Wednesday 29th December,200411780العددالاربعاء 17 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

القروض الحسنة الصغيرة القروض الحسنة الصغيرة
د. يوسف بن احمد العثيمين

أود بداية أن أبدأ بشقائق الرجال.. فنحن في رحاب فعالية نسائية، وضيوفٍ عليها، فأبدأ، بعد شكر الله، بشكر جمعية الملك عبدالعزيز النسائية الخيرية، بمنطقة القصيم على عقد هذا اللقاء العلمي المبارك وعلى دعوتهم لي ولزملائي للحضور والمشاركة.. وأخصّ بالذكر الأخت الجوهرة الوابلي رئيسة مجلس الإدارة وزميلاتها في الجمعية.. كما أتوجّه بشكر خاص لسمو الأميرة أختي العزيزة نورة بنت محمد بن سعود الرائدة الريفية في عسير والأخصائية الاجتماعية في القصيم والأم الرؤوم للمبادرات الاجتماعية النسوية في هذه المنطقة العزيزة الغالية من الوطن فسموها - بشهادة الجميع - نبعُ إخلاص، وجدول عطاء، وفيضُ مواطنة، وضفّةُ خير، وإضافةُ مهنيّة نعتزّ بها، نحن الاجتماعيين.. وهي تقوم بجميع هذه الأدوار الاجتماعية بسمتٍ إسلامي، وذائقة وطنية سليمة والشيء من معدنه لا يُستغرب.
وأمام النساء العظام رجال عظام، وهنا كلمة حق، في صاحب حق مستحق.. هي في سمو الأمير فيصل بن بندر.. لن أحدثكم عنه بصفته أمير منطقة بامتياز، ولا بصفته حاكما إدارياً متميزاً، فهذا تحصيل حاصل.
ولكن أحدثكم عن فيصل: عالم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بالفطرة والممارسة، الذي لمست لدى سموه في حوارات متعددة، قناعات راسخة، تعبّر عن أحدث طروحات العمل الاجتماعي الناجح، بجميع صوره: الخيرية والإنسانية والتطوعية والإنمائية.
فسموه يعتقد جازماً بأن العمل الاجتماعي الناجح يقوم على أركانٍ خمسة، هي:
الأول: أن يكون العمل الاجتماعي منضبطاً: إدارياً ومالياً وفنياً.. وهذا يعني بالضرورة، أن يكون العمل الاجتماعي مؤسسياً: فيه رؤية، ورسالة، واستراتيجية واضحة، وليس اجتهاداً فردياً، يخطئ المرء فيه، أو يصيب.
الثاني: ينبغي أن يكون منهج العمل شفّافاً واضحاً، للقاصي والداني، حتى يطمئن الناس أن الصدقة والزكاة والتبرع، جمعاً وصرفاً، جُمعت بطريقة نظامية، وصُرفت على الوجه الشرعي الصحيح، وهذا ما يُكسب الجمعيات والمؤسسات الخيرية دعم الدولة وحماس المواطن وثقة المتبرع.
الثالث: أهمية التخصص في إدارة المؤسسات الاجتماعية وضرورة التخصص في البرامج الاجتماعية المقدمة من هذه المؤسسات؛ لأن هذا النهج هو الذي يقودها للتميز والتفرد وتركيز الاهتمام وحشد الموارد.. فكلما كان العمل الاجتماعي مركزاً في برامج محددة ويدار من قبل متخصصين كان ذلك أدعى للنجاح والتميز.
الرابع: أهمية الاستثمار لاستقرار موارد المؤسسات الاجتماعية، والإسلام فتح الباب واسعاً عبر الأوقاف.. وهناك صور رائعة للوقف الإسلامي الخيري والاستثماري بدأت تتبلور وتنتشر بين عدد من الجمعيات الخيرية في المملكة.
الخامس: الاهتمام بالبعد التنموي للإنسان ليكون نبراساً وأساساً لفلسفة برامج المؤسسات والجمعيات الخيرية.. يقودها ويأخذ بخطامها في رعاية الفرد والأسرة والجماعة.
هذه سياحة سريعة في فكر وعقل فيصل بن بندر في الشأن الاجتماعي كما بدت لي.. وهي الأساس الذي انطلقت منه فكرة هذا اللقاء.. وأريد هنا أن أتوقف مليّاً عند البُعد التنموي - الإنمائي - في عمل الجمعيات والمؤسسات الخيرية.. فلقد مضى ردح من الزمن، شاع الاعتقاد فيه بين الناس وبين العاملين في المجال الخيري أن الفقير - ذكراً أو أنثى - هو إنسان غير قادر على العمل والإنتاج وغير قابل للتوجيه والتحفيز والتعليم والتدريب، ولا يمكن أن يعتمد - بعد الله - على نفسه وعلى قدراته في تحسين وضعه وفي جلب رزقه.. ومن ثم أصبح الفقير عالة على الجمعيات طوال حياته وربما زوجته وأولاده من بعده.. ولهذا توجهت أغلب موارد الجمعيات ونشاطاتها وجهد العاملين بها ووقتهم إلى ابتداع حزمة من البرامج - سمها ما شئت - ولكنها في النهاية تقود إلى نشر ثقافة (نثر الدراهم، ومسح المراهم) على الفقير، وبذلك تحول العمل الخيري في مجمله إلى برامج إغاثة ومساعدات طارئة ومعاشات شهرية زادت الفقير فقراً وعودته الاتكالية والاعتمادية طول حياته بل ربما حرمت غيره من المحتاجين.. وأنشأنا دون أن نقصد فئة اجتماعية سُميت ب (فقير الجمعيات) .. بل ونشأت ثقافة خاصة حولها في أسلوب (التسول الذكي) والتربص بالأغنياء وكتابة المعاريض والتوقيت المناسب لاستعطاف الأثرياء.. لدرجة أن هناك أمثلة - في بعض مدن المملكة - عن أحياء معينة خصصت للاستئجار في المواسم مثل شهر رمضان يستأجرها الفقراء لشهر واحد في السنة لتلقي الصدقات والزكوات وتبقى خالية طوال العام لحين قدوم الموسم القادم.
حتى الحيوانات لم تسلم من الآثار السلبية للاتكالية والاعتمادية على الغير، في تحصيل قوتها وطعامها.. فقد اتضح ان القردة في المناطق الجبلية التي تمر بها خطوط المواصلات تموت حينما تفقد ما يقذف به المارة من أعواد الموز عليها حيث فقدت القدرة الفطرية التي جبلت عليها في البحث عن الرزق بالاعتماد على نفسها وقدراتها التي منحها الله لها.
لكننا - ولله الحمد - بدأنا نشهد تحولات في الاتجاه الانمائي لتحسين أوضاع الفقراء وتمكينهم.. وهي خطوات صغيرة نحو آمال كبيرة - بإذن الله - وبدأت بعض الجمعيات تتبارى في سبيل تبني هذه الطروحات التنموية الجديدة التي تستهدف انتشال الفقير من دوائر الفقر والجهل والجهالة والاعتمادية والاتكالية على الآخرين وتحويل الفقير إلى مواطن منتج.. وقد أخذت هذه الطروحات صوراً شتى لمشروعات من أبرزها: برامج التدريب والتأهيل والأسر المنتجة والقروض الصغيرة والمشروعات الانتاجية الفردية والجماعية.. وبدأت تتخذ هذه البرامج شعارات تنموية جميلة مثل: (نحن نساعد الفقير لكي يساعد نفسه) (نحن نعرف المحتاج ولا يعرفنا) (نحن نبحث عن الفقير ولا يبحث عنا) .. ومن دون أن أحرق أوراق زملائي وزميلاتي، المشاركين في هذا اللقاء سأتحدث باختصار، عن أمثلة من تجارب تنموية ناجحة:
القروض الحسنة الصغيرة
وهي فكرة ابتدعها مفكر اقتصادي بنجلاديشي هو البروفيسور (محمد يونس) ونعته باسم (بنك الفقراء) (جرامين بنك) ويدار البنك على أسس مصرفية بحتة، تأسس في بنجلاديش.. ثم انتشرت الفكرة وذاع صيتها في أصقاع العالم.. وكشف تقرير أصدرته (الحملة العالمية للإقراض الصغير) التي تستهدف مساعدة أفقر فقراء العالم ان نحو (54) مليون شخص من أفقر الفقراء يشكل العنصر النسائي (81) في المائة منهم تمكنوا من الحصول على قروض صغيرة العام الماضي بهدف البدء في تطوير مشاريع صغيرة.. وتهدف هذه الحملة العالمية للوصول إلى (100) مليون عائلة من أفقر الفقراء، مع نهاية العام المقبل (2005م) .. وهذه الحملة برنامج منبثق عن الصندوق التربوي لمنظمة
results وهي منظمة تطوعية غير حكومية.
كما يفصل التقرير الذي يتزامن مع إطلالة العام القادم وهي السنة الدولية للقروض الحسنة الصغيرة في معلومات جمعت من (3000) مؤسسة خيرية حول العالم لديها أكثر من (80) مليون فقير حصلوا على قروض و (54.8) مليون منهم من أكثر الناس فقراً حيث يعيشون على دخل يومي لا يتجاوز أربع ريالات في اليوم.
ويرى القائمون على هذه الحملة أن الإقراض الحسن هو ثورة في الصناعة المصرفية وبني نجاحه عن طريق حلول مصرفية إبداعية.. فعندما عملت المصارف التجارية على إقراض الأغنياء قامت مؤسسات القروض الحسن بإقراض الفقراء.. وعندما قامت المصارف بإقراض رجال الأعمال عملت هذه المؤسسات على إقراض النساء.. وعندما قدمت المصارف قروضاً كبيرة قدمت مؤسسات الإقراض الحسن قروضاً صغيرة.. وعندما اشترطت المصارف التجارية ضمانات لمنح القروض امتنعت مؤسسات الإقراض الصغيرة عن المطالبة بأي ضمانات.. وعندما تطلب التعامل مع المصارف التجارية العديد من المعاملات الورقية كانت مؤسسات الإقراض الصغير أقل ورقية وأفضل تعاملاً وتفاهماً مع العملاء الأميين.. وعندما كان عملاء البنوك التجارية هم الذين يقصدون مقار البنوك عملت مؤسسات الإقراض الحسن على البحث عن عملائها والوصول إليهم في مجتمعاتهم المحلية.
هذا ويتم استخدام القروض الحسنة لتمويل عدد واسع من النشاطات المهنية التي لا تحتاج إلى تقنية عالية مثل: الصناعات اليدوية والحياكة والمشروعات التجارية الصغيرة وبيع أجهزة الهاتف الجوال في المناطق النائية وعمل النساء في منازلهن.
وفي منطقتنا العربية تبنّى برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (أجفند) موضوع الإقراض الحسن ونجح في إنجاز خطوتين رئيستين فقد شهد عام (2003م) تأسيس بنك الفقراء في كل من اليمن والأردن وشهد العام (2004م) تنظيم المؤتمر الاقليمي للإقراض متناهي الصغر في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا وتم اطلاق مبادرة لإنشاء الصندوق العربي الإفريقي للقروض الحسنة الصغيرة.
وسوف يُعقد مؤتمر للحملة العالمية للإقراض الصغير في كندا عام (2006م) ويمثل هذا الاجتماع ثمرة جهود الحملة على مدى تسع سنوات للوصول إلى (100) مليون عائلة من أفقر الفقراء عن طريق الإقراض الحسن.
ومن هنا تأتي أهمية الجهد المبارك الذي تقوم به - حالياً - جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية النسائية في منطقة القصيم عندما بدأت في تصميم برامج القروض الحسنة الصغيرة الذي نرجو أن يؤتي ثماره قريباً لخدمة النساء الفقيرات في المنطقة وتحويلهن إلى عناصر منتجة عبر تنفيذ مشروعات خاصة بهن.
مصنع للإنتاج الأسري بالمدينة المنورة
تم مؤخراً افتتاح مصنع للإنتاج الأسري أقامته الجمعية الخيرية للخدمات الاجتماعية بالمدينة المنورة وتم استقطاب (250) امرأة للعمل بهذا المصنع بعد أن أكملن بنجاح دورة تدريبية تضمن دورات التأهيل الحرفي في مجال الخياطة النسائية ومشغولات الديكور المنزلي.
والمصنع يستهدف خدمة الأسر المحتاجة وتعويضها عن ذل السؤال من خلال تأمين عمل شريف مناسب، حيث يتم تسويق منتجات المصنع عبر المحلات المتخصصة أو البيع المباشر أو عبر منافذ الجمعية والمعارض الاستهلاكية أو الاتفاقيات المباشرة مع المستشفيات والمدارس والشركات والجهات الحكومية.
ومن مخرجات المشروع جلباب النوم الرجالي والشراشف والمريول المدرسي وملابس المستشفيات، وغير ذلك.
أمثلة أخرى
وفي محافظة جدة قررت جمعية البر الخيرية ابتعاث (3) من أبنائها الأيتام إلى جامعة (ملتميديا) في ماليزيا وذلك لاستكمال دراساتهم الجامعية في مجال التسويق والاقتصاد.
وهنا في منطقة القصيم أشير بالتقدير إلى تجارب ابداعية اجتماعية تنموية ومنها:
1- مشروع الأمير فيصل بن بندر لتدريب وتوظيف الشباب.
2 - مشروع العمل التطوعي بين فتيات القصيم.. وهو مشروع جديد تتبناه سمو الأميرة نورة بنت محمد.
3 - المستودع الخيري في بريدة.
4 - مشروع الإسكان التنموي بمركز (ابانات) في محافظة الرس.
هذه وقفات سريعة على نبتات خيرية اجتماعية تطوعية تنموية أرجو ان نتعهدها بسقيا المتابعة وروح النفس الطويل لتؤتي ثمارها المباركة في منطقة القصيم.
لقد اشتهر (قصيمنا) بأنه مصنع للرجال ومعقل للعلم وبيت للتجارة ومعهد لكبار موظفي الدولة.. وعُرف الناس بعفوية في المشاعر والسلوكيات.. واتسم المجتمع القصيمي بحيوية غير مسبوقة في الجوانب الخيرية والاجتماعية والإنسانية والتطوعية، بل وامتدت هذه الحيوية لتطول الجوانب الثقافية والفنية والأدبية والرياضية والاهتمام بالشأن العام في الحي وفي السوق وفي المجالس الخاصة وفي ما يُسمى ب (الدوريات الليلية) - ليس المقصد هنا دوريات (اللواء الطيب) - وكنا نسمع عن لجان أهلية تشكلت للمطالبة والتعقيب على كافة المشروعات الحكومية وغير الحكومية ذات النفع العام للمنطقة، وكان أعضاء اللجان ينفقون من مالهم وجهدهم ووقتهم واهتمامهم الشيء الكثير في سبيل تحقيق هذه الأهداف المجتمعية النبيلة، وأحياناً يكون ذلك على حساب أعمالهم الخاصة وشؤون أسرهم وأولادهم.. وشارك (المجتمع القصيمي) بكافة أطيافه ومختلف شرائحه في الاهتمام والمشاركة في هذه الفعاليات.. ثم خبت - للأسف - بعض من هذه المناشط وشاعت سحابة من الاتكالية والفردانية.. وسادت أجواء من عدم الاكتراث واللامبالاة وانتشرت مشاعر الأثرة والشح بالوقت والمال والجهد.. إلا من رحم ربي.
فلنُعد لقصيمنا حيويته المعهودة ولنحيي الأمل في قصيم تضاعف فخرنا - جميعاً - بالانتماء إليه شيوخاً وشباباً رجالاً ونساء ناشئة وأطفالاً.. وليس ذلك على عزائم رجاله ونسائه من أمثالكم بعزيز.
وإذا كان للمال زكاة فإن للجاه والصحة وللعلم والخبرة وللسعادة الزوجية وصلاح الأبناء ولنعمة الأمن والانتماء لهذا الوطن زكوات علينا أن نؤديها في المجالات التي يحتاجها إليها الوطن والمواطن.. ليبارك الله لنا فيما ننعم به من خيرات ويديمها علينا، فبالشكر تدوم النعم.. وشكرها ليس باللسان والألفاظ فحسب ولكن بالمساهمة الإيجابية في حمل هم قضايا الوطن ومعالجة مشكلات المجتمع.. كل بحسب قدرته واستطاعته وما ييسره الله له.. مالا وجهداً وخبرة.
بارك الله في الجهود وسدد الخطى وحفظ هذا الوطن من عبث العابثين وكيد الكائدين.

(*) من محاضرة في اللقاء العلمي بجمعية الملك عبدالعزيز النسائية الخيرية بالقصيم


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved