موتوا بغيظكم؛ هي أحسن عبارة، وأجمل كلمة، وألذ جملة، تسمعها كل من يسعى الى تفريق الأمة، وتمزيق الوحدة، وهي عبارة؛ أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقولها للمنافقين الذين يظهرون للمؤمنين الإيمان والمودة، وهم في الباطن بخلاف ذلك من كل وجه، يقول ابن كثير في تفسيره: كما قال تبارك وتعالى {وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين، ويغيظكم ذلك منهم فاعلموا أن الله متم نعمته على عباده المؤمنين، ومكمل دينه، ومعل كلمته، ومظهر دينه، فموتوا أنتم بغيظكم {إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم، وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغل للمؤمنين، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤملون، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها فلا خروج لكم منها.
فموتوا بغيظكم يا من أعمى الحسد قلوبهم، وأقض الحقد مضاجعهم، فنحن في هذه البلاد قد أنعم الله عز وجل علينا بنعمة الرجوع الى الكتاب والسنة، وامتثال أمر الله عز وجل بالاتباع، ونهيه بالبعد والاجتناب، عملا بقوله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
إن هذه الوحدة التي تريدون تمزيقها، وتلك الكلمة التي تودون تفريقها، مستمدة من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يزعزها مزعزع، ولا يؤثر فيها بوق ناعق، واجتماعنا والتفافنا حول ولاة أمرنا من علمائنا وأمرائنا؛ هو دين ندين الله به، وعبادة نتعبد الله بها، ووسيلة نتخذها للحصول على مرضاة الله وجنته. وولاة أمرنا - ولله الحمد والمنة - لم يبدر منهم ما يسوغ الخروج عليهم، ولم يحصل منهم ما يجعلنا نكرههم أو نبغضهم؛ بل يحبوننا ونحبهم، ويدعون لنا وندعو لهم، ونسأل الله أن يجعلنا وإياهم من عباده الأخيار؛ كما جاء في حديث عوف بن مالك الذي رواه الإمام مسلم قال رضي الله عنه: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول:(خياركم أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم) قال: قلنا يا رسول الله، أفلا ننابذهم؟ قال:(لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)..فعودوا إلى صوابكم، وارجعوا إلى رشدكم وتوبوا إلى ربكم واعترفوا بذنبكم وإلا؛ موتوا بغيظكم.
( * ) حائل - ص.ب 3998 |