أتابع كثيراً ما يكتب في هذه الصفحة من مواضيع تربوية تهم التعليم وخاصة مما يتكلم عن واقع المعلمات والحوادث التي تقع لهن جراء التعيين خارج المدن وما يعانينه من انتظار قد يتجاوز السنتين والثلاث بانتظار النقل إلى قرب أسرتهن ومقار سكنهن. هؤلاء اللواتي عانين طوال السنوات الماضية من الإرهاق والتعب حيث يخرجن من منازلهن كل صباح وأزواجهن وأطفالهن بل والمدينة بأكملها غارقة في النوم، بل انهن أحيانا يذهبن حتى قبل شروق الشمس ويرجعن إلى منازلهن بعد أن أسدل الليل ستاره على المكان في سيارات بعضها لا يرتقي أن نطلق عليه حتى مسمى (مركبة) وفي طرق ترابية وعرة تصيب أكثر الناس صحة ولياقة بصداع وارتجاج وحساسسية من الغبار المتطاير، للوصول إلى عملهن في قرى على جبال شاهقة أو في وديان خطرة معرضات حياتهن لمخاطر عديدة لا يعلمها إلا الله من أجل أداء رسالتهن في تعليم أربع أو ست طالبات فقط، نعم هذا هو الحاصل لمدارس في أماكن بعيدة كل البعد عن مظاهر التطور والحضارة وهجر تبعد عن الإسفلت والمدن مئات الكيلومترات وعدد طالباتها لا تزيد عن عشر طالبات هن أنفسهن في كل المراحل. ورغم هذا تفتتح لهن مدارس ويلاحقهن التعليم في أي مكان. تلك المعلمات صابرات محتسبات أمرهن إلى الله عز وجل وهن ينتظرن الأمل مع إشراقة شمس كل صباح ويتطلعن إلى الاجازات على أحر من الجمر لأخذ نفس عميق وراحة طويلة من رحلات يومية شاقة تحمل في طياتها لهن الكثير مما تخبئه من أقدار، وعيونهن تترقب أكثر قدوم الإجازة الصيفية التي يعلمن أن فيها ستعلن حركة النقل الخارجي وكلهن يطلعن إلى الفرج بعد الشدة والراحة بعد العناء.
لكن ولنجعل أنفسنا في مكانهن بالله عليك كيف ستشعر عندما يمر العام والاثنين والثلاثة وأنت لا تزال تراوح مكانك ولا تزال تترقب ببصيص من الأمل العام الذي يليه، ألا تصاب بالإحباط بعد هذا الامل، واليأس بعد طول رجاء. إن ما يحدث للمعلمات كل يوم من حوادث جماعية أليمة لشيء تندى له الجبين وتتفطر له القلوب، وجميعنا سمع وقرأ وبعضنا شاهد ذلك، فغالبية المعلمات تخرج من منزلها مبكراً وهي تودع أسرتها وابناءها لخوفها من عدم عودتها إليهم في رحلتها الشاقة إلى الهجر، وزوج ينتظر هو وأبناؤه حتى وقت متأخر من الليل قدوم الأم لتساعده على إيجاد حل لبكاء أطفاله ليجد نفسه بعد ذلك بأنه سيصبح للأبد المسؤول الوحيد عنهم بسبب خبر وفاة زوجته في حادث أليم. وزوجة جديدة تم زفافها في الإجازة لتتوفى دون أن تكمل مع زوجها ثلاثة شهور ودون أن تحقق حلمها في النقل. قصص مأساوية تستحق أن نضع لها نهاية سعيدة، وأن نلم شمل الأسر مع بعضها في نهاية كل عام بحركة نقل ترضي الجميع أن حتى النصف منهم.
محمد بن راكد العنزي
محرر جريدة الجزيرة بطريف
|