امرأة نضالية بمعنى النضال الذي قاومت به احتلال اليأس والبؤس الذي سطا على حياتها الأولى حتى اخترقت صفوفه وشتته وانتصرت عليه بإيمانها وتوكلها على الله، تعلمت فنون الحديث ومواقعه ومقاماته من والدها رحمه الله، حينما كانت تحضر مجالسه في صغرها، جالست الملكات والأميرات اللاتي أحببنها لنزاهتها ودماثة خلقها، وأكلت على موائدهن وصاحبتهن في أسفارهن، تتحدث إليك بكرم وتغدق عليك النصائح بكرم تشعرك بنضالك الذي اختزلته داخلك ولم تبح به لتستطيع مقاومة جيوش اخترقت حدود حاجز الصوت بداخلك المحتل، تحدثك عن وقائع تجربتها النضالية بنغم الواثق من نفسه وكيف انتصرت على تحالف الفقر والبؤس واليأس الذي كاد أن يحتل موارد طاقاتها الإبداعية بداخلها، لتؤكد لك أن كلاً منا لديه هذا النضال والمقاومة والحماس بداخله وكيف يمكن أن يوحدهما ليستطيع أن ينتصر على ما بداخله بعد أن ينظف نفسه أولاً، ويعيش عمق الإيمان بروحه وكيانه وإخلاص النية في القول والعمل، تستنير برأيها رغم عدم قناعتك بما تقول لتأثرك بمعاجمك الاجتماعية التي تنكر على المرأة أن تعمل أو تشق طريق النضال لتستطيع تحرير ذاتها من قيود اجتماعية صدئة، ولكن تكتشف صدق كلامها ورأيها متأخراً، ترى برؤية واضحة المعالم لما يدور حولها وتراقب ساحات معركتها في هذه الحياة بمنظار نادر جداً ومايخيبها، تدير أعمالها بجراءة الرجال البواسل ضمن حدود مملكتها، تغدق بكرم وسخاء على الفقراء والمحتاجين استطاعت أن تصل إلى أقصى الشرق بنضالها فوفرت المياه لمحتاجيه وعمرت المساجد لمسلمين لا يجدون مكاناً طاهراً للصلاة، أبحرت وتغربت حتى تصل إلى مبتغاها بحرية شرعية لتوصل زكواتها وخيراتها إلى من يحتاجها بحق، لا تتحدث عن ما قامت به من نضال إلا لمن تعتقد أنه سيقدر نضالها ويستفيد من تجربتها، غادرت هذه الحياة- رحمها الله- بعد أن تمكن منها المرض مبتسمة منتصرة كما يغادر الفرسان ساحات المعركة، وقد تركت لورثتها عبق وروائح تاريخ نضال السنين شامخاً لا ينسى أبداً ولا ينتهي.
|