* الجزيرة - خاص:
كثير ممن منّ الله عليهم بأداء فريضة الحج، وذاقوا حلاوة التقرب إلى الله بأداء مناسكه في أشرف وأطهر بقاع الأرض.. تراهم يتسابقون إلى الحج كل عام طلباً للمزيد من الأجر والثواب، وتكفير ما قد يقترفونه من ذنوب، فيما يمكن تسميته ظاهرة تكرار أداء الحج وهي ظاهرة تحرم كثيراً من المسلمين ممن لم يحجوا من أداء هذه الفريضة العظيمة في ظل الأعداد المسموح بها من الحجاج كل عام، كما قد تزيد من درجة الزحام والمخاطر المترتبة عليه.. فما رأي الشرع في هذه الظاهرة والآثار المترتبة عليها وكيفية مواجهتها؟
* في البداية يقول فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم العباد رئيس المحكمة العامة بمحافظة العلا: الحدج إلى بيت الله الحرام من أركان الإسلام ومبانيه العظام وقد جعل في العمر مرة وشرط الخالق جل وعلا لذلك شرطاً فقال الله تعالى: { مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً} ولا يخفى على مسلم ما في فريضة الحج من الحكم العظيمة والفوائد الجليلة ويكفي فيها أن الله شرفها بيوم أغر وهو يوم عرفة الذي يباهي الله به ملائكته ويكفي فيها أن الحاج الذي يُتقبل منه يرجع منه كيوم ولدته أمه بصفحة بيضاء نقية ولذلك نجد أن الإسلام حض عليها ودعا إلى الإكثار منها (تابعوا بين الحج والعمرة) ولا غرابة في كون المسلمين يحرصون كل الحرص على تكرار أداء هذه الفريضة في كل عام طلباً للثواب إلا أنه وفي الأزمنة المتأخرة كثر عدد المسلمين حيث الذين يتطلعون للحج، وصار توق المليار ونصف المليار من المسلمين وكل واحد من هؤلاء حريص على هذه الفريضة وهو ما يجعل اجتماع مثل هذه الأعداد الكبيرة الهائلة في مكان واحد وفي وقت واحد أمر بالغ المشقة وما له من الأضرار والمخاطر ما الله به عليم، ولذا كان من الحكمة والصواب ما رآه ولاة الأمور وأهل الحل والعقد في هذه البلاد وفقهم الله من تحديد عدد الحجاج القادمين من كل دولة وهذا من المصلحة العامة والشرع دائماً حريص على ما فيه مصلحة عامة للمسلمين ولا يخفى أن الله سبحانه دعا إلى طاعة ولي الأمر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم} وقد يظن بعضهم أن ما أمر به ولي الأمر من تحديد أعداد الحجاج ثم صدور الأمر بأن يكون الحج للفرد بعد خمس سنوات أي أن يفصل بين الحجة والتي تليها خمس سنوات يتعارض مع دعوة الشارع الحكيم إلى المتابعة بين الحج والعمرة وهذا الأمر غير صحيح ولو تأمل الإنسان هذا الأمر حق تأمله ونظر ببصر ثاقب لأيقن أن هذا الأمر هو عين المصلحة ولب الحكمة.
السكينة والوقار
ويضيف الشيخ (العباد المعلوم أن الازدحام الشديد للحجاج خاصة عند الجمرات أدى إلى كثير من الوفيات ونحن نلحظ أن كثيراً من المسلمين هداهم الله يجهلون حقيقة الحج فهذه الوفيات والحوادث من يتحمل إثمها إذاً وهي بلا شك من الأخطار المترتبة على تكرار أداء الفريضة كل عام ومما يؤسف له أن هناك من يتحايل على الأنظمة والتعليمات الصادرة من ولي الأمر من أجل أن يحج كل عام ولا يشعر بخطورة فعله.
إن الآثار المترتبة على ذلك ذهاب السكينة والوقار التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها عندما قال:( عليكم بالسكينة)، وهذا في أدائه للمناسك وعندما تذهب السكينة والوقار يذهب معها الاستشعار بروحانية الحج والحكم والفوائد من كل منسك. إضافة إلى التسبب في حرمان مسلم لم يؤد الفريضة من أدائها).
أما عن كيفية مواجهة مثل هذه الآثار المترتبة على هذه الظاهرة فيقول فضيلة الشيخ العباد: لا بد من التوعية في كل وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة وإيضاح المخاطر المترتبة على هذه الظاهرة وتوضيح هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في المناسك ودعوته إلى السكينة وتعريف الناس أن هناك أعمالاً جليلة وفاضلة يمكن للإنسان أن يستغل أيامه بها وهي تعادل ثواب الحج والعمرة وينتفع بها جموع المسلمين وننصح الإخوة الذين يكررون الحج كل عام فنقول لهم إياكم وزحام إخوانكم ودعوا الفرصة لغيركم فربما مزيد للثواب لم يتحصل عليه ومبتغ للأجر لم ينله فيسروا ولا تعسروا وهونوا ولا تشددوا وكونوا ممن يؤثر إخوانه على نفسه كما قال سبحانه {وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ} واعملوا أن هناك ممن ينال ثواب الحج وهو في مكانه وإنما الأعمال بالنيات، واسمعوا وأطيعوا وإياكم والمخالفة وشق عصا الطاعة وكونوا عباد الله إخواناً.
خطوة رائدة
* أما د. إبراهيم بن ناصر الحمود وكيل المعهد العالي للقضاء بالرياض فيقول: العصر الحاضر حين كثر الحجاج من كافة أقطار العالم الإسلامي واشتد الزحام وكثر المتضررون من ذلك كان لا بد من اتخاذ التدابير الواقية من هذا الضرر الذي لحق بعدد كبير من المسلمين.
ومن تلك التدابير تلك الخطوة الرائدة التي نظمتها الدولة حرسها الله وهي: أن تصريح الحج لا يمنح إلا لمن مضى على حجته الأولى خمس سنوات كل ذلك من باب الحد من الأعداد الهائلة التي كانت سبباً في تزاحم وتدافع الحجاج مما نتج عنه أضرار ووفيات خاصة بالقرب من الجمرات.
ومثل هذا التنظيم من الدولة - وفقها الله - في الحد من ظاهرة تكرار الحج وتحديد أعداد الحجاج في كل عام ولا شك أن هذا الأمر من اختصاص ولي الأمر، وقد لاقى هذا النظام قبولاً من كافة أوساط المجتمع، وأوجد حلاً جزئياً لمشكلة الزحام في المشاعر المقدسة.
إلا أن بعضاً من المسلمين يتساهلون بهذا الأمر ويحاولون الخروج للحج في كل عام بأي وسيلة دون اعتبار لنظام أو إحساس بمسؤولية.
ومن خرج للحج مع عدم توافر الشروط النظامية فقد ارتكب إثماً لمعصية ولي الأمر، وما يتبع ذلك من تلبيس وكذب.
ويضيف د. الحمود (ولا شك أن في تكرار الحج زيادة أجر ولكن هذه المصلحة إذا قوبلت بما يترتب على ذلك من المفاسد يكون درء المفاسد مقدماً على جلب المصالح كما أن تكرار الحج مستحب وإيذاء المسلمين محرم بسبب الزحام فكيف يسعى الحاج إلى تحصيل مستحب ويقع في الحرام بسببه ورسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ما خُير بين أمرين الا اختار أيسرهما ولا شك أن عدم تكرار الحج مع ما فيه من مصلحة التوسعة على الحجاج أيسر وأعظم أجراً فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيرا منه. لا سيما وأن المصلحة تكمن في امتثال ما وجه به ولاة الأمر - حفظهم الله - فهم المسؤولون عن راحة الحجاج وتوفير الطمأنينة لهم وهذا لا يتأتى إلا بالحد من تلك الأعداد الهائلة التي تفد إلى الأماكن المقدسة كل عام من الداخل والخارج.
لذا ننصح كل حاج قد أدى فريضة الحج أن يفسح المجال لغيره ممن لم يحجوا بعد، فإن هذا من باب التعاون على البر والتقوى. وعليه السمع والطاعة لما يصدر من أنظمة وأوامر هي في مصلحة المسلمين ويكون أول من يسعى إلى تطبيقها ويدعو غيره من أمثاله إلى الالتزام بذلك.
التسابق كل عام
من جانبه يقول د. عبدالكريم بن يوسف الخضر الأستاذ بجامعة القصيم: إن للطاعة لذة لا يستشعرها إلا من امتن الله عليه بهدايته لطريق الرشد فمارسها وفق أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحقق فيها الإخلاص للبارئ عز وجل وللعبادة حلاوة يجدها من عبد ربه بشرعه الذي ارتضاه له بعدما تخلص من كل ما قد يشوبه مما قد ينحرف بهذه العبادة عن الطريق المشروع والنهج المتبوع من أدران وشوائب قد تقلب العبادة التي شرعت لمرضاة الله إلى معصية تكون سبباً رئيساً في غضب الله.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك أننا نجد من يفعل الطاعة ويقترب إلى الله بالعبادة يحرص على ممارستها وتكرارها وذلك لأنه وجد حلاوة الإيمان فيها ولذلك نجد كثيراً ممن منَّ الله عليهم بأداء فريضة الحج وعاشوا لحظات إيمانية في المشاعر المقدسة بين ذكر وتكبير ووقوف وسعي وهدي وطواف تراهم بعد هذا يتسابقون إلى الحج كل عام طلباً للمزيد من الأجر والثواب وحرصاً على إزالة ما قد يعلق بالنفوس من أدران المعاصي والذنوب خلال العام ومشاركة للمسلمين في هذه المناسبة الغالية على نفوس الموحدين الصالحين وذلك أمرُ محمود ومطلوب وهو يدخل تحت متابعة الأعمال الصالحة مما يكون ذلك معه سبباً في تكفير كثير من الذنوب والمعاصي والآثام وإنه لأمر مطلوب ومحمود لو كان المسلم يستطيع فعله دون وجود ضرر عليه ولا على غيره بأن كل زمان ومكان هذه الطاعة والعبادة محتملين لأدائها وفق شروطها وأركانها الهادفة دون حصول الضرر على بقية المسلمين.
ويضيف د. الخضر الحج من هذه العبادات التي يحسن من المسلم أن يحرص عليها ولكنه إذا علم المسلم أن أداءه لهذه الشعيرة نفل قد يتسبب في مضايقات لبقية إخوانه المسلمين الذين يؤدون هذه العبادة فرضاً باعتبارها ركناً من أركان الإسلام المفروضة فإنه ينبغي له أن يترك التنفل في هذه العبادة ويتيح المجال في هذه المشاعر المقدسة لإخوانه المسلمين الذين قد تكون هذه الزيارة لهذه الأماكن بالنسبة لهم الأولى والأخيرة خاصة وأن الجميع يعلم أن الحج يعتبر عبادة قاصرة أي أن نفعها يقتصر على مؤديها بينما هناك عبادات نفعها وأجرها ليس مقتصراً على مؤديها فقط بل تجاوزه إلى غيره ومما لا شك فيه أن نفل العبادة المتعدية أفضل وأعظم أجراً من نفل العبادة القاصرة فلينفق المسلم ما يريد إنفاقه في الحج في سبيل الله وفي الدعوة لدينه ورفع الجهل عن أبناء الإسلام في أصقاع المعمورة وفي إطعام الفقراء والمساكين وغير ذلك من أوجه البر والخير والقربة والذي يتعدى نفعها لبقية المسلمين).
ثلاثة آلاف ريال
ويستطرد د. عبدالكريم الخضر (ونفترض أن الذين يكررون الحج كل عام هم فقط ثلاثمائة ألف حاج وهذا العدد أظنه أقل عدد يتصور منه تكرار الحج وأدائه عدة مرات وأقل مبلغ يمكن أن ينفقه الحاج في الحج هو ثلاثة آلاف ريال يصرفها الحاج في سفرها للحج من بلده وإقامته في مكة وتنقلاته بين المشاعر وطعامه وشرابه وجميع ما يحتاجه وبالتالي يكون مجموع المبلغ المبذول في الحج النفل من عموم المسلمين هو تسعمائة مليون ريال كل عام ولنا أن ننظر لو بذل هذا المبلغ في الدعوة لدين الله ورفع الجهل عن أمة الإسلام وإطعام الفقراء والمساكين كل عام فماذا سيكون عليه حال هذه الأمة لذا وليدرك المسلم الذي يتنفل بالحج كل عام مقدار نفع هذه الأموال القليلة التي يبذلها كل عام وكم يمكن أن تكون نافعة ومثمرة لو اجتمعت مع بقية الأموال التي تنفق في أداء نفل هذه العبادة التي قد يتسبب أداؤها بالتكرار في كل عام بوقوع الضيق والحرج والضرر على بقية المسمين الذين يؤدون هذه العبادة أول مرة في حياتهم ونصوص الإسلام وتعاليمه جاءت بحفظ الجسد والروح ورفع الضرر وإزالة المشقة فلا يجب على المسلم أن يعرض نفسه ولا أنفس إخوانه المسلمين للضرر أو المضايقة لهم في أداء شعائر الحج).
دفع الضرر عن الأمة
* أما الشيخ خالد بن جريد العنزي الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بمكة المكرمة فيقول:من نعم الله عز وجل على الناس، أنه لم يجعل علينا في الدين من حرج:{وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ}. ولهذا كان فرض الحج مرة في العمر كما ورد في حديث أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:( أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله، فسكت حتى قالها ثلاث فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم..) رواه مسلم. فالحج مرة في العمر، وتكرار الحج والعمرة هو من فضائل الأعمال، لكن المسلم لا يعيش بمعزل عن واقع الحال فالمسلمون تجاوز عددهم المليار كل منه يريد الحج والعمرة، يضاف إلى ذلك في هذا الزمان تيسر المواصلات، واتساع الدنيا على الناس، والاستطاعة لكثير منهم والقدرة على تكرار الحج مرات عديدة، وتوافر الأمن وهذه الأسباب التي هي من فضل الله وكرمه على البلاد والعباد نتج عنها كثرة الحجاج، والزحام الشديد والذي بسببه لا يمر عام إلا ويحصل به من الحوادث المؤلمة، ولهذا تنبه علماء الإسلام لهذا الأمر، وأفتوا فتاوى بينوا فيها القواعد الشرعية لدفع الضرر عن الأمة إذ إنه لا ضرر ولا ضرار، ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
فقال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله رحمة واسعة -: إذا أمكن ترك الاستكثار من الحج لقصد التوسعة على الحجاج، وتخفيف الزحام عنهم فنرجوا أن يكون أجره في الترك أعظم من أجره في الحج، إذا كان تركه له بسبب هذا القصد الطيب، ولا سيما إذا كان حجه يترتب عليه حج أتباع له قد يحصل بحجهم ضرر كثير على بعض الحجاج لجهلهم، أو عدم رفقهم وقت الطواف والرمي وغيرهما من العبادات التي يكون فيه ازدحام، والشريعة الإسلامية الكاملة مبنية على أصلين عظيمين أحدهما: العناية بتحصيل المصالح الإسلامية وتكميلها ورعايتها حسب الإمكان، والثاني: العناية بدرء المفاسد كلها أو تقليلها.
ويضيف الشيخ العنزي: ومن المعلوم أن درء المفسدة العامة مقدم على جلب المصلحة الخاصة، فإذا كان مصلحة بعض الأفراد التنفل في الحج مرات، وكان وراء ذلك مفسدة عامة لألوف الحجاج مما يلحق بهم الضرر فينبغي للمسلم أن يرفع الضرر عن نفسه وعن إخوانه، والقاعدة في ذلك أن الضرر يزال. وبناءً على ذلك فقد أصدر ولي الأمر في هذه البلاد ومن شرفه الله بخدمة الحرمين الشريفين، تنظيماً للحج والعمرة بحيث لا يكرر الحاج الحج إلا بعد خمس سنوات بناءً على فتوى أهل العلم في هذه البلاد، تحقيقاً للمصلحة ودرءاً للمفسدة، ورفعاً للحرج عن الأمة، فيجب طاعة ولي الأمر بذلك. وإذا كان المسلم حريصاً على أفعال الخير، فإن أبواب التطوع بالخيرات واسعة، وكثيرة، والمسلم المتبصر بحاله هو الذي يتخير ما يراه أليق بحاله، وأرفق بزمانه، وإن حوله من أعمال التطوع الكثيرة.
أبواب التطوع كثيرة
* وتتفق د. مها بنت محمد العجمي عميدة كلية التربية للبنات الأقسام الأدبية، بالأحساء مع الآراء السابقة فتقول: إن الله تعالى فرض على عباده حج بيته الحرام، وجعله أحد أركان الإسلام، قال تعالى:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ } وفي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. وحج بيت الله الحرام) ولا يجب الحج إلا مرة واحدة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:( الحج مرة فمن زاد فهو تطوع) ويسن الإكثار من الحج والعمرة تطوعاً لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) والتطوع بالنوافل مما يحبه الله تعالى ويقرب إلى رضوانه، وفي الحديث القدسي:( ما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه).
وتضيف د. مها العجمي (وينبغي أن نعلم أن الله تعالى لا يقبل النافلة إذا كانت تؤدي إلى فعل محرم، لأن السلامة من إثم الحرام مقدمة على اكتساب ثواب النافلة، فإذا كان يترتب على كثرة الحجاج المتطوعين - الذين يكررون الحج كل سنة - إيذاء للمسلمين بسبب شدة الزحام ووقوع المشقة وسقوط بعض الناس هلكى، كان الواجب تقليل الزحام ما وجد الناس إلى ذلك سبيلاً، وأولى الخطوات أن يمتنع الذين حجوا عدة مرات عن الحج، وذلك حتى يفسحوا المجال لغيرهم ممن لم يحج حج الفريضة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح لا سيما إن كانت المفاسد عامة والمصالح خاصة، فإذا كانت مصلحة بعض الناس أن يتنفل بالحج مرات متعددة وكان وراء ذلك مضرة عامة لمئات الألوف من الحجيج، كان الواجب منع تلك المفسدة أو المضرة. وينبغي أن نعلم أن أبواب التطوع كثيرة واسعة والمؤمن البصير هو الذي يختار ما يراه ملائماً وإذ كان التطوع بالحج وتكراره فيه أذى وضرر على المسلمين فإن هناك أبواباً أخرى يتقرب فيها المؤمن إلى ربه دون أن يتسبب في وقوع الضرر على أحد من المسلمين ومن ذلك كفالة اليتيم وهي عمل عظيم يحشر صاحبه يوم القيامة في معية الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما تقترن السبابة بالوسطى، كما قال الرسول الكريم:( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بإصبعية السبابة والوسطى) وهل بعد ذلك من منزلة!
ويرى أن أحد الصالحين من التابعين نوى الحج (نافلة) وفي طريقه إلى الحج وجد امرأة تعلل أطفالها حتى يناموا، لا تجد ما تطعمهم فأعطاها المال الذي كان قد جهزه لنفقة الحج ولم يعد إلى بيته حتى رجع الناس من الحج فإذا بالحجيج يهنئونه على الحج، ويقولون له لقد رأيناك في موضع كذا وكذا فقد كتب الله له أجر الحج، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول:( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..).
من أبواب الخير كذلك سداد ديون الغارمين والإسهام في مشروعات تيسير الزواج والإنفاق على طلبة العلم من الفقراء لعل الله ينفع بهم.
وتنصح عميدة كلية التربية للبنات بالأحساء المخلصين الحريصين على تكرار شعيرة الحج أن يكتفوا بما سبق لهم من ذلك، وإن كان ولا بد فليكن كل خمس سنوات امتثالاً وطاعة لولي الأمر استجابة لأمر الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم} حيث رأت الدولة - حرسها الله - تيسيراً على الحجاج وتخفيفاً للزحام وتقليلاً للحوادث التي تنتج عن الزيادة الرهيبة في أعداد الحجيج عاماً بعد عام، وأن يكون الحج للمقيمين والمواطنين كل خمس سنوات، وذلك توسيعاً على المسلمين الوافدين من جميع أقطار العالم ممن لم يحجوا حجة الإسلام المفروضة عليهم).
الحج مرة واحدة
* من جانبها تقول د. ليلى بنت سعيد السابر الأستاذ المساعد بقسم السُنة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: وكلنا يعلم أن الحج فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى مرة واحدة في العمر، فكيف يفرضها أحدهم على نفسه كل عام بدون سبب معتبر.
ولو تأملنا خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أعلن فيها فريضة الحج مرة واحدة في العمر لفقه كثير من الناس الحكمة من الحج. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو قلتُ نعم، لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه.
فلو أوجب الله علينا الحج في كل عام؟ ماذا يكون الحال لا شك أن جموع المسلمين ستتوافد على مكة من كل بقاع الأرض مسببة زحاماً شديداً قد لا يتصوره العقل بأي حال فكان من رحمة الله بعباده أن أوجب الحج مرة في العُمر.
ونحمد الله عز وجل أن رتب الأجر العظيم على من حج مرة واحدة ولم يكلفنا بتكراره.
وتضيف د. السابر وفي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). مفهوم الحديث يوصي بتكرار العمرة ليسرها وسهولتها، لأن تكرارها غير مرتبط بوقت معين، بخلاف الحج الذي ذكر فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - صفة البر أي الحسن والحرص على خاص تمامه أن جزاءه الجنة - فقط مرة واحدة ولم يطالبنا بتكراره لذا أقول لكل مسلم ومسلمة ممن أنعم الله عليهم نعمة أداء فريضة الحج وذاق حلاوة الإيمان: اعلم أن هناك من يتمنى أداء هذه الفريضة ممن هم خارج بلادنا حماها الله وتتشوق نفوسهم إلى أن تطأ بلد الله الحرام لأداء الحج مرة واحدة وها قد أنعم الله عليك بالحج، فهلا تركت فرصة لإخوان لك في الإسلام لتأدية فريضة الحج ولك عند الله الأجر العظيم لإيثارك إخوانك وكذا لأنك نويت الحج وتركته فرصة لغيرك، أما إن كان سبب تكرار الحج بهدف الدعوة إلى الله عز وجل وحاجة إحدى الحملات لذلك أو الفتوى وتعليم الناس فلا شك أن هذا مهم وأساس في الحج لا مجال لمنعه.
|