سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
اطلعت في تاريخ 13 - 11 - 1425هـ على مقال (نقد الأجهزة الأمنية) ، للكاتب عبد الله بن بخيت في زاويته (يارا) .. الذي انتقد فيه الكتابات التي دافعت عن (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، بعد أن لمزها الكاتب بنقده واتهاماته في مقالات سابقة .. وطرح في هذا المقال بعض الآراء بشكل استفهامات واستفسارات على سبيل الاتهام والارتياب .. لذا أرغب في مداخلة الكاتب حول تلك النقاط لعل يكون في توضيحي إجابة شافية لها.
* يقول الكاتب ان من يقرأ هذه المقالات سيصل إلى نتيجة تقول : (إن توفر الفضيلة والأخلاق الحميدة في المجتمع ، يعود إلى وجود جهاز الهيئة وغياب هذا الجهاز سوف يؤدي إلى إشاعة الفوضى الأخلاقية ، وتفشي كل أسباب الرذيلة ، فالمجتمع - كما تقول هذه المقالات - لا يملك الفضيلة في ذاته بل يستمدها من هذا الجهاز) !.
أقول وهل وجود أجهزة الأمن العام والشرطة .. الخ .. يعني أن المجتمع السعودي مجتمعاً مجرما وسادياً .. وأنه لا يملك فضيلة الأمن والسلام والمحافظة على الضرورات الخمس في ذاته ، بل يستمدها من جهاز الأمن العام ؟ وانه لولا وجود قوات الأمن (لأكل الناس بعضهم بعضا) ؟ .. الضرورة التي حتمت وجود جهاز (أمن عام) للمجتمع .. هي ذاتها الضرورة التي حتمت وجود جهاز (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .. ووجود (أجهزة الأمن والهيئة) ، تأتي من باب (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) .. ومع تحول المجتمع إلى مجتمع مفتوح في عصر (العولمة وثورة المعلومات والاتصالات) وتدفق الثقافات الوافدة الغربية .. هذا يحتم ضرورة تفعيل أجهزة المتابعة والضبط الأخلاقي والأمني ، للمحافظة على أمن المجتمع وسلامته وقيمه النبيلة.
* واضيف .. أنك أنت وقعت في تناقض فاضح ، فحسب طرحك هذا كأنك تجعل من المجتمع مجتمعاً ملائكياً فاضلاً على إطلاقه .. في حين أنك في بعض مقالاتك تنتقد من يتحدثون عن (الخصوصية المحلية) ، بدعوى أنهم يجعلون المجتمع السعودي مجتمعاً فوق المجتمعات الأخرى و(مجتمعا ملائكيا) !! .. والتناقض الآخر أن من اتهمتهم سابقاً بجعل المجتمع السعودي مجتمعا ملائكيا .. تتهمهم الآن أنهم يجعلون من المجتمع السعودي وكأنه المجتمع الوحيد الذي خلقه الله بلا فضيلة !؟
* وبناء على حيثياته السابقة قال الكاتب : (المعروف أن كل المجتمعات البشرية لا يوجد لديها هيئة أو شيء يشبه الهيئة ، ولذا يمكن القول ان الفضيلة محصورة في المجتمع السعودي لتوفر هذا الجهاز فيه .. واترك النظر في هذا الموضوع لحكمة القارئ الكريمة) .. أقول القضايا التي تعالجها (الهيئة) غالبا تدخل في نطاقات وممارسات تعتبر شيئاً اعتيادياً أو مقبولا في المجتمعات غير المسلمة ، حسب ثقافتهم وعاداتهم وقوانينهم الوضعية .. فالهيئة مثلاً تعالج قضايا تتعلق بعصابات تصنيع الخمور .. في وقت تتعامل كثير من المجتمعات مع الخمور كما لو كانت مشروبا غازياً .. إذن فالمقارنة هنا فاسدة لاختلاف (مفهوم الفضيلة) بين مجتمع مسلم ومجتمع غير مسلم .. واشير إلى أن بعض الدول المسلمة لديها جهاز أمني يسمى (بوليس الآداب) يؤدي جزءا مما تقوم به الهيئة هنا.
أيضا فإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أصله هو شأن تعبدي استجابة لأمر الله تعالى : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ، في بلد يؤكد ولاتها وحكامها دوماً اعتزازهم بالعقيدة الإسلامية وتطبيق الشريعة .. ولو اكتفينا بإيراد هذه الآية لكانت كافية للإجابة عن جميع النقاط التي آثارها الكاتب بمقاله .. واتمنى لو يخصص الكاتب مقالاً واحداً للحديث عن هذه الآية ، وماذا يفهم منها !!.
* بعد أن استطرد الكاتب بالكلام .. وقع (بدون أن يشعر) فيما نقد عليه الآخرين حين قال : (جهاز الأمن العام الذي هو صمام الأمان والفضيلة والأخلاق في هذا البلد) ، ويحق لنا الآن أن نجير له سؤاله الكبير من باب { بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ } .. هل المجتمع يملك الفضيلة بذاته أم يستمدها من جهاز الأمن العام ؟ .. وهل غياب (الأمن العام) سيؤدي إلى إشاعة الفوضى الأخلاقية ، وتفشي كل أسباب الرذيلة في المجتمع ؟ وهل تنظر للمجتمع السعودي على أنه المجتمع الذي خلقه الله بلا فضيلة .. وبحاجة إلى (جهاز الأمن العام) حتى يوفرها له ؟
* وبعد أن يتحدث أنه سبق أن انتقد أجهزة الأمن العام بشكل حاد وساخر يطرح تساؤلاً يقول فيه : (لماذا يهب هؤلاء للدفاع عن الهيئة ولا يهبون للدفاع عن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية) ؟ ويبدو أنه سؤال كبير لدى الكاتب ، حيث وصفه أنه سؤال يستحق التأمل .. وقال (أي الكاتب) سأنظر فيه يوم الاثنين القادم).
ونحن لا حاجة لنا أن ننتظر هذا اليوم .. فسأكفيه مؤونة البحث واجيبه وبكل بساطة .. لان نقده لجهاز الهيئة (نقد استئصالي) .. يناقش (اصل وجودها) وجدواه .. ويحرض على نسفها من جذورها .. ولا يناقش فقط أخطاء أو قصورا في عملها .. فلا أحد ينكر وجود أخطاء من أفراد الهيئة .. ولكن هذا قليل (من ناحية نسبية) ، ويمكن التجاوز عنه أمام بحر أعمالها الجليلة التي اثنى عليها بعض قيادات الأمن العام .. مثل دور (الهيئة) المشهود في مكافحة المخدرات ومحاصرتها .. وقبل هذا فالقيادات العليا في المجتمع مثل صاحب السمو الملكي وزير الداخلية - حفظه الله - دأبوا على الثناء على (الهيئة) وتثمين أعمالها الكبيرة.
* وقبل أن أختتم مداخلتي لاحظت أن الكاتب كان يتحدث في مقالته تلك عن ما سماه ب (الهيئة) ، ولم يشر حتى مرة واحدة لها ب(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .. وربما هدفه تلافي حدوث رد فعل مضاد من القارئ تجاه طرحه ، عندما يشعر أنه يناقش جدوى استمرار شعيرة دينية صنفها بعض الفقهاء ركنا سادساً في الإسلام .. وربما يهدف أيضا أن تكون له خط رجعة إذا أحرج وأسقط في يده .. فيقول كنت أعني (هيئة المواصفات والمقاييس) .. والسلام عيكم ورحمة الله وبركاته.
صالح بن سليمان الحناكي
|