لا فض الله فاه كل امرئ لهج لسانه بأطيب كلام عند موقف خانق بالتأزم، ونضره الله بخيرات وأغلى الأمنيات، فلأن يضفي جمال الراحة في الأوقات العصيبة، ويبث بإشراق بسمته ليبدد ظلام النزاع المتشاحن، ليستحق أن ترفع له الأيدي متضرعة إلى الله بالدعاء أن يسير الآخرون على منواله الطيب، ويا عجباً أن تسخر كلمات معدودات المواقف الضيقة إلى أرحبة فضائية تسع جميع أطياف الكون، وقد حملتك عذب الابتسامة وبشاشة المحيا إلى أن يهدأ روعك ويخفت اضطرابك، فبديع الجمال أن يكون مثل تلك طباع متخلقاً في النفوس، وقد أسعد بروائعها غيره وبث الراحة في قلوبهم، وكسب هدوءًا في نفسه، وتؤول القضية إلى الحل المرتجى بعيداً عن النزاعات والشكوى.
ويا لها من كلمات آسرات تبنى عليها صروح الحياة، وبمعدودات منها تردم القصور الباهرة، وتحيلها إلى الأرض الهامدة، بكلمات لا تجاوز محاور السطور تتعدى إلى خلق حياة والخوض في مراميها، لجدير بأمرها أن يشعر بجمالها، فتصاغ بحسب مكنونها وما تحويه من دررها، ولا يرفض أبداً أن كلمات كانت سبيل الحلول لمشكلة أرقت أصحابها وحاكت جدران المحاكم لسنين، ولا يشاق من تصور أن كلمات قليلات كانت منفذ المياه للعودة إلى مجاريها الخلابة بعد نضب لا يطاق، فلا يبعد عن مواقف كتلك أن تكون مبانيها قد رسخت بجمال الكلمة وحسن رونقها وخلابة نضارتها، وما يستلزم لها إلا صدوراً تتسع لآفاقها الرحبة، فتموج في روحانيتها قبل أن تنفثها سهماً مسدداً يثير الهدوء في القلوب، ويحبس الوجدان عن إفراط الانفعال، ولا يشق على الجرم الصغير داخل الشفاه (اللسان) أن تكون سليقته الدارجة في كل ما ينطق، وليكن لسانك سيفاً حاداً يمشق باعتدال، ولا يكون حديثه مجاً لا ترتضيه العقول ولا ترغبه الأسماع، فهو حصنك الحصين ولا فأل فيمن جرد نفسه عن ذات الحصن.
ولا يكلف أحد من طاقته سوى أن يبذل السبيل لغاية محمودة كريمة في نشوء صفاء يعم بخيره الجميع، وخاصة أنه منفذ رئيس لحل ما يمكن حله، وتدارك ما تفاقم من مشكلات، ومعول نفيس للبناء الرضي ومنافع تهطل بالخيرات، فإن من البيان لسحرا، ما يذيب جمود القلب، ويحطم تحجره الصامد فتنبض الحياة وتسري الدماء في العروق، ويطفئ نيران الغضب، ويزهر معاني البشاشة والرحب، وكلها من مفضلات تعضد من جمال الكلمة، وأنوارها الساطعة والمغرقة بالخيرات، وليجد كل منا معاني البشر تتحقق عندما ترهف الأسماع لكلمة تضفي إلى النفس شوق الهدوء والطمأنينة، فما هو الحال بكلمات رصت لآلئها فاكتمل عقدها منضوداً ساحراً وبراقاً، ألا يسري البشاشة إلى النفس، ولذا كان من شأن الصمت عظيم عند توارد الخطاب القبيح، وبذل الأجر الكبير عند سماع الكلام البديع، بعيداً عما يعل النفس ويكل البدن، ولذا كان السكوت من ذهب قبالة ما يسيء، ولأجزم أن الكلام النضر من ألماس وياقوت ومرجان وأغلى النفائس، فوقعها تعادل أغلى الكنوز بل وترجح بها كلها، وها نحن نرى كلمات أسلافنا تعيش حية متألقة بين أظهرننا، يعاودنا الحنين لاستعراضها وبثها إلى الخلائق، وما كانت لتعيش إلا لجزالتها ورصانتها ولسحر بيانها، والذي تفتقت له القلوب ووعته العقول، فكان لها المضي بالعيش الخالد بين طيات الكتاب وذاكرة الرجال، وهي مجال تربوي عظيم لمن يسمعك ممن تتفاوت بينهم الأعمار، وفرصة سانحة لبث جماليات الكلمة ونشرها على أكبر محيط، وخاصة أننا تميزنا بأكرم لغة وأمتعها وأكثرها روعة وجمالاً، فحري بمن ينتمون إليها أن يتشبثوا بشيء من روائعها، وأن يتفوهوا بنتف من معينها الزاخر، وتذكر أن كلمات تبني الصروح الشوامخ والمناطحة لكثافة الغمام، ومن شأنها أن تكون معاول هدم ومنشأ نزاعات وبواطن اختلافات، وبيدك أن تستثمر كنهها الجمالي المثمر بكل الأمنيات الزاهرة.
الأحساء |