ترسيخ البُعد التربوي لهذه الجوانب.
وفي الختام أبدي استعدادي للتواصل مع الأخوة الكرام القائمين على هذا المشروع المحمود بما يحقق تلاقح الأفكار والرؤى، وصولاً إلى التطوير المنشود لأعمال الخير.. عسى أن ينال ما سطرناه القبول. والله الموفق.

(*) فاكس: 4272675 - ص ب: 31886 الرياض 11418

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved