خامرني شعور التردد في الأسبوع ما قبل الماضي في حضور افتتاح أول سباقات التصفية التمهيدية لدورة عز الخيل الجماهيرية (برماح) ووجدتني أتوكأ على عذر الانشغال بالتحضير للعدد الذي سنصدره غداة سباق كأس سمو ولي العهد بالجريدة.
صحيح أنني عضو في لجنة دورة عز الخيل وصحيح أن حصاني - رعاه الله - كان من ضمن المشاركين في ذلك السباق ومرشحاً للفوز في شوطه الرئيسي.
ومع كل ذلك كدت أستكين لدغدغة البرد واختلاق الأعذار.. لولا مقولة طرأت على ذهني لفقيد الفروسية سمو الأمير أحمد بن سلمان، رحمه الله وأغدق عليه من شآبيب رحمته وجمعنا وإياه في جنة الخلد.. آمين.
لقد قال الأمير الراحل بأن السباقات التي تشارك فيها جياده دون حضوره لا يكون لها ذلك البريق وتلك الفرحة التي تمتلك مشاعره إذ كان حاضراً وساوى الأمير بين غيابه وبين مشاهدي السباق في التلفزيون فكلاهما غياب في نظر سموه.
مقولة لا تأتي إلا من عاشق مشهام بالخيل والفروسية، ومشاعر لا يفهم عمقها إلا من عاش ذلك الوجد وملأ شغاف قلبه به.
لقد كان سموه يقطع آلاف الأميال إلى أمريكا ومن ولاية إلى أخرى لمتابعة سباقات جياده في عشقه الفريد الذي لم تقف مسؤولياته الجسيمة والعديدة التي كان يتولاها رحمه الله وأهمها رئاسته لأكبر امبراطورية صحفية عربية حائلاً دون مشاهدة ذلك الشعار الأخضر وهو دوماً خفاق في تلك المحافل التي سطرتها جياده العالمية في سجلات تلك الميادين وبأحرف من ذهب.
بعد تذكري تلك المقولة وجدت نفسي في طريقي من موقع الجريدة باتجاه ميدان رماح الأنيق برماح الجميلة وما ان وصلت موقع الميدان حتى وجدت أمامي رئيس النادي فلاح أبو ثنين مبادراً بالترحيب وعاتباً على تخلفي عن الغداء الذي أقامه على شرف ضيوفه الذين جاءوا من مناطق المملكة كافة لحضور السباق.
وقبل أن أبدي اعتزازي عن تخلفي - المبرر - عن هذه السمة الفريدة التي تميزت بها دورات عز الخيل، حيث تجمع العديد من ملاك الخيل من بعض مناطق المملكة يلتقون خلالها ويجددون صلاتهم أثناءها.
سرح خيالي إلى هذه الدورة الشامخة التي شارفت على إكمال عقدها العاشر وما تجده من دعم راعيها وسندها سمو الأمير سلطان بن محمد لجميع فعالياتها.
جلست متابعاً بقية أشواط الكرنفال وشاهدت التنظيم المبسط في الميدان خلال ذلك اليوم الممطر (جو الطلعات) وعايشت تراحيب أهل رماح بالمشاركين حيث دفء المشاعر البدوية الرائعة، والأخلاق الرفيعة المبادرة إلى الكرم والحفاوة والاهتمام بكل زائر.
ومع انطلاقة الشوط الرئيسي كنت في ذلك الوقت المالك الذي تحول خفقانه المتزايد إلى زملة (وفي شدة البرد) بعد ان قدم مقام العز - رعاه الله - نهاية سباقيه ولا أجمل ولولا لجوء المحكمين إلى كاميرا التلفزيون لصعب عليهم إعلان أول المتأهلين الذي كان لمقام العز.. فكنت أول المهنئين لمالكي الجواد البطل.. وراضياً بالحظ السعيد الذي أتاح لي حضور هذا النهائي المثير الذي ذكرني بسباق (الشبل) الشهير في نفس هذا الميدان قبل سنوات مضت.
يا سبحان الله. كم كنت سأفتقد روعة ذلك (الفوتوفنش) المثير حتى ولو شاهدته فيما بعد وعلى أكبر شاشات العرض التلفزيونية بالميدان الرئيسي !!
وكم سيفتقد أولئك الغائبون عن سباقات جيادهم تلك الونسة التي لا يمكن وصفها بل كم سيخسر أولئك الذين لا يعرفون نتائج خيلهم إلا من خلال مهاتفات ورسائل الجوال.
أما أولئك الذين دخلوا مجال التركيض من قبيل (البرستيج) أو المتاجرة أو المصالح المؤقتة فلا ألومهم لأن الهواية وكما يقول دايم السيف (تمتلك رجالها).
رحمك الله يا أمير المقولة والرؤية.. رحمك الله وأجزل لك المغفرة وواسع الرحمة، فقد حفرت اسم (أحمد بن سلمان) في ذاكرتي وذاكرة كل فروسي عاشق للأصايل بما بذلت وما عملت، وما قلت.
المسار الأخير:
كم واحد ما شتمته لجل ما أعطاني
وكم واحد ما مدحته لجل يعطيني |
|