Friday 31th December,200411782العددالجمعة 19 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

أعرف الحق تعرف أهله أعرف الحق تعرف أهله

كتب الأستاذ فاروق با سلامة مقالاً في عدد (20 شوال 1425هـ) من صحيفة الجزيرة بعنوان (أنظر إلى من قال .. لا إلى ما قيل) .. أعطى فيه أهمية كبيرة للقائل وجعله الأساس لقبول القول، ثم عاد وأعاد الاعتبار للقول أيضاً، وبذلك صار العنوان إلى (انظر إلى من قال .. وانظر إلى ما قيل).
وأستسمح الكاتب بهذا التعقيب على مقاله، ومنه أستفيد:
إن من حق العنوان أن يعكس فيقال (أنظر إلى ما قيل .. لا إلى من قال) ومن ثم يستدرك بإعادة الاعتبار للقائل، أي أن الأساس الثابت هو (القول) الذي يكون (حقاً) أو (باطلاً) بصرف النظر عن القائل الذي يأتي ثانياً في الأهمية، وهذا الذي اشتهر من كلام الإمام مالك بن أنس رحمه الله (كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر) صلى الله عليه وسلم.
إن الثبات في القائل في حالتين فقط، الأول: أن يكون قرآناً يتلى فلا قول لأحد مع قول الله تعالى. والثاني أن يكون حديثا صحيحاً من الرسول صلى الله عليه وسلم، وإليه أشار الإمام مالك، وبه أمر الله تعالى إذ وصف نبيه:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وقوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}. ومن ثم لا يأخذ أي قول مشروعيته ومكانته وأهميته إلا بمقدار موافقته لقول الله، ولقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة بالقائل مهما كانت مكانته الاجتماعية أو العلمية وما أشبه ذلك مما عده الصديق العزيز فاروق با سلامة من مكانات تبرز صاحبها.ولقد أسس هذه القاعدة أئمة الفقه الذين ورد عنهم ما معناه: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط. كما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (اعرف الحق تعرف أهله) ومنه قيل (لا يعرف الحق بالرجال إنما يعرف الرجال بالحق)، والحق هنا (القول) والرجل هو (القائل) أو من غيره: إن تكريس قاعدة (انظر إلى من قال) أمر خطير يؤدي إلى تقديس الرجال، ومنه ينشأ التعصب المذهبي أيّاً كان المذهب دينياً أو سياسياً أو تربوياً ... إلخ. ومثل هذا التعصب يعد إحدى المشكلات التي يعاني منها الدعاة والمصلحون في كل زمان ومكان.
لو أعدنا النظر إلى معادلة القول والقائل بحذف أحدهما لرجحت كفة القول . فالحكم والأمثال التي تمتلئ بها بطون الكتب ونقلت جيلاً عن جيل يُستفاد منها دون معرفة قائليها. ولكن ما فائدة أن نعد أسماء مئات الحكماء دون أن نعرف أقوالهم؟!
أخرج أبو داود في باب لزوم السنة برقم (4611) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (أحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق. فقيل لمعاذ: ما يدريني أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق يقول كلمة الحق؟
قال: اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال: ما هذه؟ ولا يثنيك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع، وتلقَّ الحق إذا سمعته فإن على الحق نوراً).
ثم إن المكانة الاجتماعية لا عبرة لها إذا لم تتوافق مع مقتضيات الشرع، وكثيراً ما ينخدع الناس بالمظاهر، ويدلَس عليهم، وفي عصرنا عبرة لما يفعله الإعلام من تزوير للحقائق على سمع العالم وبصره.وفي القرآن الكريم أمثلة (الملأ) ذوي المكانة الذين صدوا رسل الله في كل أمة من الأمم حتى قالوا { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}. وقال مشركو مكة {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}، وذلك كله لأنهم نظروا إلى القائل من المنظار الاجتماعي المزيف القائم على أسس دنيوية متغيرة، وليس على أساس ديني ثابت هو { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
أعتقد أن ما قدمته كافٍ لإيضاح فكرة تقديم أهمية القول على أهمية القائل إذا كان لا بد من حذف أحد الطرفين. ويمكن ترتيب أربع معادلات من الطرفين على الشكل الآتي:
* القول الحكيم من القائل ذي المكانة.
* القول الخطأ من القائل ذي المكانة.
* القول الحكيم من قائل لا مكانة له.
* القول الخطأ من قائل لا مكانة له.
فأعلى هذه المعادلات أولاها، وأخطرها ثانيتها لأن فيها فتنة وهي ما سماها الصحابي الجليل معاذ بن جبل (زيغة الحكيم). والثالثة يستفاد منها ولا عبرة بالقائل. والأخيرة ظاهرة الهوان ويحتمل الموضوع توسعاً أكثر.
والله الهادي إلى سواء السبيل.

شمس الدين درمش/الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved