حين يقع الأديب في مصيدة الفقر.. يلجأ البعض للهرب من الساحة ليبحث له عن عمل آخر يحقق له بعض المال الذي يساعده على تدبير معيشته.. وهناك من يجمع بين الأدب.. والعمل الآخر.
وهناك من يحمل إصراراً على التفرغ للأدب وحده مهما كانت النتائج، ولا يبدي اهتماماً بقول (وليم ماكس ثاكري): الأدب ليس تجارة.. ولا مهنة.. بل هو الحظ الأنكد..!!
من أولئك الشاعر أمل دنقل الذي عاش حياة مليئة بالقهر والظلم والفقر وكان في بعض الأيام يذرع طرقات القاهرة بحثاً عن صديق يدفع له ثمن الغداء..!!
والعبقري الهولندي.. (فان جوخ) الذي كان لا يستغني عن الطعام بأكواب من القهوة ليوفر ثمن الطعام بغية شراء بعض الألوان..!!
وقد بيعت إحدى لوحاته بعد وفاته بمبلغ كبير..!!
وإميل زولا الذي كان يشتد عليه الجوع فيصطاد العصافير ليأكلها.. وبيكاسو اضطره البرد القارس إلى احراق مجموعة من لوحاته ليتدفأ بها لعجزه عن شراء الحطب..!!
وبرناردشو عاش جزءاً من حياته فقيراً.. وظل لسنوات يرتدي بدلة كالحة وحذاءً ممزقاً..
ولكن الفقر عجز عن أن يقهر إرادة هؤلاء..
يقول محمد صادق دياب في كتابه (عباقرة الفن والأدب): لا تبدو ثمة علاقة سببية بين الفقر والاشتغال بالفن سوى انصراف الفنان الى الإبداع.. واستغراقه فيه. هذا ما يشير إليه العالم النفسي.. (يونج)؛ حينما يقرر أن كل فرد منا يولد مزودا بقدر محدود من الطاقة.. ولا بد أن تجيء القوة الغالبة المسيطرة على الجهاز النفسي كله فتحتكر لنفسها كل تلك الطاقة ولا تدع لغيرها إلا النزر اليسير.
هذه القوة الغالبة المتجهة نحو الإبداع هي المسؤولة عن اخفاقات الفنان المادية وغير المادية.. ولهذه القاعدة بطبيعة الحال استثناءاتها القليلة حينما يوفق الفنان في احداث توازن بين توجهاته الفنية وحاجاته الحياتية.. ولكن هذه الحالات من الندرة بصورة لا يمكن أن تخدش القاعدة بقدر ما تؤكدها.. وشواهد ذلك من حياة عباقرة الفن والأدب كثيرة عبر كل الأزمنة، وفي مختلف الأمكنة.
|