الاستثمار المحلي ضحية للبيروقراطية الإدارية، القطاع الخاص يخضع لرحمة منفذي الأنظمة، الاستثمارات الاجنبية تحتاج إلى مرونة وتسهيلات جذابة، المنافسة الإقليمية تفرض حالة من الفقه التنظيمي والنظامي حتى لا نفقد الفرصة في الحصول على رأس المال الأجنبي وحتى لا نخسر رؤوس أموالنا الوطنية، مقولات تتردد في كل محفل اقتصادي وفي كل لقاء علمي ومع ذلك لا نجد أثراً عملياً على أرض الواقع، ولا نجد تجاوباً ملحوظاً من الجهات الحكومية المعنية وفي مقدمتها بالطبع وزارة المالية، ففي الوقت الذي نجد فيه الدول المجاورة تتسابق على دعوة رجال الأعمال السعوديين لزيارتها وتقديم كل أشكال التسهيلات الضريبية والمالية والإدارية لهم، نجد أن البيروقراطية الإدارية لدينا ما زالت تحرص على المحافظة على التطبيق الحرفي لأنظمتنا الاستثمارية التي سُنّت في بيئة اقتصادية وتحت غطاء متغيرات محلية وإقليمية ودولية مختلفة عن واقعنا الحالي مما عطل فرص التوسع في الاستثمارات المحلية وحدّ من فرص استغلال الموارد المتاحة بما يعود على اقتصادنا الوطني بالفائدة بالمنشودة. هذه البيروقراطية الإدارية والمالية هي التي أبقت الكثير من الأراضي الاستثمارية معطلة، وهذه البيروقراطية هي التي تجعل مطبقي الأنظمة أكثر حرصاً على تحصيل أجرة الأرض الاستثمارية منه على تقييم الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي ترتبط بإقامة المشروع الاستثماري ومردود ذلك على مستوى تنمية الوطن ورفاهية المواطن. هذه البيروقراطية هي التي جعلت الدول المجاورة تتسابق إلى تقديم الأراضي الاستثمارية بالمجان أو بالتأجير لآجال طويلة تصل إلى تسع وتسعين سنة ونحن ما زلنا نعتقد أن الأجرة المباشرة التي تدخل خزانة الدولة أكثر جدوى من المردود الإيجابي الذي يعود على الاقتصاد الوطني سواء من خلال فرص العمل التي ترتبط بالمشروع الاستثماري أو من خلال الاستغلال المناسب للموارد التي ستظل معطلة إن نحن عطلنا الفقه النظامي وغلبنا البيروقراطية الإدارية، هذه البيروقراطية الإدارية هي التي حرمت الكثير من المناطق الأقل نمواً في المملكة من الاستثمارات الوطنية وعطلت فرص تنمية الدخل القومي الوطني وتحسين مستوى رفاهية المواطن في تلك المناطق خاصة إذا علمنا أن المستثمر الوطني لن يذهب لهذه المناطق دون أن يحظى بتسهيلات اضافية تفوق تلك التي يحصل عليها في المناطق الكبيرة التي تشتكي من تزاحم الاستثمارات وتدافع رؤوس الأموال على الفرص الاستثمارية المتاحة. هذه البيروقراطية الإدارية التي يتبناها بشكل غريب بعض مسؤولي القطاع العام ستسهم بلا شك في زيادة حدة الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني وستحد من قدرة هذا الاقتصاد على مواجهة التغيرات الإقليمية والدولية وستضيف إلى المجتمع السعودي العديد من المشكلات الأمنية والفكرية والمجتمعية التي نتطلع جميعاً إلى مواجهتها بفاعلية وكفاءة عالية, فإذا كنا نحتاج إلى النظام لضبط حركة عناصر الإنتاج والاقتصاد الوطني ونحتاج إلى النظام لتحقيق وتغليب المصلحة العامة، فإننا قطعاً لا نحتاج إلى النظام الذي لا يزن الأمور بميزان المصلحة العامة ولا يتسم بالمرونة النظامية التي تسمح بأخذ المتغيرات المحيطة في الاعتبار عند الرغبة في بناء القرار الاقتصادي والاستثماري. ومن هذا المنطلق فإنني أدعو المجلس الاقتصادي الأعلى لمزاولة صلاحياته في مراجعة الأنظمة والتعليمات وعدم ترك الأمر برمته تحت تسلط البيروقراطية في بعض الجهات الحكومية حتى نحقق للقطاع الخاص لدينا الميزة النسبية التي تمكنه من المنافسة المحلية والدولية التي تحول دون هجرة رؤوس الأموال، وتسهم في دعم مكونات الناتج المحلي الإجمالي. وفي اعتقادي أننا وبشكل عاجل نحتاج إلى طرد الحساسية التي يشعر بها بعض موظفي القطاع العام تجاه رجال الأعمال وأن نسمع رأي رجال الأعمال المخلصين المؤثرين ونشركهم بشكل أكبر في وضع الترتيبات النظامية والتنظيمية التي تحكم الاستثمار المحلي بمجالاته المختلفة وأن ندرك خطورة التباطؤ في مواجهة هذه البيروقراطية على مستقبلنا الاقتصادي وعندها فقط سنحفظ لوطننا مقدراته وسنحرم الآخرين فرصة الاستفادة من أخطائنا. فهل يتحقق ذلك؟ الله أعلم.
|