Friday 31th December,200411782العددالجمعة 19 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

(وصايا للحاج) (وصايا للحاج)
عبدالله بن محمد اللحيدان ( * )

أيها المسلم أيها الحاج الكريم إننا ونحن بصدد أداء عبادة عظيمة وركن من أركان الإسلام وشعيرة من شعائر الدين فإنه ينبغي علينا أولاً أن نستحضر أننا عباد الله كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات وقوله تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (92) سورة الأنبياء إلى غير ذلك من الآيات البينات ولهذه العبودية لوازم منها الانقياد له سبحانه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم ومحبته وألا يعبد الله إلا بما شرع {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
وهذه المسألة نستحضرها هنا من باب أن الحج هو من شرع الله أي أن الله هو من أمرنا به وشرعه لنا لنحج إلى بيته العتيق قال سبحانه:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (97) سورة البقرة.
ولذا فلا يصح أن نحج إلا وفقما شرع الله ولذا وجهنا الرسول صلى الله عليه وسلم توجيهاً لا يسع أحد الخروج عليه وهو قوله: (خذوا عني مناسككم).
وأي أمر يخالف ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه جعله من مناسك الحج فهو ليس من هديه وبالتالي فهو لا يصح أن يكون قربة على الله ولا عبادة يتعبد الله فيها وما ليس كذلك فلا يسوغ لعاقل يبغي ما عند الله أن يحدثه أو ينساق لمن يدعو إليه.
وهنا إذا تقرر لدينا هذا الأمر سهل علينا قبول ما يعرض علينا من أمر أو رده حسبما يوافق أو يعارض ما أمرنا الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ولذلك هاكم توجيه الله في مثل هذه المسائل التي ينازع فيها الناس بعضهم بعضاً يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء.
وربنا يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
كل هذه الآيات لا تجعل لأحد من سبيل أن يشرع في الحج غير ما شرع الله فمن أين أتانا أحد بنهج يظنه من مناسك الحج نعرضه على ما جاءنا من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس الظن بمن أتى طائعاً لله متقرباً له سبحانه إلا وهو رجاع إلى الحق مهما كانت مكانة من أمره بأمر ما دام ذاك الأمر يخالف ما شرعه الله ورسوله أو ليس له ما يؤيده منهما.
ومن جانب آخر فإن الحج عبادة جماعية بدنية ومالية وقلبية معنوية وحسية يجتمع المسلمون فيها من كل فج وصوب يرجون ما عند الله وفيهم ضعيف البنية وفيهم رقيق الحس وفيهم ضيق الخاطر وفيهم سريع الغضب وفيهم رفيع المكانة وفيهم شريف المنزلة وهكذا... أخلاط من الناس تستدعي تنوع المعاملة والرفق واللين وعدم إذهاب الاجر والإفلاس منه بعد تحصيله بما يحدثه المرء من أمور يتجنى فيها على الناس ويضيع حقوقهم ويعتدي عليهم، فلنحذر من أذية المسلمين والاعتداء عليهم وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وقد بعثه إلى اليمن: (واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) ولنتجنب ما يوقعنا من ذلك في الإفلاس يوم تؤخذ المظالم من الظالمين فترد إلى أهلها في يوم لا درهم فيه ولا دينار، بل إن كان للظالم عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه كما جاء عند البخاري وفي رواية عند مسلم:
(فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) وإن إيذاء الخلق بدون وجه حق من أشد المظالم، وأعظم المآثم قال تعالى متوعداً من يفعل ذلك: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58) سورة الأحزاب.
وقوله - سبحانه - في الحديث القدسي الصحيح: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) الحديث، وما ثبت في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله - أي في أمانة وضمانة - فلا تسيئوا إليه بغير حق، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يكبه على وجهه في نار جهنم) ولقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس في يوم النحر في أشرف زمان ومكان وجمع حضره صلى الله عليه وسلم، وبعد أن قرر الناس على حرمة البلد والشهر واليوم: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم - وفي رواية قال: وأبشاركم - عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب) الحديث، فأين نحن من هذه الوصية ونحن في الموقع الذي صدرت منه.
فعلى كل حاج أن يتعامل مع اخوانه بمكارم الأخلاق روى الإمام أحمد والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وروى الطبراني وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة) أي أن صاحب الخلق الحسن يأمن به من حقوق الله تعالى وحقوق العباد وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق ومن سمات حسن الخلق أن تصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك سيما عند القدرة)
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} (134) سورة آل عمران، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كظم غيظاً، وهو قادر على انفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً).
فوصيتي لكم احبتي بهذه المناسبة تقوى الله ومراعاة أوامره وفعلها واجتناب نواهيه والبعد عنها، ومعاملة الناس بالإحسان والايثار واتباع السيئة بالحسنة والاشتغال بعيب النفس عن عيب الناس والانصاف والامر بالمعروف والمخاطبة بلين الكلام والنهي عن المنكر والغضب لله والغيرة الحميدة والنصح والنزاهة والورع وادخال السرور على المؤمن وافشاء السلام والابتداء به عند اللقاء حتى على من لا يعرف والبشر والبشاشة والتواضع وخدمة الصلحاء والفقراء والعلماء والاخوان ورحمة الصغار والمساكين واليتيم والمريض والتعاون على البر والتقوى والتؤدة والثاني وتنزيل الناس منازلهم وتقديم الأهم وتحمل الأذى والتحدث بالنعمة والتكثير من الاخوان والتعرف بالله والحب في الله والبعض في الله وتجنب مواقع التهم ومواضع الظلم والكلام والمنهي عنه واماطة الأذى عن الطريق والدأب في طلب العلم وملازمة الاستغفار والشكر والصبر والصدق والغبطة وفعل ما لا بد منه والقيام بحق الغير وقبول الحق وقوله، وإن كان مرا ونحو ذلك مما يحقق أهداف الحج السامية ومقاصده النبيلة والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وآخر دعواي ان الحمد لله رب العالمين.

( * ) الدمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved