اعتاد أحمد الذهاب كل صباح إلى مدرسته التي كان يحبها كثيرا فهي المدينة الجميلة التي تسمى مدينة المساجد؛ لكثرة المساجد فيها؛ حيث عرف أهلها بالطيبة والشهامة، وكان يسكن فيها أحمد الفتى الصغير وأخته ووالداه، فيلتقي بمعلميه وأصدقائه ويدرسون القراءة والكتابة والحساب وغيرها من المواد الشيقة الممتعة المفيدة، إلى أن يعود إلى البيت في ساعة الظهر، ليجد أمه قد أعدت له طعام الغداء فَيُقَبِّلُ يديها ورأسها ويشكرها كثيرا على طعامها اللذيذ.
وكم كان أحمد يحزن لأنه كان يتناول الطعام مع أمه وأخته دون حضور والده الذي يذهب إلى مزرعتهم التي يملكونها في أطراف المدينة من الفجر إلى غروب الشمس؛ فيحرث الأرض، ويقطف الثمار ويقلم الأشجار، ويؤبر النخل، ومن أجل ذلك كان أحمد في إجازته يذهب مع أبيه إلى المزرعة ليساعده.
أما أخته سارة فقد كان يحبها كثيراً فهي أكبر منه، وأنهت دراستها وكانت تهتم به كثيراً، فتعد له الحلوى فضلا عن مساعدته في دروسه.
اعتاد أحمد بعد رجوعه من المدرسة وتناول طعام الغداء أن يذاكر دروسه بعد أن يأخذ قسطا من الراحة ثم يخرج بعد ذلك ليلعب مع أصدقائه في الساحة التي تقع وسط الحي، خاصة أن صديقه العزيز قاسم، ينتظره هناك، وكان يسمع أحمد من أبيه كلاما عن قوات غازية تريد أن تغزو بلدهم، فكان دائما يتساءل عن السبب. وكان يسمع أن هؤلاء القوم يريدون أن يغزوا ديارهم لأنهم مسلمون، وأنهم لا يحبون المسلمين وكان يتعجب، أليس ديننا من عند الله أم أنهم لا يحبون الله؟ لماذا يغزوننا ولم نفعل لهم شيئا؟ كانت أسئلة تدور في خاطره، وهو لا يعلم الإجابة.
وذات يوم جاء الوالد ليوقظ ابنه أحمد قبل أن يأتي الصباح وهو مفزوع.
- الوالد: أحمد.. أحمد.. أفق هيا.. هيا أفق.
- أحمد: هل حان موعد صلاة الفجر أم موعد الذهاب إلى المدرسة؟ ولماذا لم تذهب بعد يا أبي إلى المزرعة؟ وما هذا الصوت القوي؟
- الوالد: لا توجد مدرسة، الطائرات تقصف..!!
- أحمد: ماذا يعني تقصف؟
- الوالد: سأخبرك فيما بعد هيا نختبئ في الملجأ.
وذهبوا جميعا مع باقي أفراد الأسرة إلى الملجأ مع باقي الجيران، وتحصنوا تحت الأرض وبدأ أحمد يسمع كلام الناس وأدرك أن هذا القصف يدمر البيت ويقتل الإنسان، ومكثوا في الملجأ مدة طويلة حتى توقف القصف وعادوا إلى بيوتهم، غير أن هناك مفاجأة أخرى قد لاقتهم، فقد دخل الغزاة إلى بلدهم وبالذات إلى مدينتهم وحيهم ومن ذلك اليوم لم يذهب أحمد إلى مدرسته؛ فلقد دخلها الغزاة وأصبحت مركزا لهم ولم يخرج إلى الساحة لمقابلة أصدقائه واللعب معهم وخاصة صديقه قاسم. ما هذا الذي يحدث؟ لقد بدأ الغزاة بقتل الناس وضرب النساء والأطفال ودخول البيوت بدون إذن ولكن المجاهدين لم يسكتوا عن هذا الظلم، وبدأ أبو أحمد مع جيرانه بقتال الأعداء والدفاع عن بلدهم وكان أحمد دائما يسمعهم فتعلم منهم الذود عن بلاده، والدفاع عن المسلمين.
وفي يوم من الأيام، سأل أحمد أباه: يا أبي ألا يخاف المجاهدون من الموت؟
- الأب: لا يا بني..
- أحمد: لماذا يا أبي؟!
- الأب: لأنهم إذا ماتوا فسيجزيهم الله مقابل ذلك.. الجنة.
فطأطأ أحمد رأسه وقال: شكراً يا أبي.. فأحس الوالد بما يدور في ذهن ابنه.
وذهب الوالد، ونظر أحمد من النافذة فوجد جنود العدو في الساحة وفي أي ساحة؟ تلك الساحة التي حرم أن يلعب فيها مع أصدقائه.
وقرر أن ينتقم لشعبه ولنفسه.
وبعد صلاة الفجر من اليوم التالي خرج أحمد من بيته وقبل أن تشرق الشمس، وبيده خنجر واتجه نحو الجنود وبدأوا يصيحون: توقف.. توقف، وأصيبوا بالفزع والجنون ما لهذا القادم من بعيد لا يخافنا؟ فسوف يطعننا ويقتلنا..
أطلق الجنود عليه الرصاص دون رحمة أو رأفة رغم صغر سنه حتى وقع على الأرض وهو يمسك بالخنجر، ويشد عليه من الألم وهو يردد الآن أدخل الجنة، والله إني أرى مقعدي في الجنة ويبتسم وما زال كذلك حتى خرجت روحه الطاهرة النقية.
أما والداه فقاما من منامهما فزعين من رؤية أفزعتهما وبشرتهما في نفس الوقت، فهرعت أم أحمد إلى غرفة فلذة كبدها أحمد فلم تجده فنظرت من النافذة فرأته ملقى على الأرض مضرجا بالدماء فصرخت وبكت ولكنها سرعان ما تذكرت أن الصبر عند الصدمة الأولى، فهدأت واحتسبت ذلك عند الله ورددت: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.
أما الوالد الحنون الرءوف العطوف؛ فقال: لقد كنت أعلم يا أم أحمد أنه سيفعل شيئا كهذا، ورؤيانا أكدت ذلك، ولكنني أصررت على تكذيب أفكاري حتى فجعت بابني الوحيد الشجاع الذي احتسبه عند الله شهيدا ولن تكوني أصبر مني وقال: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
|