Friday 31th December,200411782العددالجمعة 19 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

سعد اليحيى.. شاعر مغمور سعد اليحيى.. شاعر مغمور
د. محمد بن سعد الشويعر

كنت أسمع عنه، وألحّ في السؤال عن أشعاره عندما كنت طالباً في أول الثمانينات من القرن الماضي، ومع طول السؤال كدت أيأس من العثور على شيء من شعره، رغم حفظي أبياتاً متقطعة لا تروي نهمة باحث، ولا تروي ظمأ متعطّش، وكاد القنوط يلفّني بغلالته، ليكون هذا الشاعر في طيّ النسيان، شأنه شأن العدد الكبير من شعراء وأدباء بلادنا، قبل خروج الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في وثبته الميمونة لتوحيد البلاد ونقلها من حال إلى حال.
وقد قيّض الله شاباً محباً لبلده (الشعراء)، وتجميع أخبارها وتراثها ليحقّق ما كنت أتمناه، ولو بقليل من سيرة وشعر من كنت أبحث عنه ويهتمّ به غيري، ذلك الشاب هو سعد بن سيف المقيم في الدمام الذي زوّدني نبذة عن الشاعر سعد بن محمد اليحيى، وست عشرة مقطوعة من شعره باللغة العربية الفصحى، وست مقطوعات من الشعر النبطي.
فمن هو شاعرنا سعد؟ أو على الأصح الشيخ سعد اليحيى، مع إلمامة من شعره بحسب ما يناسب الحيّز المطلوب، لعلّه يتاح ضم ما لفّته الأيام، إلى ما جمعه الأخ سعد السيف، ليكون من ذلك ما يملأ سفراً يستحق الرَّصد ومن ثم الدراسة التي تشجع على تجميع تراث المغمورين من أدباء وعلماء بلادنا الذين عاشوا في فترة سبقت التّدوين والاهتمام بالرّصد.
فشاعرنا: سعد بن محمد بن يحيى، من الوهبة فرع من قبيلة تميم الشهيرة.
ولد على جبل شهلان بمدينة الشّعْراء في عام 1319هـ وهي السنة التي استرجع فيها الملك عبدالعزيز الرياض، وتوفي عام 1402هـ -وهي السنة التي اعتلا فيها خادم الحرمين الشريفين سدّة الملك- عن 83 عاماً، وكانت وفاته بالدّوادمي.
نشأ محباً للعلم ورعاً تقياً، كما يبدو ذلك من شعره الذي أُهدي إلينا من الشاب: سعد بن سيف.
وكان معروفاً منذ صباه بالهدوء والوقار. أما عن دراسته فقد حفظ القرآن أيام الصّبا على يد الشيخ علي بن إبراهيم بن مهنا في بلد الشّعراء، ثم سمت به نفسه ودفعه طموحه إلى الرحيل لمجالس العلماء بالرياض، فدرس العربية على الشيخ حمد بن فارس، والتوحيد والفرائض في حلقة عالم الرياض ذلك الوقت الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، كما انضم إلى حلقة الشيخ سعد بن عتيق، ثم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ الذي أخذ عنه كثيراً.
وانتقل إلى شقراء وأخذ عن علمائها ومنهم في اللغة العربية: الشيخ ناصر بن سعود بن عيسى (شويمي).
لكنه زهد عن العمل في القضاء بعدما رشّحه شيخه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ لكنه وافق على أن يكون مرشداً وإماماً وخطيباً في هجرة (عَرْوى) فترة من الزمن، حيث طلب الإعفاء ليستقر في مسقط رأسه (الشّعراء)، زاهداً في المناصب وولايتها، إلا أنه كان يقوم ببعض الشؤون الدينية تبرعاً منه، خوفاً من كتمان العلم، وإعانة للناس فيما يهمهم من أمور دينهم: كالوعظ وقسمة المواريث وعقد الأنكحة وغير ذلك.
وأثناء دراسته كان متبحّراً في اللغة العربية التي أعانته على نظم الشعر باللغة العربية، وبالعاميّة ويتسم شعره بجودة الأسلوب، وسلاسة العبارة، فهو من السهل الممتنع، الخالي من التكلف، والنّفس الطويل في شعره، ولم نعثر له على نثر.
ومقطوعاته التي بين أيدينا تستحق الرصد والدراسة، لأنه من المكثرين في قول الشعر، حيث يجري على لسانه بسهولة، مما نرجو أن تكون هذه الكتابة عنه معينة على إبراز ما له من شعر، ليكون من ذلك إضمامة جيّدة تستحق الإخراج ومن ثم الدراسة، وليكون في ذلك دافع لبروز كثير من الأدباء المغمورين في بلادنا، بعد نفض الغبار عمّا ظهر من انتاجه، لنفتح نافذة - وهذا وقت مناسب، ومهيأ حيث توفرت العوامل المعينة في الدراسات الجامعية، والرغبة في كل جديد، علاوة على فرص الطبع والنشر المتاحة-.
هذه العوامل وغيرها تفتح نافذة، يبرز معها أدب وأدباء أثروا الساحة في وقتهم، وانسدل الستار عليهم فترة من الزمان، وآن الوقت ليحرص كل مواطن، للإعانة بما يملأ الساحة من تراثهم المفقود، والتعريف بهم، ثم يأتي دور الجامعات والدراسات المتخصصة لتسلّط الضوء على هذا الإنتاج، وتقوّمه ومن ثم يدخل الميدان مع الآداب الأخرى في عالمنا العربي.
- أما عن شعره فقد طرق أبواباً شتّى، أبرزها الرثاء:
1- فقد رثى شيخه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بقصيدة قالها في 25- 10-1389هـ من 27 بيتاً بدأها بقوله:


أيها المسلمون لا حزن إلاّ
عندما ترحل النفوس الغوالي
مثْل شيخي محمد بن ابراهـ
يم موفى الجواب عند السؤال
ذكر شيخي وفضله مثل ضوء
فوق عالٍ وشامخات الجبال

2- ورثى الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في 28-12-1393هـ المتوفى بمكة يوم 17-12-1393هـ بقصيدة بلغت عشرين بيتاً مطلعها:


إيه يا نجدنا تعزي ونادي
بصلاة على الأمين الفقيد

3- وبعد وفاة صديقه الشيخ محمد بن سليمان البصيري في المدينة يوم 21-6- 1394هـ، رثاه بقصيدة بلغت عشرين بيتاً مطلعها:


نَعْي خلّي محمد بن البصيري
جاء في يوم خامس بعد عصر
فترحّمت في صلاتي عليه
وسألت الإله تعظيم أجر

4- وعندما زار الملك سعود - رحمه الله - بلد الشّعراء، بعد توليه الملك في عام 1374هـ رحب به بقصيدة بلغت 13 بيتاً مطلعها:


نجد تعالت بها الأصوات من طرب
واستبشروا عند ذاك البدو والحضر
لما أذيعت لمولانا زيارته
لبعض أوطاننا ليهنني الظفر

5- وبمناسبة البيعة المباركة للملك فيصل قال قصيدة في عام 1384هـ، بلغت 25 بيتاً منها قوله:


فعش يا فيصل الإسلام فينا
فأنت الشّهم والغيث المريع
أبا عبد الإله يطيب نفساً
بك الأنجال والشعب المطيع

6- ومن حبّه للعلم والعلماء فإنه لما وصلته نسخة من تفسير أضواء البيان للشيخ الشنقيطي وتصفحه وأعجبه قال 13 بيتاً منها:


أيّها الطالب فكّر واعتبرْ
واقبل الإحسان من محمد
سِرْ على ضوء البيان مخلصاً
للإله الحقّ واركع واسجد

7- وقد اتحف اخوانه الأدباء بألغاز فقهية يداعبهم بها، ويمتحن ذكاءهم بـ31 بيتاً تمثل 15 لغزاً منها قوله:


ماذا تقول يا الأديب الحرّ
عن عدد خذه هداك الفكر
هو مئة واربع وعشر
والرفع والنصب له والجرّ

- هذا إلى جانب الأشعار الاخوانية من تهنئة وتعزية، إلى حكمة ونصح.. إلى غَوص في الأوضاع الاجتماعية وغيرة على الدين والتهاون بواجباته، ودعوة إلى الاهتمام بمكارم الأخلاق، والاهتمام بطلب العلم، فهو يشعر بأوضاع مجتمعه ويصوغ شعره نصحاً وتوجيهاً، واهتماماً بما يرفع مكانة الشباب في مجتمعهم ولصالح أمتهم، فرحمه الله وغفر له.
ذكاء معاوية
أورد علي بن هذيل في كتابه: مقالات الأدباء، ومناظرات النجباء حكاية عن العتبيّ قال: لما أسنّ معاوية اعتراه أرق، وكان إذا هوّم - أي نام نوماً خفيفاً - أيقظته نواقيس كنائس النصارى بدمشق، فلما أصبح ذات يوم ودخل عليه الناس، قال: يا معشر العرب: هل فيكم من يفعل ما آمركم به، وأعطيه ثلاث ديات أعجلها له، وديتين إذا رجع.
فقام فتى من غسّان فقال: أنا يا أمير المؤمنين فما هو؟ فقال: تذهب بكتابي إلى ملك الروم، فإذا صرت على بساطه أذّنت. قال: ماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: فقط. قال: لقد كلفت صغيراً وأعطيت كثيراً.
فلما خرج وصار على بساط قيصر، أذّن فحارت البطارقة، واخترطوا سيوفهم وهمّوا به، فسبق ملك الروم إليه وجثا عليه، وجعل يسائلهم بحقّ عيسى، وبحقه عليهم، الا ما كفّوا عليه، ثم ذهب إلى سريره حتى صعد به، ثم جعله بين رجليه، وقال: يا معشر البطارقة. إن معاوية قد أسنّ، ومن أسنّ أرق وقد آذته النواقيس، فأراد أن يقتل هذا على الأذان، فيقتل من قبله ببلاده على النواقيس، وبالله ليرجعن إليه بخلاف ما ظنّ، فكساه وجمّله فلما رجع إلى معاوية قال له: أوقد جئتني سالماً، قال: أما من قبلك فلا. (ص245 - 246).
- وبعث زياد إلى معاوية برجل مخالف من بني تميم فلما مثل بين يديه قال: أنت القائم علينا المكثّر لعدوّنا، قال: يا أمير المؤمنين، إنما كانت فتنة، عمّ عملها، وأصبح دجاها، ترى فيها الوضيع وحتى الحليم الرفيع، ما احترمت وأكلت عياناً، وشربت حتى انحسرت ظلماؤها وانكشف غطاؤها، آل الأمر إلى مآله، وصحّ عن محضه، وارتفع العبوس، وثابت النفوس، فتركنا فتنتنا، ولزمنا عصمتنا، وعرفنا خليفتنا، ومن يجد متابا لم يرد الله به عقاباً، ومن يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً، فعجب معاوية من فصاحته واستغرب حسن اعتذاره، وعفا عنه وأحسن إليه (247 - 248).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved