نكرر دائماً أن الرقيب يجب ألا يكون عمومياً في واجبه، رغم أنه يفترض أن يتوارى ويحل في مهام أخرى يحتاجها الناس في ظل تطاير الكلمات ونفاذها عبر وسائل الاتصالات والشبكة العنكبوتية.
أما عن وجود الرقيب العام بيننا فهي الكارثة بعينها، وما معرض الكتاب الأخير في مدينة جدة إلا إحدى هذه العلامات البينة لضعف الأداء وتناقض هذا المسمى مع وجود معارض الكتب بوجه عام.
علق الكثيرون على فشل هذا المعرض وتحسر البعض وهو يبدي أسفه وحيرته تجاه كتب نزعت من المعرض بعد ما تمت إجازتها كما أن الكتب نفسها كانت في معرض الرياض، لكنها اختفت في معرض جدة.
هذه الأسباب المتقاطعة تضعنا أمام نقاط كثيرة للتعجب وأمام سيل من المتناقضات، في حين أثق تمام الثقة أن كثيراً ممن يعتبرون القراءة زاداً لهم هم من يتزودون بها من الخارج، وأكرر عبورها من نقاط الجمارك، لكن المفارقة أنها لا تشرح صدرها للعامة كأن الرقيب الذي لا أظنه بتمام المعرفة يصر على الحجب كأنه قد أمسك بعصا الوصاية ليهش بها على العقول عامة.
ما خبرت شعباً يقبل على القراءة أياً كان شكلها إلا وتوسمت فيه العافية والصحة وسلامة المبدأ من حيث تفتح العقول ونهلها مزيداً من الثقافات والرؤى، حتى المختلف منها الذي لا يجب أن يبقى مغلفاً أو مغلقاً إلى الأبد لنقرأ المختلف إن وجد ونرى ماهية الاختلاف ونقيسها فلربما تحسسنا هذه العقول والمدارك واكتشفنا أنها ما زالت تعمل.
إلى متى ونحن نعاني من الصدمة الثقافية والمعرفية وإلى متى يبقى هذا العراك كأن الناس أطفال غير راشدين تجاه ما أرى أنه فرصة للتقويم المعرفي وأن البعض لا يزال لا يفرق بين رقابة المراهقة التي نسد في وجهها الباب وتدخل من النافذة ومن جهاز (الريموت) الصغير الذي يقرب نوافذ العالم، ومن شاشة أخرى ربما كانت أصغر تجعل هذا المراهق يسرق اللوعات ويتبادل العبث مع آخرين في أجزاء أخرى من هذا العالم على مرأى من أكثر الحريصين عليه كالأهل مثلاً!!
لماذا لا نفتح مثل هذه الآفاق على العالم؟ ولماذا نصر على ممارسة الجلد القسري والسماح بمثل هذه الفوضى كما قرأت لأصحاب دور نشر أصيبوا بمثل هذه الصدمة بعد ما أجيزت كتبهم ومررت عبر قنوات النفاذ ولكن لحظات الرقيب الأخيرة تداركت نفسها وعادت لتنزع الكتب من دون - أي مراعاة لعرف الأنظمة التي يصر البعض على تشويهها لكأن هناك خللاً أو ازدواجاً أو تخبطاً في الأداء.
يبقى أن نسأل: بحجم مثل هذا الفشل لمعرض الكتاب، من المسؤول؟ ومتى ندرك أن الناس هي الوصية على عقولها؟ فقط افسحوا المجال للناس أن تقرأ، ثم تقرأ، ثم تقرأ، حتى لا تستمر لوعة الصدمة الفكرية التي نعاني منها الآن، وسترون أي مجمل للوعي ستكون النتائج!
|