لقد كان العرب في الجاهلية يتبادلون التحايا فيما بينهم فيقولون مثلاً.. حييت مساءً، أو عم صباحاً، أو انعم بك مساءً.. فلما جاء الإسلام استبدلها ب(السلام عليكم) أو (السلام عليكم ورحمة الله) أو (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) والرد عليها بالزيادة على كل منها ما عدا الأخيرة فلم تبق زيادة لمستزيد، فالرد على الأولى (وعليكم السلام ورحمة الله) والرد على الثانية (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) والرد على الثالثة (وعليكم..).. إذ انها استوفت كل الزيادات.. فترد بمثلها.
السلام عليكم.. تحية الإسلام.. وتحية دار السلام.. تحية متفردة متميزة خصَّ الله تعالى بها المجتمع المسلم وجعلها سمة تقوى بها العلاقات والارتباطات البشرية.. وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: (ثلاث يثبتن لك الود في صدر أخيك: أن تبدأ بالسلام وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب الأسماء إليه).. وها هو عمر يبرز لنا أهمية العناية بالسلام والبدء به كنافذة مضيئة تلوح للبَشر والأرض بالبشر والخير والسلام.
السلام عليكم.. نسق تعبيري لطيف.. حس تسكن به الأرواح وتطمئن به النفوس وتطهر المشاعر وتذيب ما بها من غلظة وتبلد.. السلام عليكم.. علاج وقائي لحساسية القلوب.. توثق العرى، وتنشر المحبة.. وتزيل ما بالقلوب من كدرة وغلظة.. تسكب الطمأنينة.. وترسم على الشفاه الود والابتسامة.. وهي خير بداية تعارف لغير المتعارفين وخير استهلالة للمتعارفين من الأقارب والأصدقاء.. في العلاقات والمعاملات. وغيرها..
ومن هنا نلمس عظمة المنهج الإسلامي في الشرائع والأنظمة والملامح بأن ميَّز التحية في الإسلام عن غيرها.. وجعل لإفشاء السلام هدفاً سامياً في توثيق المودة والتآلف والتعارف بين أفراد الجماعة المسلمة.
كما أن إفشاء السلام على من لقيته (سواء عرفته أم لم تعرفه) يطبع في الحس البشري نوعاً من الألفة ويمحو ما بها من خشونة أو جفاء.. يُروى عن الطفيل بن أبي كعب: أنه كان يأتي عبد الله بن عمرو فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله على سقاط، ولا صاحب بيعة، ولا مسكين، ولا أحد إلا سلم عليه، قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق فقلت له: ما تصنع بالسوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ وأقول أجلس بنا ها هنا نتحدث. فقال: يا أبا بطن - وكان الطفيل ذا بطن - إنما نغدو من أجل السلام، نسلم على من لقيناه.
همسة:
(الخير الأصيل لا يموت ولا يذوي مهما زاحمه الشر وأخذ عليه الطريق). |