* الثقافية - علي سعد القحطاني:
أقيمت مساء يوم السبت الماضي محاضرة بعنوان (اللغويون والنصّ الأدبي) للدكتور عبده الراجحي الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية وعضو مجمع اللغة العربية وذلك في النادي الأدبي بالرياض.
وقد أدار المحاضرة الدكتور عبدالعزيز التويجري أستاذ اللغويات بكلية الآداب، جامعة الملك سعود الذي قدم في البدء سيرة موجزة للمحاضر، إذ إن الأستاذ الدكتور عبده بن علي الراجحي غني عن التعريف، فهو من أعلام أساتذة اللغة والنحو في عصرنا الحديث، ينتمي للجيل الذي يضم الدكتور محمود حجازي والدكتور رمضان عبدالتواب والدكتور عبدالصبور شاهين وغيرهم، هذا الجيل الذي أتى بعد الجيل الذي يضم الدكتور تمام حسان وكمال بشر، وعبدالرحمن أيوب وإبراهيم أنيس وغيرهم.. تخرج الدكتور عبده الراجحي في كلية الآداب، بجامعة الإسكندرية سنة 1959م وحصل على درجة الماجستير عام 1962م ودرجة الدكتوراة عام 1967م وقد عمل في التعليم الجامعي في جامعة الإسكندرية وانتدب للعمل في جامعة بيروت العربية، وتقلب في عدة مناصب فيها حتى أصبح عميداً لكلية الآداب، وقد أسهم إسهاما وافياً في العمل الإداري والأكاديمي في تلك الجامعة وفي غيرها من الجامعات العربية ومن تلك رئاسته لقسم تأهيل المعلمين في جامعة الإمام، الذي يمنح درجة الماجستير في علم اللغة التطبيقي، كما أسهم الدكتور الراجحي في الإشراف والمناقشة لعشرات الرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراة) في مصر ومختلف البلاد العربية.. من أبرز مؤلفاته: فقه اللغة في الكتب العربية، التطبيق النحوي، التطبيق الصرفي، النحو العربي والدرس الحديث (بحث في المنهج)، اللهجات العربية في القراءات القرآنية.
بدأ المحاضر الدكتور عبده الراجحي بقراءة ورقته (اللغويون والنص الأدبي) جاء فيها:
للغويين في العصر الحديث مع النص بصفة عامة، ومع النص الأدبي بصفة خاصة، قصة معروفة.
والقصة أساسها أن درس اللغة - منذ العقد الثاني من القرن الماضي - اتخذ (العلم) Science منهجاً له، والعلم يدرس الظواهر الملموسة التي تخضع للملاحظة من أجل وصفها وصفاً موضوعياً، وهو- لكي يفعل ذلك - لا بد له من التحليل، والتحليل يقتضي (عزل) العناصر التي تتركب منها الظاهرة حتى يمكن فحصها فحصاً شاملا.. وليس من قبيل المصادفة أن Linguistics ترجم في مصر - أول الأمر - إلى (علم اللغة)، وهي الترجمة التي تنطبق على هذا العلم من حيث طبيعته وأهدافه.
ولعل أصح ما يمكن أن نطلق على هذا العلم أنه علم (القطعة)، فهو يقطع من اللغة عنصراً واحداً ويعزله ويتوفر على دراسته، يقطع (صوتاً) واحداً، أو (كلمة) واحدة، أو(جملة) واحدة.
وانخرط النجاة - وهم سادة اللغويين وأئمتهم - في درس (الجملة) لا يبرحونها، وانتهى بهم الأمر إلى أن بنوا (حبساً) حصيناً وضعوا أنفسهم فيه، وهو حبس لا يضيقون به، بل يستعذبونه، وينغمسون في ملذاته، وأصبح (نحو الجملة) هو المنهج وهو القانون.
والحق أن ذلك ليس مقصوراً على الدرس الحديث، فالنحو منذ القديم - فيما عرفنا من تاريخ الأمم - نحو جملة، والنحو العربي - وهو من أعظم ما أنتجت البشرية من أنحاء، نحو جملة، ولا يستطيع أحد أن يتغافل عن: (ضرب زيد عمراً) و (زيد ضرب عمراً) في حمل قوانين العربية وضبطها منذ سيبويه إلى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله.
غير أن الدرس الحديث قد أغرق في التزام (العلم)، وللعلم قيوده وصرامته، فتحول النحو إلى معادلات، وسيطرت عليه الرموز الرياضية، وبخاصة في النحو التحويلي الذي ظل يسعى من أجل إنشاء قاعدة (قوية) للتواصل إلى (كل الجمل النحوية في اللغة، ولكن فقط كل الجمل النحوية)، وأصبح (سجن الجملة) أكثر صرامة وجهامة مما دعا بعضهم إلى إقامة (جنازة) للنحو.. واندفع آخر إلى المطالبة بعلم لغة يكون أقرب إلى (الإنسان).
من هنا بدأت محاولة الخروج من (سجن) الجملة إلى الفضاء الرحيب، من القانون الافتراضي الصارم إلى الحياة الحقيقية، بدأت الرحلة من (الجملة) إلى (النص).
تعريف
ولسنا هنا في مكان يسمح لنا بالانسياق إلى لجاجة المختلفين على تعريف النص، أو البحث في الأصول العربية لهذه اللفظة، يكيفنا المبدأ الذي صدر عنه أهل اللغة المحدثون من أن الإنسان لا يتكلم كلمة واحدة، ولا جملة واحدة، إنما ينطق (كتلاً) أو (تعاقبات) من الجمل، وهذا هو الأصل في الخروج من (ضيق) الجملة إلى (سعة) النص، غير أنهم لم يكتفوا بعدد الجمل أو طولها أو تواليها بل حاولوا تحديد طبيعته ليكون نصاً، ويكاد يكون ثمة إجماع على أنه (كيان لغوي يصوغه صاحبه أو أصحابه لنقل رسالة ما إلى آخرين).
أي أن طبيعته الجوهرية طبيعة اتصالية بما يقتضيه الاتصال من كل العناصر المعروفة، وتظهر هنا أسماء معروفة: هاليدي Halliday ومعه رقية حسن، وبوجراند Beaugrande كان لأعمالهم تأثير قوي على وضع معايير معينة للنص، أهمها السبك cohesion والترابط coherence والقصد intentionality والقبول acceptability والموقف situation والتناص intertextuality والإبلاغية informativity .
ليس (الحجم) إذن مقياساً للنص، فقد يكون (كلمة) أو (جملة) أو (فقرة) أو (فصلاً) أو (كتاباً) بأكمله.. إن الكلمة المستعملة في المملكة العربية السعودية استعمالاً شائعاً في الإدارات الرسمية أو ما يشابهها حين يقول لك الموظف المسئول (استرح)، ليست كلمة مفردة، بل هو نص، يصوغه صاحبه يقصد نقل رسالة إبلاغية يفهمها المتلقي المتمرس بعناصرها المتعددة المتصلة بالسياق.
وقولنا (لا إله إلا الله) ليست مجرد جملة، إنها نص، بل هي عندنا (نص النصوص) تدخل إليه من زوايا مختلفة، لغوية تتصل بالسبك والترابط، وعقدية، وعرفية اجتماعية، وسياقية في مواقف معينة.. وهذا هو الفيصل بين نحو الجملة ونحو النص، فالأول قد يتوقف عند تحليل الإسناد، أو عند نفي الجنس، أو عند طبيعة (إلا) وما بعدها، أما نحو النص فقد خرج من التقعيد الافتراضي الضيق إلى رحابة النص التي لا تكاد تنتهي عند حد.
التوجه
هذا هو التوجه الجوهري في هجرة اللغويين من الجملة إلى النص، وغني عن القول إن النص عندهم أنواع كثيرة، لا يهمنا منها هنا إلا النص الأدبي وإن لم ينفرد عن الأنواع الأخرى من حيث الطبيعة ومن حيث إجراءات التحليل إلا ميله الغالب إلى (الإنحراف) عن النمط، أو (الانزياح) أو (الخروج) كما سماه آخرون، أو (العدول) كما نسميه نحن في التراث.
أخذ اللغويون يتناولون (النص) الأدبي بالمعايير التي ذكرناها، على أنهم - في واقع الأمر - كانوا أكثر عناية بالمعيارين الأولين: السبك cohesion والترابط coherence، وهذا أمر غير مستغرب لأنهما أقرب إلى الطبيعة الوصفية الشكلية في التحليل اللغوي.
والحق إن هذين المعيارين قد ذهبا بجل اهتمام اللغويين وعملهم، ذلك أن الجهد القديم قد اتصرف إلى إثبات مظاهر التماسك في الجملة الواحدة، فأراد المحدثون أن يجعلوا هذا التماسك جوهر النص، و (اعتماديته) في آن واحد، فهو (مستقل) بما يمتلكه من شبكة داخلية من (العلاقات) التي تربط أجزاءه جميعاً في (كل) يتصف (بالاكتمال)، وهو (معتمد) لأنه ليس (جذراً) منفرداً في أرض فضاء، بل هو (فرع) في (شجرة) نصية كثيرة الجذور تغذيها روافد عميقة متنوعة، وتتلاقح أعلاها مع كائنات أخرى ظاهرة وخفية.
البحث عن (التماسك) إذن كان هم اللغويين ولا يزال، فجعلوا (السبك) لمظاهر الربط النحوية في استخدام الإحالة أو المرجعية الضميرية والإشارية والمكانية والزمانية والتكرار والإبدال والحذف وغيرها.
وجعلوا الترابط coherence للظواهر الدلالية والمفهومية باعتبار النص كياناً (دلالياً) متدفقاً تربطه علاقات مفهومية منطقية كالمقارنة والعلية والتعميم والتخصص وغيرها، وكل أولئك قد انتهى في معالجات اللغويين - فيما نرى - إلى العلاقات النحوية.
الإحالة
ولعلي أشير هنا إشارة سريعة إلى تقسيمات اللغويين الإحالة والمرجعية إلى مرجعية قبلية وبعدية وخارجية فألفت إلى أنها تحولت إلى تفريقات آلية لا تقدم شيئاً ذا بال حين بشروا بعلم النص، وفي يقيني أن المرجعية أكبر بكثير من التناول السطحي الذي شاع في دراساتنا على وجه الخصوص، وأراها تتعالق مع مجالات قريبة وبعيدة، ثقافية وعقلية ومذهبية، تمس نفس الإنسان وعقله وتاريخه وقد تصدر عن الأصول العميقة الأولى، إن المتأمل في بعض أمثلة المرجعية في القرآن الكريم على وجه الخصوص ليدرك ذلك صحيح الإدراك.
هل يكفي الاقتناع بتطبيق إجراءات الصوف العلمي لمرجعية الضمير (هو) في قوله سبحانه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فنتصور أنا وضعنا إيدينا على فصل الخطاب.
إن المسألة - عند النظر الصحيح - أبعد من ذلك بكثير، وستظل بعيدة جداً إلى أن يشاء الله.
المرجعية
وكذلك الأمر فيما يتصل بالمرجعية الإشارية في قوله تعالى {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }.
ولقد حاول بعضهم أن يلجأ إلى (الالتفات) التراثي يفسر به (المرجعية) فلم يضيفوا شيئاً، ولنقرأ مثل قوله سبحانه {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
كيف يمكننا إدراك المرجعية حين تغيرت من ضمير المتكلم في { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} إلى ضمير الغيبة في {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، ولماذا الهاء وهو على وجه الخصوص في السياق الإسلامي؟
وكذلك لا يكفي الوصف العلمي للآية الكريمة {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} (91) سورة الأنبياء {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} (12) سورة التحريم.
كيف يمكننا أن نفهم تغير المرجع في آية الأنبياء من المؤنث {فَنَفَخْنَا فِيهَا} إلى المذكر في آية التحريم {َنَفَخْنَا فِيهِ}؟.
إن فكرة (المرجعية) التي ظل اللغويون يؤكدون أنها تمثل مفتاحاً ضرورياً لمعرفة التماسك في النص لا تصلح على صورتها التي عرضوها لتحليل النصوص العليا.
اللغويون
ودخول اللغويين ميدان النص الأدبي أفضى إلى عدد من العلوم اللغوية لا يزال بعضها يختلط ببعض، هي:
علم الأسلوب stylistics وتحليل الخطاب Discourse Analysis وعلم لغة النص Text linguistics، وليس من اليسير - حين نتحدث عن اللغويين والنص الأدبي- أن نقول إننا نتناول علم النص وحده، فالحق أن كثيراً من الإجراءات المنهجية التي اتبعت في علم الأسلوب وفي تحليل الخطاب امتزجت بإجراءات إضافية في علم النص، ولقد أنصح ألا يضيق باحثونا اللغويون على أنفسهم حين يعالجون النص الأدبي فيقولون إنهم يطبقون علم لغة النص دون العلمين الآخرين على أقل تقدير.
هذا مجمل ما جرى في الغرب، فكيف أخذناه وطبقناه على النصوص الأدبية العربية؟.
الملامح العامة
لا أدخل في تفصيلات وإنما أقدم الملامح العامة التي قد نرصدها على النحو الآتي:
1- انخرط الباحثون اللغويون في دراسة نص أدبي من الناحية اللغوية في بحوث الماجستير والدكتوراة في الجامعات المصرية على وجه الخصوص، وجرى معظمها على محاولة تصنيف الظواهر اللغوية الصرفية والنحوية- في الأغلب - إلى أنماط وصور مع نسب مئوية في ورودها في النص مع محاولة اكتشاف أي نوع من (العدول) بمقابلتها بالتقعيد التراثي، والحق أن ذلك كله لم ينته إلى دراسة شكلية فحسب، بل انتهى إلى تكرار الأنماط والصور مع اختلاف النصوص، ولا تجد في النهاية في هذه البحوث شيئاً ملموساً يمكنك أن تضيفه إلى تحليل النص الأدبي.
2- قدم عدد قليل جداً من اللغويين المتصلين بالدرس العربي والغربي على السواء عدداً من الدراسات تجد فيها منهجاً وتنظيماً وقدراً من الإضافة، غير أن الإغراق في استخدام الأرقام والرسوم البيانية والدوائر والمكعبات وغيرها أصاب هذه الدراسات في آخر المطاف - بقدر غير ضئيل من الآفات-.
3- ثمة عدد آخر من إخواننا ممن لم يتمثلوا التراث العربي تمثلاً قوياً قدموا أعمالاً، كتباً أو بحوثاً موجزة في الحوليات الجامعية والمجلات العربية المتخصصة، يسودها طابع الترجمة غير الاتصالية في لغة يغلب عليها الإغراب وعدم الوضوح، ومصطلحات غامضة بأمثلة أجنبية منقولة، وترديد أسماء أعلام واتجاهات ومذاهب.. وحين يستشيرني باحث ناشئ فإني أنصحه أن يعرض عن ذلك كله، ومن الخير له أن يقرأها في لغتها الأصلية فهي ثمة أوضح وأيسر.
4- وعلى طريقتنا حين ننقل شيئاً فإننا نختلف دائماً في ترجمة المصطلحات العلمية لأننا نعشق العمل - أفراداً - دون السعي إلى تكوين قاعدة ثقافية جامعة تفضي إلى إشاعة مناخ علمي صحيح .. ف cohesion ترجم إلى السبك، والتضام والتماسك والربط النحوي، والالتحام.
و coherence ترجم إلى الحبك والانسجام والتماسك والتناسق والالتحام والاتساق والتقارن.
وانتشر مصطلح (الإحالة) مقابلاً ل refernce مع وجود المصطلح التراثي (المرجعية).
أود أن أشير إلى شيء لم يصنعه اللغويون العرب حتى الآن في تناولهم للنص الأدبي، وقد أنغمس فيه الغربيون أنغماساً كبيراً في السنوات الأخيرة، أقصد المعالجة الحاسوبية للنصوص الأدبية، في إطار معالجاتهم للمتون Corpora المختلفة.. وثمة الآن برامج حاسوبية متعددة تعالج نصاً أدبياً ما، أو نوعاً أدبياً ما، أو أدب فترة زمنية ما، بتقديم الظواهر اللغوية المختلفة في صورة علمية دقيقة يمكن استثمارها في التحليل، وأهمها نسب الشيوع في المداخل المعجمية، والصيغ الصرفية، والتراكيب الجملية وغير الجملية، والمصاحبات اللغوية، والتعبيرات الاصطلاحية والسياقات اللغوية وغيرها مما شئت من الظواهر.. والحق إن هذا التوجه أصبح الآن أداة لا غنى عنها في أية دراسة موضوعية للنصوص الأدبية.
هذا ما كان من شأن اللغويين مع النص الأدبي.. فما الذي حدث؟
أيها السادة.. لا شك أن (علم اللغة) هو الذي طبع دراسة اللغة بطابع (العلم)، وقد استطاع في فترة وجيزة أن يطور جهازاً قوياً جداً من الإجراءات والأدوات والمصطلحات بحيث صار هو (النموذج) للعلوم الأخرى، واللغويون يعرفون ذلك، ويشعرون من أجله بقدر واضح من التسامي والاستعلاء، بل إنهم حين تحركوا نحو النص الأدبي لم يعترفوا صراحة أنهم يريدون الخروج من جفاف التقعيد العلمي إلى حيوية الاستعمال بل زعموا أنهم يريدون أن ينفذوا النقد الأدبي من الأحكام الذاتية الانطباعية والتحليلات الاتجاهية، والذي حدث أن بعض نقاد الأدب قبلوا هذا الزعم بل أرادوا فعلا أن يستثمروا النموذج العلمي اللغوي في تحليل النص الأدبي مما أفضى الآن إلى ما يعرف بعلم النص.
علم اللغة
إن النقد الأدبي حين اتخذ منهج علم اللغة في تناول النص الأدبي لم يكتف بذلك - بل وسع مجال النظر إلى ما لا نهاية، وهذا أمر طبيعي، حتى ليقال إنه قد فتح أبواب الجحيم حين بدأ يعرض لاستقلال النص، وسلطة النص، وتأويل النص، ودور المتلقي في إنشاء نصوص من النص، ولا نهائية النص.. وغيرها وغيرها مما تعرفون، وأبواب الجحيم ليست تشبيهاً سلبياً - على أية حال - لأنها قد تعني في الحق عدم الركون إلى استرخاء الرضا والاقتناع، والابقاء على النظر في حال اشتعال مستمر وقد يلحظ كثيرون أن علم النص في النقد الأدبي لم يكن علمياً خالصاً بل صدر في الأغلب عن أيديولوجيا معينة يقال إن معظمها يرجع إلى الماركسية والماركسية الجديدة.
وختم الدكتور الراجحي محاضراته بالإشارة إلى نقطتين:
أولاً: في الثقافة الغربية حين تتعقد مشكلة ما، وحين يصعب حل لغز جريمة معينة فإنهم يقولون (فتش عن المرأة) cherchez la femme ونقول إذا رأيت نشاطاً علمياً ما في العصر الحديث أصابه شيء ما من القلق أو التردد أو الإغراب.. أو.. أو.. نقول (فتش عن اللغويين).
المداخلات
* أشار المحاضر في نهاية محاضرته إلى أن صديقه الدكتور عبدالعزيز حمودة وهو متخصص في الأدب الإنجليزي أصابه الهلع وهو يقرأ معالجات النقاد العرب للنص الأدبي في إطار علم النص، فقدم لنا (المرايا المحدّبة) و(المقعرة) و(الخروج من التيه).
* تساءل الدكتور سعد أبو الرضا قائلاً: هل يحاول الدكتور عبده الراجحي تشكيكنا في المنهج؟.
* أشار الدكتور عوض القوزي إلى أن النحو العربي في الآونة الأخيرة بدأ يتعرض إلى هجمات كنظرية (موت النحو) ومسميات الكتب الصادرة حديثاً (في العربية ويسقط سيبويه).
* أشار المحاضر إلى أن هناك أطباء ومهندسين يتقنون اللغة العربية أكثر من المتخصصين فيها.
* عاتب الدكتور الراجحي الكليات والأقسام التي تدرس شرح ابن هشام على ألفية مالك.. وقال: إنهم يدرسون شرح ابن هشام ولا يدرسون اللغة العربية.
|