Friday 31th December,200411782العددالجمعة 19 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

عندما ينحدر الإنسان إلى مرتبة الحيوان باسم الحرية..!! عندما ينحدر الإنسان إلى مرتبة الحيوان باسم الحرية..!!
أ.د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني

شكلت قضية تحرير المرأة قضية من القضايا الاجتماعية في القرنين الماضيين، وهناك من تصدى لها وعارضها بشدة، وهناك من اندفع لتأييدها والتعصب لها بدون حدود أو قيود، حتى فيما يجرح الحشمة والحياء، ويزري بالإنسان، ويهبط به إلى مرتبة أقل من مرتبة الحيوان، فالله قد شرف الإنسان بالعقل، وخلق له الشهوة مثل الحيوانات الأخرى. فإذا تحكم عقله في شهواته ارتفع فوق مرتبة الملائكة الذين جعل الله لهم عقولا وانتزع منهم الشهوات، وإذا تحكمت في الإنسان شهواته هبط إلى مرتبة أقل من الحيوان الذي لا عقل له.
ومن هذه الفئة الزعيم الديموقراطي الألماني (بيبل) الذي قال: (وهل الرجل والمرأة إلا نوع من الحيوان؟!! وهل يكون بين أزواج الحيوانات شيء من قبيل النكاح.. بله النكاح الأبدي؟!!)، وتبعه في هذا السياق الزعيم الفرنسي
(بول روبن، Paul Robin) الذي قال: (لقد بلغنا من النجاح في مساعينا لمدة ربع قرن الماضي أنه قد أصبح ولد الزنى في منزلة أولاد الحلال، فلا يبقى بعد هذا إلا أن يكون أولادنا جميعا من النوع الأول فقط، حتى نستريح من هذه الموازنة بين النوعين).
وإذا كان الإنسان عندهم نوع من الحيوان، فهو في الإسلام كائن كرمه الله وكلفه بعمارة الأرض، وأكرمه بالعقل، وخصه بالقانون والشرع، وسخر له الكائنات والمخلوقات الأخرى في البر وفي البحر. وإذا أراد بعضهم أن يتخذ من الفطرة عند الكائنات الأخرى دليلا يؤيد به رأيه، فعليه أن ينظر إلى الموضوع من جوانبه المختلفة، فذكور الحيوانات تتقاتل بضراوة في سبيل الفوز بالأنثى أو الإناث، وقد يقتل بعضها بعضا من أجل تلك الغاية، وهذا موجود عند معظم الكائنات الأخرى مثل الجمال، والأغنام، والأبقار، والدجاج، فهل نطلب من الرجال أن يتقاتلوا في سبيل النساء؟!!، وهل القوة البدنية في الإنسان هي ما تبحث عنه المرأة؟!! إن الله قد كرم الإنسان بالعقل، وجعل الارتباط بين الذكر والأنثى يتم بالتراضي، ومن خلال عقود شرعية تحدد الواجب والمسؤولية لكل طرف. ثم إن الأنثى في جميع الكائنات تقريبا هي التي تعنى بالصغار، وتدافع عنهم، وتستميت في سبيل ذلك، فالدجاجة على ضعفها وجبنها، تتحول إلى كائن آخر في سبيل الدفاع عن صغارها، وقد تضحي بحياتها من أجل ذلك، فتهاجم القطط والكلاب للدفاع عن صغارها. وفي هذا دليل فطري على أن الأمومة، والعناية بالصغار هي مسؤولية الأنثى، كيف لا وهي التي قد حملتهم في بطنها تسعة أشهر، يتنفسون هواءها، ويتغذون مما تتغذى منه، ثم ترضعهم ما يقارب الحولين من ثدييها، فتختلط روحها وجسدها ومشاعرها وأحاسيسها بأرواحهم، وأجسادهم ومشاعرهم وأحاسيسهم، ولها الاحترام والتقدير، قال رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم (الجنة تحت أقدام الأمهات)، وقال لمن جاءه يسأل من أحق الناس بصحبتي يا رسول الله؟ قال: أمك ثلاث مرات، وفي الرابعة قال: أبوك، فجعل الأم أحق بصحبة الابن بنسبة تعادل 75% أما الأب فله 25% فقط لأن دوره هنا محدود، ويتم في أجواء فيها لذة ومتعة.
وإذا جعلنا أبناء الزنى مساوين لأولاد الحلال، كما يقول (بول روبن)، فمن يقوم برعايتهم، والسهر على راحتهم، والإنفاق عليهم؟ ومن يعطيهم العطف، والحنان، ويغرس في نفوسهم الرحمة والشفقة؟!! والغريب أن منطق (روبن) في الترحيب بأولاد الزنى هو أن يرتاح من التفريق بين النوعين من الأولاد، إنه يشبه من يساوي بين كسب المال بالسرقة ونحوها بمن يعمل ويجتهد في سبيل ذلك، ويكسب ما له بالطريق المشروعة والقانونية. إن المسؤولية تغيب عندما يشيع الزنى، والمرأة هي الخاسر الأكبر لأنها هي التي تحمل كرها، وتضع كرها، أما الرجل فله المتعة واللذة وقضاء الوطر.
ومن الغريب في دعوة المرأة للحرية في الغرب أن تنقلب الموازين، وتفقد المعايير، فما كان مرغوبا وفضيلة بالأمس، وفي الشرائع والأعراف والأديان السماوية، يصبح مذموما ورذيلة اليوم، وفي هذا يقول الدكتور: (دريسدل Drysdale): (الحاجة ماسة إلى اتخاذ التدابير التي تجعل الحب بغير قيد الزواج يجل ويكرم.. ومما يسر أن سهولة الطلاق في هذا الزمان لا تزال تمحق طريقة النكاح رويدا رويدا، ولم يعد النكاح الآن إلا معاهدة بين شخصين على المعاشرة، لهما الخيار في إلغائها متى شاءا.. وهذه هي الطريقة الصحيحة والوحيدة للارتباط الجنسي). فالزنا هنا يسمى حبا، والطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله يمحق النكاح الذي هو رابطة مقدسة بين الرجل والمرأة، تنبني عليه المسؤوليات والواجبات من كل طرف تجاه الآخر.
وإذا كان الإسلام قد أباح الطلاق وجعله أبغض الحلال إلى الله، فإن النصرانية، وخاصة الكاثوليكية، كانت تمنعه، وقد كان هذا المنع سببا لكثير من الجرائم ضد النساء، فالدعاية السياحية في وسط السبعينات في بريطانيا كانت تقول: (تعالوا إلى بريطانيا فقد مات هنري الخامس منذ زمن طويل). وهنري الخامس هو الذي ساق نساءه للمقصلة في برج لندن، فقد كان كلما عاشر زوجة من زوجاته، ثم أعجبته امرأة أخرى، اتهم زوجته، ثم قتلها وجاء بأخرى. ويبدو لي أن السبب في ذلك هو أن القوانين كانت لا تسمح بالطلاق، فضلا عن الجمع بين أكثر من زوجة، فاحتال على تلك القوانين وحطمها بهذه الحيلة القاسية والمروعة.
ويأتي في سياق الدعوة غير المنضبطة لتحرير المرأة ما رواه محمد علي البار عندما كان يدرس في بريطانيا في عام 1970م، عما نشرته الصحف البريطانية عن قصة مدرسة شابة في الخامسة والعشرين كانت تعلم مادة (الجنس) في المرحلة الثانوية، وكان طلابها مجموعة من المراهقين، وكانت تقوم بتدريسهم الجنس عمليا في الفصل، وتخلع ثيابها قطعة بعد أخرى أمامهم، فما كان من إدارة المدرسة إلا أن أبلغت وزارة التربية والتعليم، واتفقت الإدارة والوزارة على إيقاف هذه المدرسة الشابة، وطلب منها أن تكف عن عرض دروسها المثيرة على الطلاب المراهقين، وفي اليوم التالي نشرت جريدة الديلي ميرور ( Daily Mirror) صورة هذه الفتاة الجميلة عارية في صفحتها الأولى، وقامت بحملة ضخمة ضد إدارة المدرسة وإدارة التعليم الرجعية والمتخلفة التي تمنع هذه الشابة العبقرية من مواصلة دروسها المهمة في تعليم الشباب المراهق الجنس!! ودعت الصحيفة إلى قيام مظاهرات تأييدا للمدرسة الشابة، ولحريتها في التعبير، ودعوتها إلى مواصلة جهودها العظيمة في تربية النشء تربية جنسية سليمة خالية من العقد، ومن خلال وسائل الإيضاح المؤثرة!! وبالفعل قامت مظاهرات ضخمة تؤيد المدرسة الشابة فيما فعلته، وتطالب بإعادتها فورا إلى حقل التدريس، الذي خسر خسارة هائلة بإيقافها!! ورضخت إدارة المدرسة والوزارة لهذا الضغط الشعبي الذي هيجته وسائل الإعلام، وتم إعادة المدرسة الشابة إلى وظيفتها الحيوية مع الشباب المراهق.
إن هذا لأمر عجاب!! وإنه أشبه بقصص الخيال والأساطير!! ولكنه يحدث في دولة تدعي التقدم والرقي، ويحدث باسم (تحرير المرأة) و(إعطاء المرأة حقوقها). إن تلك الحرية غير المنضبطة، تؤدي إلى تحطيم الأسرة، وضياع حقوق الأطفال والنساء، وظهور جيل يعاني من العقد، والتشوهات النفسية، ومن هذه الفئة تلك الفئة المريضة من الجنود الأمريكيين والبريطانيين، التي انحدرت بالإنسان والإنسانية إلى مرحلة دون مرحلة الإنسان، عندما مارست ما مارست من تعذيب وشذوذ وانحطاط في سجون العراق، وأفغانستان، وجونتانامو.
ولقد أنتج هذا النوع من الحرية أناسا مثل (جفري دامرز) و(سوزان سميث)، فقد كنت في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1995م عندما قتل الأول في السجن، فاستبشر بعض طلاب الجامعة بذلك، وكان هذا الرجل الأبيض الوسيم يستدرج ضحاياه إلى شقته، ويغتصبهم، ثم يقوم بقتلهم وأكلهم، ويجمع عظامهم في خزانة ملابسه، وقد فعل ذلك مع اثنتي عشرة ضحية من الرجال والنساء، أما الثالث عشر فقد استطاع الإفلات، وبلغ الجهات الأمنية، فتم القبض عليه، واعترف بجرائمه، ورغم هذا لم يحكم عليه بالإعدام، وإنما أودع السجن، أما (سوزان سميث) فقد كان لها طفلان، وكان لها عشيق تحبه حبا طغى على حب أولادها، فقرر العشيق هجرها لأن الطفلين يزعجانه بأصواتهما، فقررت التخلص منهما في سبيل إرضاء ذلك العشيق، لقد ألقت بهما في بحيرة وهما في داخل السيارة، في حركة تبدو وكأنها حادث عرضي، ولكن التحقيقات كشفت الحقيقة، واعترفت بجرمها وهي تذرف الدموع في المحكمة، وهي الخاسر الأكبر في هذه الجريمة، خسرت طفليها، وخسرت ضميرها، وغادرها العشيق إلى غير رجعة.
وقد تطاولت الدعوة إلى (تحلل) المرأة حتى على الخالق سبحانه وتعالى، فأحد الكتاب الأمريكيين يقول: (إن تعاملنا مع مسألة المرأة هذه الأيام يدمر مجتمعنا، فالمرأة التي تصبح وتمسي على ثقافة الحركة النسوية المتطرفة، والتي تطالب بأن يخاطب الله عز وجل بضمير المؤنث (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا) لأنهم إن وصفوه بضمير التذكير ففي هذا امتهان للمرأة، بل لابد من الإشارة بالضميرين بالتساوي. وجعل كلمة (هي) و(هو) في كل مكان سواء)، وهذه الدعوة الغريبة المتطرفة جاءت بمثلها واحدة من زعيمات الحركة النسوية في العالم العربي، التابعات لكل ما يرد من الغرب من صيحات وتقليعات، (فقد تم رفع دعوى ضد (نوال السعداوي) بعد أن نشرت إحدى الصحف المصرية المستقلة حوارا معها، وصفت فيه الحج والطواف بأنهما وثنية، وادعت أن الحجاب تقليد جاهلي، ووصل بها الافتئات إلى أقصى مداه حين قالت: (إنه ليس هناك ما يدل على أن لفظ الجلالة مذكر - والعياذ بالله - إلى غير ذلك من الافتراءات).
هذا ما يؤدي إليه - في نهاية المطاف - طلب النساء للحرية بدون ضوابط وبدون قيود، وهذا ما آلت إليه المرأة وحريتها في الغرب. وهذا ما يريدون من مجتمعاتنا ونسائنا أن تصل إليه. ومما يؤسف له أن لدينا أغرارا تخدعهم المظاهر والدعايات، ويظنون المرأة في الغرب تعيش في نعيم وفي أمن واستقرار، وهذا ما لاتتفق معه المعطيات الحياتية، والأرقام الإحصائية، والواقع المعاش.

فاكس: 012283689
===============================


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved