حلقات يكتبها - عبدالعزيز بن محمد السحيباني
نصحبكم مجددا في حلقات حدود الوطن حيث نسعد معكم في هذا الاسبوع بزيارة عبر الحرف والصورة لمدينة الخبراء والسحابين.
لنتعرف على أبرز معالمها ونبذة عن تاريخها القديم والحديث
في وسط القصيم تقع مدن وقرى ذات موقع استراتيجي وتاريخ مشرق وضاء.. وعلى ضفاف وادي الرمة وربى وكثبان رمال (عجلز) تتربَّع معظم مدن وقرى القصيم.. تحفّها كثبان الرمال الذهبية.. وتحيط بها البساتين الخضراء اليانعة من النخيل والفواكه، ومن هذه المدن (الخبراء والسحابين) هذه المدينة الجميلة التي تجمع بين الحداثة والأصالة، حيث لا تزال مباني الخبراء القديمة شامخة تحكي فصولاً من تاريخ بُناة (الخبراء) ومهارتهم في البناء.
*****
الموقع
تقع (الخبراء والسحابين) في وسط منطقة القصيم تقريباً حيث تبعد عن بريدة حوالي 70 كم تقريبا إلى الغرب منها تماما.. كما تقع إلى الغرب من مطار القصيم الإقليمي، ويبعد عنها حوالي (35 كم) وهي تقع على مفترق طرق، فيمر في وسطها (طريق القصيم - المدينة) القديم، أما الطريق السريع فيحفها من جهة الشمال، ولا يبعد عنها سوى 1 كم تقريبا، كما ترتبط مع طريق (البدائع - الخبراء) من جهة الجنوب، ويحدها من الشمال صحاري وقارات وأكمات جميلة، ومن الجنوب محافظة البدائع، ومن الشرق محافظة البكيرية، ومن الغرب محافظة رياض الخبراء، وهذا الموقع المتميز لها من المواقع الحيوية بالمنطقة وعلى الطرق الرابطة والسريعة وخصوبة تربتها أعطاها ميزة اقتصادية مهمة بين مدن ومحافظات المنطقة ومراكزها وقراها.
وتضاريس الخبراء تجمع بين الوادي وكثيب الرمل والهضاب، فمن الجنوب يمر بينها وبين البدائع وادي الرمَّة الشهير، وبالقرب من السحابين تقع كثبان رمال متطاولة تحجز وادي الرمَّة قبل دخوله للخبراء والسحابين وهو امتداد لكثبان رمال (الخميس)، ومن الشمال تقع أكمات وحزوم وصحاري شاعة وقارات تشكل مراعي متميزة في فصل الربيع.. حين نقبل على (الخبراء) من جهة الجنوب يتراءى لك في الأفق اللاَّمتناهي اشباح من الطين تلوح من بعد تحت أشعة الشمس الساطعة.. يعود بك الزمن إلى الوراء إلى بيوت الطين والقرى التراثية التقليدية.. ترى على يمينك قرية كأنما انتهي من بنائها للتو تلكم هي (الخبراء القديمة) التي تمثل بمبانيها الطينية التراثية وبساحاتها أنموذجاً للقرية النجدية. الخبراء الحديثة تقع على الضفة الشمالية لوادي الرمَّة الخصيب، وتقع على (جال) أي أراض صلدة (حزوم على ضفاف الوادي، ففي شمالها أرض صخرية (حزوم) وفي جنوبها كثبان رمال تقطع سيلان وادي الرمَّة، وتقع على مفترق طرق مشهور يسمى (المفرق) وهو المؤدي من البدائع إلى الخبراء، والمؤدي من المدينة المنورة وغرب القصيم إلى بريدة ومطار القصيم الإقليمي حرف (T).
النشأة والتسمية
في الطريق إلى الخبراء تتراءى لك صور من التاريخ والأمجاد لأهالي هذه البلدة القابعة وسط القصيم.. مزارعهم القديمة على ضفاف وادي الرمة تحكي صورا من كفاحهم المرير.. حفروا الصخور بأيديهم، وزرعوا الأرض بمحاريثهم.. وأرووا المزارع بجهدهم.. تتراءى لك من بعيد بساتين النخل السامقة تتربَّع على ربوة مرتفعة على ضفاف الوادي مشرفة على (الخبراء القديمة) كأنما هي ترنو إلى الخبراء القابعة في الوادي تنظر إليها كل صباح.. وكل شروق شمس تقرأ تاريخها ومجدها الغابر.
ويقول الشيخ محمد بن ناصر العبودي في معجم بلاد القصيم (3-863): (قالوا إن أصلها خبراء أي مستنقعاً للماء تجتمع فيه مياه وادي الرمَّة حتى يحول عليه الحول، وتظل الخبراء مدة طويلة ينبت عليها السدر حتى تظلها أشجاره). ويقول وأصل التسمية فصيح فقد نقل ياقوت عن صاحب كتاب (العين قوله: الخبراء: شجر في بطن روضة يبقى الماء فيها إلى القيظ وفيها ينبت شجر الحبز وهو شجر السدر والأراك وحولها عنب كثير.
وقد قال الشيخ ابن بليهد- رحمه الله- في كتابه صحيح الأخبار أن (الخبراء) وردت في صفة جزيرة العرب للهمداني حيث قال الهمداني (عن يسار ضريَّة مما يلي الشمال من المناهل والموارد والمراعي ضلفع إلى أن قال: وإلى ناحية خيبر من قصد الحجاز (هضب القنان) والقنان قنة سوداء وصارة، وذوعاج وهو ماء، ثم (الخبراء) عن يمين ذلك والبشوعة وهمان مياه الطريق البصري وبركة طخفة دونها إلى بركة ضريَّة).
ويقول الشيخ محمد بن بليهد معلقا على هذا الكلام للهمداني: (أما صارة فهي هضبة سوداء في شمالي الخبراء تحمل اسمها إلى هذا العهد، وأما ذو عاج فهو ليس بماء كما ذكره الهمداني بل هو جبيل رفيع يقال له عاج، يبعد عن صار مسافة ثلاثة أيام لحاملات الأثقال وهو في أرض السَّربَّة يحمل اسمه إلى هذا العهد من دون (ذال) واسمه هكذا (عاج) و(الخبراء) بلد في غربي القصيم بلد فلاحة وزراعة ونخيل). انتهى. ومن عبارات الهمداني يتضح أنه ذكر مواقع قريبة من الخبراء مثل (ضلفع) والمقصود بذلك الضلفعة وهي بلدة كبيرة ومشهورة تاريخياً تقع إلى الشمال الغربي من مطار القصيم الإقليمي، وكذلك (صارة) وهو الجبل المشهور شمال غرب الخبراء، ومن هذا ليس هناك ما يدل في عبارات الهمداني أن الخبراء هي الخبراء الحالية، ولكن ليس هناك ما يدل أيضا على أنها ليست هي، لأن المواقع البيئية وطبيعة الأرض تبقى هي كما كانت كا(الخبراء) التي يقصد بها غدير المياه الذي يبقى في من مياه الأمطار حتى الصيف، وليس هناك إلا وادي الرمَّة في منطقة القصيم تبقى فيه مياه الأمطار حتى الصيف مكوِّنة خبراء كبيرة ضخمة، وقد يكون اسم (الخبراء) هنا قديماً على موقع بحيرة مياه ثم سميت باسمه الخبراء حالياً.
بداية عمارة الخبراء
هناك الخبراء القديمة، وهي مهجورة الآن تقريباً، وتبدو منازلها الطينية تلوح في الضفة الشمالية لوادي الرمَّة، وهناك الخبراء الجديدة التي تقع على طريق القصيم - المدينة المنورة غرب البكيرية، وهي مخطط حديث واسع المساحة، والحديث عن الخبراء لا ينتهي حيث إنها ذات تاريخ عريق قال الشيخ محمد بن ناصر العبودي في معجم بلاد القصيم (3-867) ما نصَّه: (ليست الخبراء من القرى القديمة العمارة، إذ لم تبدأ عمارتها إلا في منتصف القرن الثاني عشر تقريبا،
ويبدو أن المقصود بالعمارة هو عمارة البلدة نفسها وازدهارها، وإلا فليس من المعقول ألا نقول: إن وجود بئر مياه أو مزرعة نخيل لا يعتبرهو بداية إنشاء الخبراء، فالمدن كلها لا تنشأ إلا على مورد مياه من الصعب تحديد بداية (عمارة مدينة) بتاريخ معين فهل العمارة تعني بناء بيت واحد من الطين أو بيتين أو عدد كبير من البيوت لا أحد يستطيع أن يفصل هذا، ولا أحد يستطيع أن يحدد ماذا تعني كلمة العمارة هل هي بناء منازل.. أم إنشاء مزارع.. أم حفر آبار مياه.. وقد يكون هذا الاسم قديماً منظراً لأن الخبراء ذات موقع خصب للزراعة فتربتها من أخصب أنواع التربة حيث إن وادي الرمَّة الطيني يُغطي رمالها بما يعرف بالطمي الذي هو من أجود أنواع التربة للزراعة على ضفاف الأنهار، كما أن مياهها صالحة للزراعة وسهلة الاستنباط، فهذا يعني أنها استوطنت قديما، وقل أن تجد موقعاً لمدينة إلا وكان استيطانها منذ مئات السنين حيث مهارة العرب في اكتشاف الماء.
الخبراء وأحداث التاريخ
عرفت الخبراء من خلال عدد كبير من المعارك التي حدثت في الجزيرة العربية وفي توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز نظرا لأنها كانت من أشهر قرى القصيم في ذلك الوقت، وأكثرها صيتاً نظراً لمناعة سورها وحصونها وشجاعة أهلها وبطولاتهم التي سطرتها الأشعار بمداد من الفخر.. قد عرف أهلها بقوة بأسهم في المعارك والمنازلات التي قاموا بها لصد الأعداء في زمان النهب والسلب قبل توحيد الجزيرة، وللكثير منهم قصص وحكايات تحكي جانباً من شجاعتهم وتغلبهم على الأعداء المغيرين على بلدتهم وطردهم مدحورين مهزومين.
ويقول الشيخ محمد بن ناصر العبودي في معجم بلاد القصيم (3-869) ما نصه (وقد اشتهر أهالي الخبراء بالوقوف بشجاعة أمام الحملات التي قام بها الأمير عبدالعزيز بن متعب بن رشيد، ومن معه من الجنود بعد وقعة البكيرية عام 1322هـ). ومع أن أهالي الخبراء قليلي العدد، وفي منطقة مكشوفة إلا أن ابن رشيد عجز عن احتلالها أو اقتحامها، ونصب المدافع الموجهة عليها من مسافة بعيدة فوق أحد التلال البعيدة عنها ويُدعى (رجْم الخيل) وجعل يرمي عليها بالقذائف من هذا التل، ولكن أحد المحترفين من أهالي الخبراء تمكن من إعطاب هذا المدفع وانهارت قوة ابن رشيد.
ويقول خير الدين الزركلي في كتابه شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز (1-159) في فصل بعنوان (الملك عبدالعزيز يهزم الدولة وابن رشيد): (زحف عبدالعزيز ثانية لقتال ابن رشيد وعساكر الدولة في (البكيرية) وكان ابن رشيد قد ترك فيها مؤن الجيش وذخائره وقصد قرية تُدعى (الخبراء) يريد الاستيلاء عليها، وفيها حامية من جند عبدالعزيز بن سعود فامتنعت عليه، وعلم ابن رشيد وهو محاصر لها بعودة ابن سعود فخشي على ذخائره في البكيرية، فأرسل ألفاً وخمسمائة فارس بقيادة سلطان بن حمود من آل رشيد لحمايتها. ووصل عبدالعزيز فالتقى نحو 650 من فرسانه بحملة سلطان الحمود، عند انبثاق الفجر، فقاتلوها وظفروا وانهزم سلطان، ودخل عبدالعزيز البيكيرية، وقتل أكثر من فيها من حامية عبدالعزيز ابن رشيد، ورحل ابن رشيد عن (الخبراء) فنزل في (الشنانة) على نحو عشرة كيلومترات من جنوبي (الرس) وتقدم عبدالعزيز إلى (الرس) فدخلها وجعلها مركزاً لمناوشة ابن رشيد)، وكان حصار الخبراء وانهزام ابن رشيد بمقاومة عنيفة من أهالي الخبراء في عام 1322هـ وهو تاريخ مشهود لدى أهالي الخبراء.. ولهم مواقف وقصص تروى حول هذا الحصار وانهزم ابن رشيد دون أن يقتحم الخبراء،
|