يبذل معالي وزير النقل الدكتور جبارة بن عيد الصريصري جهوداً جبارة لإكمال البنية التحتية من الطرق المزدوجة عبر صحاري المملكة الشاشعة ووديانها وجبالها ووهادها.. وهو المعروف بجولاته التفقدية المستمرة للاطلاع عن كثب على هذه الطرق.. كيف لا وهو الرجل الذي عرفته هذه البلاد.. وعرفته صحاريها وعرفه اقتصادها من خلال عمله نائباً لوزير المالية والاقتصاد الوطني.. عرف من خلال ذلك مساهمة الطرق في دفع مسيرة التنمية الاقتصادية.. وهو الرجل الاقتصادي الذي يحلّل التكاليف ويعرف العائد الاقتصادي على البلاد من الطرق الرابطة بين المدن مقارنة بتكاليف إنشائها والقيمة المضافة للاقتصاد الوطني من بعض هذه الطرق.. حيث ان وضع طريق مزدوج ومختصر هو تقليل لنزف الاقتصاد بسبب الحوادث.. وبسبب طول الطريق واستهلاكه مبالغ للصيانة بسبب طوله دون داعٍ لذلك.. واستهلاك الوقود الكثير عبره.. إن الطرق المختصرة هي الحل الأمثل والنموذجي للنقل عبرها بسرعة وبزمن قياسي وخصوصاً البضائع.. والركاب خلال فترة زمنية وجيزة.. وبأقل التكاليف.. لقد ارتبطت أجزاء بلادنا بمارد أسود يمتد عبر الصحاري وعبر الجبال بآلاف الكيلومترات.. وبقيت بعض الطرق المهمة التي تشهد كثافة مرورية عالية وهي بحاجة إلى تغييرها إلى مسار أقصر بكثير من مسارها الحالي وبأقل التكاليف.. ومن هذه الطرق الطريق الرابط بين القصيم ومكة، فمن المعروف ان طرق الحج التي كانت تخترق صحاري الجزيرة العربية.. قبل إنشاء الطرق المسفلتة ومجيء السيارات.. كانت عامرة تعج بالحركة والتجارة.. وتمر على قرى ومدن.. وهي أثر إسلامي أوشك على الاندثار.. ومنها طريق (الحج البصري) الذي أنشئ في عهد الخلافة العباسية لكي يسلكه الحجاج والمعتمرون بأمان من الضياع وقطاع الطرق.. وهذا الطريق لا شك أنه اختير بدون الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة.. ولكنه والحق يقال دقيق في مساراته.. وطبقت في اختيارها قوانين الهندسة (إن أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم).
وهذا الطريق يمر ببلدان نجد وعاليتها وتوجد بعض آثاره من البرك وأعلام الطرق حتى وقتنا الحالي مثل منزل النباج (الأسياح) ورامتان، وطخفة، وإمَّرة، والجديلة وضريَّة ووجرة.. وغيرها من المنازل التي لا تزال باقية كما كتبها البلدانيون والآثاريون في زماننا الحالي بجانب هذا الطريق وعلى مسافات تقترب وتبتعد عنه أنشئ طريق (القصيم - الحجاز) قبل حوالي 30 عاماً وعندما كانت حركة السيارات والشاحنات قليلة جداً وكان يعتبر في ذلك الوقت من أفخر أنواع الطرق.. ولكنه في وقتنا الحاضر وبعد ازدياد كثافة حركة المرور وزيادة عدد السيارات أصبح يغصّ بالحركة ليلاً ونهاراً وخصوصاً حركة الشاحنات الثقيلة التي تعيق الحركة.. وأصبح يعج بالإبل السائبة..
هذا الطريق ينطلق من محافظة الرس بالقصيم متجهاً جنوباً نحو دخنة ثم تفي ثم البجادية ثم ينحرف غرباً نحو عفيف ثم ظلم ثم يلتقي مع طريق الرياض - الطائف السريع.. بتعرجات كثيرة وهو أشبه بنصف دائرة.. وهذه التعرجات والانحناءات ذات خطورة كبيرة لها أثر كبير في زيادة المسافة الكلية (إلى مكة المكرمة) فإنها وإن كانت تافهة لا تزيد على 6 أو 10 كم في كل انحناء عن الطريق المستقيم فإنها لو جمعت لكل الطريق لأصبحت شيئاً كبيراً وبما يزيد على مئات الكيلومترات.. وهذا ما هو حاصل بالنسبة لهذا الطريق.. ونشأ مؤخراً فرع من هذا الطريق شمال دخنة.. وقرب جبل (خزاز) التاريخي.. ولكن هذه الوصلة من أخطر الطرق التي رأيتها حيث توجد فيها منعطفات خطرة جداً أحدها بزاوية (90) ومنعطف آخر في داخل إحدى الهجر يقابله منزل مهجور يعترض مسار الطريق تماماً.. وقد حصل بسبب هذا حوادث كثيرة جداً. وباختصار فإنه ليس هناك حل إلا واحد من حلين:
الأول: هو ازدواج الطريق الحالي.. وهو صعب جداً بسبب مروره بعدد من المدن ونشوء محطات واستراحات قريبة منه جداً وعلى حافته وبالتالي لابد من نزع ملكيتها وهذا يكلف مبالغ طائلة جداً إضافة إلى طول الطريق وكونه على شكل (نصف دائرة).
والحل الثاني: هو اختيار مسار آخر مختصر وبعيد عن الاستملاكات ذات التكاليف الباهظة في نزع الملكيات.. وفي رأيي ليس هناك أنسب وأقرب من طريق الحاج البصري القديم الذي يمر بكلمن (إمَّرة - طخفة - ضريَّة الجديلة ( الصفرة حاليا) - وحرة (الخراية) - ذات عرق (الضريبة). وذلك لعدد من المزايا أهمها:
1) يبلغ طول هذا الطريق من منزل (رامة) وسط التقييم وحتى مكة المكرمة مروراً بمنزل (ذات عرق) والمسمى حالياً (الضريبة) الذي هو محرم لأهالي نجد يبلغ طوله حوالي 600 كم .. بينما يبلغ طول الطريق الحالي المار بنفي والبجادية وعفيف حوالي 950 كم من وسط القصيم.. أي أن الطريق الجديد المقترح بطول حوالي 600 كم سوف يختصر من الطريق القديم حوالي 350 كم اي بنسبة حوالي 35% من الطريق القديم وهو فرق شاسع وكبير سوف يكون له أثر كبير في خدمة الحجاج والمعتمرين وخصوصاً من منطقة القصيم حيث يصلون مكة المكرمة خلال 6 ساعات بدلاً من (10 - 12) ساعة حيث ان الطريق الحالي كثير التعرجات والمنحنيات والقرى والشاحنات مما يزيد عناء المسافر عليه وقد تكون ساعة واحدة على السريع تقابل أكثر من ساعة ونصف الساغة أو ساعتين على طريق قديم مكتظ بالحركة وبالقرى.
2) والممكن هو ان يبدأ ازدواج الطرق بدءاً من مفرق (خزاز) الواقع شمال دخنة.. وخزاز هذا هو الذي يقول فيه الشاعر (عمرو بن كلثوم في معلقته):
ونحن غداة أوقد في خزازي
رفدنا فوق رفد الرافدينا.. وهو مفترق
موجود حالياً يصل إلى طريق (القصيم - الحجاز) عن طريق عدد من القرى ويوازي تماماً مسار طريق الحج البصري القادم من (رامة) حتى يصل إلى (إمَّرة) ومنزلها. حيث صعوبة عمل طريق يعبر وادي العاقلي (النساء حالياً).. ويمكن أن يكون الطريق الموجود ماراً بإمَّرة وطخفة أحد المسارين مع تعديل منحنياته الخطرة حتى يمر بضريَّة - الجديلة - الدفينة - الشبيكة - وجرة - ذات عرق ثم إلى مكة المكرمة.
3) قد يقول البعض ان أهالي نجد والقصيم يمرَّون بالطائف لأنها فيها محرم السيل الكبير ومحرم وادي محرم. ولكن في الضريبة (ذات عرق) ميقات قديم كان الحجاج يحرمون منه حين كانوا يمرونه بقوافلهم والآن لم يتبقَ منه إلا آثار حيث لم يمر به الطريق المسفلت وعند مرور الطريق المقترح به يمكن تعميره للحجاج حيث يخفف الضغط الحاصل على ميقات السيل الكبير ووادي محرم خصوصاً أوقات الحج.
4) تخفيف الضغط الكبير الحاصل على طريق الحجاز القديم وخصوصاً من الحجاج والمعتمرين والحافلات والشاحنات والتقليل من الحوادث المرورية المروعة التي تحدث عليه بسبب الزحام والحركة المرورية الكثيفة عليه.
5) ما دام ان الطريق القديم لابد من ازدواجيته فلماذا لا يتم إحداث الطريق الجديد مزدوجاً وبنفس التكاليف تقريباً والإبقاء على الطريق القديم للشاحنات حيث إنها تدمّر الطرق وخصوصاً الجديدة.. وفتح الطريق الجديد حتى ولو برسوم فإن الكل سيسلكه مادام آمناً وسريعاً وعليه خدمات متميزة.
6) خلق خط نمو سكاني جديد في القرى والهجر التي يمر عليها الطريق خصوصاً أن بعضها مدن مثل ضريَّة - عشيرة - أبو جلال - أبوركب - الشبيكة وغيرها.
7) إحياء منازل طريق الحاج القديم التي أوشكت على أن تندثر بسبب سقي الرمال عليها.. ومن الممكن تشجيع السياحة على هذا الطريق بترميم هذه المحطات على طراز تراثي قديم وتشغيلها من جديد إحياءً للتراث الإسلامي وتوفير خدمات متميزة عليه لتردي الخدمات على الطريق القديم.
أتمنى أن تلتفت وزارة النقل لهذا الاقتراح.. فهو جدير بالاهتمام..!
|